اليمني كائن بكر، عذريته لا يفضها الزمان ولا تشيخ مشاعره مهما تقدمت به السنين والأيام، قلبه أخضر على الدوام، يكفيه صورة لعنق أنثى ليقف شعر صدره ويتفاعل معها كما لو أنها صارت قريبة منه أو على وشك الارتطام بجسده، ينفعل بكامل حواسه مع لقطة لفاتنة من شوارع لبنان ويستدعي أنبل عواطفه ليتماهى في اللحظة ويذهب معها إلى أقصى حدود العاطفة.
بلغ جدي الثمانين من عمره ولم يكف قلبه عن الخفقان، أتذكر كيف يمازحني حين أعود من المدينة فيهمس لي: لو أنت تحب جدك يا محمد، شوف لي بنوتة من حق مطلع، عاد القلب أخضر.
هذا هو اليمني ولو كان كهلًا على مشارف القبر تجده يفيض بكل بواعث الحياة، ينطرب لمشاهد الجمال وينبض قلبه لصبية تتمخطر في الطريق أو تطل من شرفة المنزل.
هذا الاستعداد النفسي يكشف عن خصوبة عاطفية عالية، حيوية باطنية لا تعرف الذبول، وروح مكتنزة بأشواق الحياة، هو كائن معذب وفقير لكن في أعماقه ثراء نفسي كبير وذخيرة عاطفية لو وزعت على شعوب العالم لكفته.
يسخرون من اليمني بأنه يعاني من الحرمان، إلا أن معاناته هي أنبل ما فيه، تتجلى في مظاهر احتفاء نزيهة، ويعبر عنها بأرقى الصور الممكنة، حيث الكبت يفرز كائن شاعري من الدرجة الأولى، هياج عاطفي نبيل يبث الحياة في شعب مثخن بالأوجاع، ويكشف عن نزوع جماعي للبهجة وعطش غزير لمظاهر الحياة السعيدة.
بربكم ماذا تريدون منه، هل يسركم أن يسقط في فخ الاحباط وفقدان المعنى وتلاشي قيمة الحياة لديه، هل تريدونه أن يفقد شغفه للعيش ويغدو كائنًا متبلدًا مكتئبًا يجلد ذاته ليل نهار ويندب حظه العاثر في الحياة، أم أن قتاله للتمسك بالمعنى وتمجيد مظاهر الحياة هو أمر سيء ويستحق أن تستهزئون به وتسقطون عليه أقذع الصفات وتهم الرجعية والتخلف..؟
هل هؤلاء الشاب اللاهثين بحثًا عن حياة هم حشد من المتخلفين وفاقدي الذوق أم أن من يتهكم عليهم هو الفاقد للتهذيب في التعامل مع مشاعر البؤساء والسخرية من محاولتهم الاندماج مع العالم والتمسك بأدنى مشاهد جمالية تهب حياتهم معنى وقيمة..؟
لا يقتصر تفاعل اليمني مع المشاهد الحميمية فحسب، أو تلك التي تفسر على أنها نتاج الكبت الجنسي، هو دائم التدفق وكثيف المشاعر في كل المشاهد المثيرة لعواطفه، في الحزن والغضب كما في الألم والبؤس، تجده متضامنًا ومحتشدًا في كل موقف، يتفاعل مع أخبار الموت ويغضب حين تجرح كرامة اليمني، ويدعم المواهب ويتكافل مع المسحوقين وبذات العاطفة يرتعش قلبه للجمال حين يتجلى أمامه، هل هذه نقيصة بحقه، أم جوهرة نفسية ثمينة تستحق الاشادة بها وحراستها من الذبول..؟
لا تقارنوه بالشعوب الأروبية، تلك التي بلغت ذروة الحضارة وفقدت روح الشغف وحس الاستشعار البكر تجاه أشياء الحياة، شعوب مزهرة من خارجها_وهذا أمر طيب_لكنها تفتقد لتلك الاندفاعة الذاتية الساحرة، والتوقد الروحي الدائم، بالطبع نريد اللحاق بمظاهر الحداثة لكننا لا نرغب بالتخلي عن جذورنا الدافئة وحميمية اليمني الفائضة في الحياة.
حسنًا، احتفلوا يا شباب، لا تدعوا أحدًا يحتقر مشاعركم أو يمارس أي نوع من التعنيف النفسي ضدكم، احشدوا صور الجميلات وتناقلوا مشاهد الفتنة فيما بينكم، حرروا نفوسكم بالانتماء للجمال، وابصقوا في وجه كل من يقدم لكم نصائح فاقعة كروحه الباهتة ونفسيته ال.
إذ أنت أبصرت الجمال ولم تهِم**كنت امرئ خشن الطباع بليدا
* اكرمونا يا شباب بأخر تجليات ثورة الحق والخير والجمال في لبنان، دعونا نلهو قليلا مع الصبايا الحسان وليذهب المتفيهقون للجحيم.