التنكيل الذي يتعرض له إرث الحركة الوطنية مفهوم حين يصدر من قوى تحاول العودة إلى ما قبل سبتمبر وأكتوبر وتخوض حرب استرداد اليمن القديم وإعادة تفصيلها على مقاسات الإمامة شمالاً والسلطنة جنوباً؛ إلا أن الذي ليس بمفهوم أن يتم تصفية المكتسبات التي كرست فكرة الشعب وسيادته على مرأى ومسمع من الجميع وفي أحسن الأحوال بردات فعل لا ترقى لمستوى التهديد وخطورته.
في صنعاء وفي عدن حيث يجثم الماضي الذي يحاول العودة على حساب اليمنيين لا تكاد تسمع للإنسان رأيًّا ولا للشعب إرادة فلم يعد ثمة شعب هنا وإنما حشد من الخائفين يبحوث عن سبل للعيش الآمن بعد أن وجدوا أنفسهم وحيدون في مواجهة هذا العائد الأسود، إنهم بلا دولة تحرس إرثهم وتحمي مكتسباتهم وبلا أحزاب أيضا تتحدث عن حقوقهم كما كانت تفعل من قبل، وحيدون في مواجهة إرث المستعمر المحلي والأجنبي.
الحقوق التي تصنع من أفراد الناس شعباً مريدًا فاعلاً يتم استهدافها تباعا وبما يسلب المجتمع فاعليته ويجرده من عناصر قوة تحفظ كرامته فلا حريات مصانة ولا تظاهر سياسي مكفول في مناطق سيطرة قوى الماضي العائد على أكتاف المبندقين.
بقيت تعز ساحة مفتوحة للشعب وفيها يمكنه أن يحضر ويتفاعل ويقول ويحتج على الأقل تكريسًا للحق وحفاظاً عليه إلى حين قيام دولة تحميه وترعاه وتعكس إرادته؛ إلا أن هذه الساحة هي الأخرى باتت مهددة ولم تعد في مأمن.
الاعتداء على مظاهرة سلمية وقطع خط سيرها في مناطق الحجرية جريمة لم تستهدف فقط من أصابتهم رصاصات المتقطعين بقدر ما استهدفت فكرة الإنسان ذو الصوت المختلف والمغاير لصوت الرصاص حين تصبح سلطة تحكم ولو على مساحة قرية، فكرة الشعب القادر على القول ما يريد هي التي تعرضت لفعل أثيم على أيدي عصابة ترى في أصوات الجماهير خطراً على مشروعها النقيض لمشروع الناس وهو ما جعل من صمود المتظاهرين وتشبثهم بحقهم الدستوري جبهة نضال لا تقل أهمية عن جبهات مواجهة مواجهة الإنقلابيين ولا تفرق عنها إلا بطابعها السلمي وغير العنيف وإلا فالغاية واحدة في كلا الجبهتين: وهي حماية كرامة اليمني واحترام إرادته.