دعونا من الأسماء، فبراير أو غيرها من الثورات، لنناقش الأمر عموما، نستطيع أن نتناول الفكرة والمبدأ، لقد أصبحت جدلية حاضرة بشكل فج ومبتذل مع كل ذكرى ثورية أو حديث عابر عن الثورة، وربما تنجح هذه المقاربة في أن تصبح قاعدة جيدة قادرة على تغيير إحدى القناعات المعتسفة، وتفكيك أهم العقد النفسية المتراكمة إزاء الفعل الثوري.
وعليه ينبغي التساؤل إذا كانت ثورة شخص انتهازي قد انتهت بعد أن تمكن من تحقيق مكاسب ومصالح شخصية، فما الذي حققه الشخص المقهور والمضطهد حتى يقرر أن يكفر بالثورة، ماذا الذي تم إنجازه من أهدافها ليتوقف عن النضال فجأة، هل لأنه يشاهد حوله مزيدا من الحرائق المتوقعة، هل يفوته أن الاستسلام اليوم للأوضاع القائمة لم يعد أقل كلفة من الاستمرار في النضال، كيف يجرؤ أن يعلن استسلامه في معركة من أشرف المعارك الأخلاقية لأن فلانا حقق مكاسب شخصية بينما هو لا يزال معدما، لا يمكن أن تكون نفسية الثائر صغيرة إلى هذا الحد، إنه في هذه الحالة شخص انتهازي ونفعي لم يحالفه الحظ بعد.
من يتلفت ويجد أشخاصا استفادوا من الثورة بينما أهداف الثورة لم تتحقق بعد، ولم ينجز ما خرج من أجله، فهو أشد الناس حاجة إلى مواصلة النضال وإلى تجديد إيمانه بالثورة خصوصا وأنه لم يعد هناك من شيء يخسره، إنه يمر بظروف قاسية قد يعتقد أنها قائمة نتيجة لتطورات واستمرار المواجهة بين الثورة والثورة المضادة من ناحية وفساد من تسلقوا الثورة، فلماذا إذن يقبل بالخضوع للسياسة التي تعتمدها تلك الأطراف بهدف ثنيه عن ما يريد.
من يجدر به أن يخاف ويرتبك هو شخص استثمر في الثورة وراكم الثروات وتقلد المناصب على حساب قضايا ومعاناة الشعب، ليس سواه من ينبغي أن يقلق من استمرار الحراك الثوري، لأنه المواجهة النهائية حتما ستكون في غير صالحه وستخلق مشهدا جديدا لن يكون أحد خياراته أما الثائر الذي خاض تجربة ثورية نزيهة وعفوية، وبات يرى كارثية ومأساوية الأوضاع، فعليه أن يحتفظ بروحه النضالية وحماسه الثوري، لأن الثورة لا زالت مستمرة ما دامت لم تحقق معظم أهدافها بصرف النظر هل يجب أن يسمي تلك الثورة فبراير أو أن يبتكر لنفسه اسما وتاريخيا خاصين لتدشين مشوراه النضالي، الذي لا ينبغي أن يتوقف، ما دام هناك ظلم وفساد في أرضه.
رفض الظلم والفساد والإجرام مبدأ أخلاقي ضروري وليس وجهة نظر تقبل المساومة، ومن غير المنطقي أن تخضع للمزاج الايديولوجي المتعصب .
لا ندعو للقبول بالدروشة، والوقوع في المزيد من الفخاخ، وأن يقبل الثوار بأن يتحولوا لمطايا، ومادة قابلة للاستغفال، لكن الأمر يحتاج لشيء أكثر حكمة وموضوعية من التحرك وفق القطعيات الكسولة والاندفاعات العمياء، لأن كل ذلك فعل غير ناضج يفقد بريقه وتخمد ناره سريعا.