تتوفر معطيات مشجعة على اصطفاف إقليمي جديد يدور في جزء مهم منه حول الحرب الدائرة حالياً في اليمن، من حيث صلة هذه الحرب بالسعودية التي تشعر أكثر من أي وقت مضى بالتداعيات الخطرة لهذه الحرب، وتتطلع إلى احتوائها والتقليل من آثارها الكارثية على المملكة والمنطقة.
ثمة أسباب عديدة تدفع بهذا الاصطفاف إلى حيز الوجود، لعل أبرزها الموقف العائم أحياناً والغامض والعدائي للإدارة الأمريكية الجديدة تجاه دول رئيسية في المنطقة، على اختلاف في دوافع ذلك الموقف حيال كل منها.
لكن يبدو أن التوجه نحو إعادة التحكم بمسار الحرب في اليمن في ظل التحولات السيئة التي تشهدها هذه الحرب؛ هو بكل تأكيد المحفز الرئيس لما يمكن وصفه بإعادة نظر حكيمة في المواقف التي تبتنها دول عربية وفي مقدمتها السعودية ومصر؛ ضد كل من قطر وتركيا، في خضم تحولات ارتبطت برغبة الرياض والقاهرة ومعهما أبو ظبي في القضاء على الربيع العربي ومحركاته السياسية والعدائية غير المفهومة تجاه الحركة الإسلامية.
ثمة أسباب عديدة تدفع بهذا الاصطفاف إلى حيز الوجود، لعل أبرزها الموقف العائم أحياناً والغامض والعدائي للإدارة الأمريكية الجديدة تجاه دول رئيسية في المنطقة
ومن المؤكد أن السعودية تأخذ بعين الاعتبار السقف المرفوع الذي تتمتع به جماعة الحوثي بعد أن رفعت الإدارة الأمريكية الحالية وعبر أعلى المستويات فيها؛ اسم هذه الجماعة الإرهابية من لائحة الإرهاب للمنظمات الأجنبية، مطلقة يدها لتواصل الحرب ضد اليمنيين، واستهداف المملكة، فيما اكتفت إدارة بايدن بالمواقف التي تصدرها الخارجية الأمريكية والتحركات المتعثرة للمبعوث الأمريكي إلى اليمن تيموثي ليندركينع.
يشير أحدث استهداف للمنشآت الحيوية في المملكة، الذي أُعلن عنه كالعادة من جانب جماعة الحوثي، وطال صباح الجمعة الماضية مصفاة النفط العملاقة في جنوب شرق الرياض، إلى أن إيران مصممة على تحقيق نصر عسكري لها في اليمن عبر جماعة الحوثي، التي تتصدر مشهد استهداف السعودية وتتبنى هجمات تطال العمق السعودي، في ظل وجود مؤشرات على أن إيران وجماعات أخرى تابعة لها هي من نفذها وينفذها وليس الحوثيين.
ثمة إذا ما يرجح حدوث تبدلات عميقة في طبيعة التحالفات والاصطفافات الإقليمية قد تبدو معه المنطقة مختلفة عما كانت عليه قبل سنوات، وهذا التطور قد لا يكون منفصلاً عن تحركات تجري في الولايات المتحدة التي تشهد انقساماً سياسياً
ثمة إذا ما يرجح حدوث تبدلات عميقة في طبيعة التحالفات والاصطفافات الإقليمية قد تبدو معه المنطقة مختلفة عما كانت عليه قبل سنوات، وهذا التطور قد لا يكون منفصلاً عن تحركات تجري في الولايات المتحدة التي تشهد انقساماً سياسياً؛ طرفاه الحزبان الرئيسان الجمهوري والديمقراطي، والذي يبدو أنه طوى عهداً من النفوذ القوي للمؤسسات الأمريكية وتأثيرها في تحديد المواقف الرئيسة لواشنطن تجاه القضايا والتطورات والدول والجماعات.
وليس هناك أبلغ من الدليل الذي يمثله تراجع الزخم الذي كانت تغذيه الإدارة السابقة، وكان يرمي إلى بناء تحالف إقليمي كان يديره بحماس ولي عبد أبو ظبي محمد بن زايد، ويدور حول الكيان الصهيوني ونفوذه والمفاتيح التي يملكها في واشنطن، وهو تحالف كان قد اقتضى إعادة النظر في الأولويات التقليدية للصراع العربي الإسرائيلي، وفي سياسات ومواقف، وتسبب في هدم العلاقات الراسخة بين الدول العربية.
لكن هذا التحالف يبدو أنه لم يعد يتفق مع التطوارت الجديدة التي تشهدها المنطقة وتلك التي شهدتها واشنطن نفسها، على الرغم من نجاحه في دفع دول عدة في المنطقة لإقامة علاقات مع الكيان الصهيوني والتطبيع معه؛ كما عكسته السلوكيات المبتذلة من بعض النخب الخليجية والعربية التي تفاعلت مع التطبيع.
وبما أن اليمن هو أحد المحركات الرئيسية للتحولات الإقليمية المنتظرة، فإنه من المفيد الإشارة إلى أن الضغط الهائل الذي يمارسه الحوثيون على المعقل الرئيس للسلطة الشرعية، وهو مدينة مأرب بما تمثله من أهمية استراتيجية واقتصادية كبيرة، متوازياً مع هجمات متواصلة على العمق السعودي، بات يعكس حالة استثنائية من إيقاع الحرب التي تبدو أكثر من أي وقت مضى حاسمة وخطيرة.
السعودية وبعد أن انسحبت شريكتها الإمارات من الساحة اليمنية مخلفة وراءها جماعات مسلحة مؤثرة؛ هي اليوم من سيتحمل أعباء النتائج السيئة للحرب إذا ما قدر لإيران أن تحقق أهدافها كما كانت تخطط لها منذ عقود
لهذا لا يجب النظر إلى هذه الحرب على أنها جزء من مسلسل الصراع الدائر من الحوثيين وخصومهم، وذلك أن السعودية وبعد أن انسحبت شريكتها الإمارات من الساحة اليمنية مخلفة وراءها جماعات مسلحة مؤثرة؛ هي اليوم من سيتحمل أعباء النتائج السيئة للحرب إذا ما قدر لإيران أن تحقق أهدافها كما كانت تخطط لها منذ عقود.
والحقيقة هي أن مواجهة التحديات الوجودية في المنطقة لا ينبغي أن تتوقف على إجراء بعض التحسينات في مواقف الدول الإقليمية الرئيسية من بعضها، بل بتحسس الأدوار التي ينبغي أن تؤديها، وإعادة بناء مرجعيات إقليمية كتلك التي تؤديها إيران للمنظومة الشيعية في المنطقة؛ مما أكسبها كل هذا التأثير على المستويات السياسية والعسكرية والأمنية والاستراتيجية، ومنحها الفرصة للتحكم بمقومات الحرب والسلام، في مقابل التدمير الممنهج الذي طال مقدرات الأمة وفقاً لحسابات سلطوية ضيقة مارستها بعض الدول؛ رغم الاستهدافات التي تتعرض لها.
* نقلا عن عربي21