«أنا لبناني، تلعب تونس… أنا تونسي. تلعب المغرب… أنا مغربي. تلعب مصر.. أنا مصري. تلعب السعودية.. أنا روسي». هكذا كتب أحدهم في مواقع التواصل الاجتماعي، فيما كتبت مواطنته اللبنانية شيئا آخر مختلفا تماما: «سألني أجنبي من أشجع اليوم بين روسيا والسعودية، أجبته السعودية طبعا… فتمتم : أنتم العرب ميؤوس منكم في عروبتكم.»…
هذا بين لبنانيين اثنين فقط فما بالك بين جنسيات عربية مختلفة خاضت كثيرا في دلالات التصويت مع أو ضد المغرب لاحتضان كأس العالم لكرة القدم عام 2026، فلما بدأت مباريات كأس العالم الحالية في روسيا حمى وطيس النقاش بين التلميح والاستهزاء وصولا إلى الشتائم والمسبات.
لم تستسغ الأغلبية العربية المغرمة بــ «فيسبوك» و«تويتر» كيف لدول عربية هي السعودية والعراق ولبنان والأردن والكويت والبحرين والإمارات أن تصوت لصالح ثلاثي الولايات المتحدة وكندا والمكسيك وتبخل بأصواتها على المغرب، في حين صوتت الجزائر مثلا للمغرب رغم كل سنوات الخصام والقطيعة الطويلة، بل وصوتت معها دول عديدة كان بعضها في أمس الحاجة لكسب ود واشنطن ومساعداتها فيما استغرب كثيرون أن تصوت السعودية ضد المغرب وهي التي احتضنت قمة الظهران العربية التاسعة والعشرين التي طالبت الدول العربية الأعضاء بدعم الملف المغربي.
في المقابل غرد آخرون بأن هذه الدول العربية التي صوتت ضد الرباط لم تكن أول من فعل ذلك وبأن الملف الثلاثي حصل على ضعف أصوات المغرب وبالتالي فأصوات تلك الدول العربية ما كان لترجح كفتها في كل الأحوال، فيما ذهب آخرون أبعد من ذلك كقول أحد المغردين السعوديين إن الرباط صوتت في كثير من القضايا العربية ضد المطلوب ثم «يأتون ويقولون لماذا السعودية لم تصوت معنا رغم أنه مجال رياضي عادي وليس سياسيا مؤثرا».
عندما تبدأ مباريات كأس العالم وسط مثل هذه الأجواء المشحونة فلا يمكن إلا أن تزداد الأمور حدة، خاصة بعد ما قوبل به تركي آل الشيخ مسؤول الرياضة في السعودية من هتافات مسيئة عندما كان يتجول في شوارع موسكو، ثم جاء كثيرون في مواقع التواصل ليظهروا شماتتهم في هزيمة المنتخب السعودي أمام نظيره الروسي في المباراة الافتتاحية بخمسة مقابل صفر، وامتد ذلك إلى تعليقات ساخرة ولاذعة على حضور ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وجلوسه في المنصة الشرفية إلى جانب الرئيس بوتين ورئيس الفيفا، ثم تواصل الاستهزاء والتعليق الساخر حين خرج آل الشيخ بعد تلك المباراة ليقول إن لاعبي المنتخب «سودوا وجهه».
اللافت أن من اشترك في هذه الموجة ليس فقط ممن حركتهم «ضغينة» حديثة أو قديمة كالمغاربة أو القطريين بل أيضا مصريون ساءتهم جدا تصرفات وتصريحات مسؤول الرياضة في السعودية، السابقة واللاحقة، وآخرها ما قاله عن تمنيات الشفاء لنجم المنتخب المصري المحبوب والخلوق محمد صلاح «بعد كأس العالم.».. مع أنه كانت لديه فرصة لتصحيح تصريحه السابق الذي تمنى له فيها الإصابة قبل كأس العالم!! أكثر من ذلك، كان هناك سعوديون غاضبون إلى أبعد حد إلى درجة كتابة مقالات كاملة انتشرت على نطاق واسع كذاك الذي جاء تحت عنوان «القحطاني يشرشح تركي آل الشيخ ويعيده لموقعه الصحيح» والذي يصل فيه كاتبه، الحقيقي أو المستعار، إلى خلاصة يقول له فيها لقد «فشلت باقتدار بالرغم من أنك أعطيت عصا موسى وكنوز قارون».
ومثلما لم تغادر السياسة تصرفات وتصريحات المسؤولين الرياضية لم تغادر كذلك تعليقات الجمهور العريض في مواقع التواصل التي كشفت لنا ما كان محبوسا في الصدور. زاد في سكب الزيت على النار دخول قناة قرصنة سمت نفسها «بي أوت كيو» استولت جهارا نهارا على بث «بي أن سبور» التي ظفرت بالحقوق الحصرية لبث المباريات في الشرق الأوسط وشمال افريقيا. وإذا كانت دولة الإمارات مثلا استطاعت في آخر وقت أن تتوصل إلى تفاهم مع هذه القناة القطرية رامية بالخلاف السياسي وراء ظهرها فإن السعودية لم تفعل، ما سيسبب لها متاعب كبرى بسبب إصرار الفيفا على محاسبة المسؤولين عن هذه القرصنة التي رعتها وشجعتها علنا جهات سعودية معروفة.
الحديث بعد كل هذا عن فصل السياسة عن الرياضة يبدو بلا معنى، بل إن ما تبديه سجالات الرياضة هي السياسة بعينها. ما جرى يحتاج إلى وقفة تحليلية لاستخلاص العبر.
*القدس العربي