هدوء، وقمر تسامره نجمة من بعيد، و لا أدري من ذا الذي يحلي الآخر هل هي الموسيقى أم هو نبيذ الغيوم؟! وعلى الناصية الأخرى ينام القطار الذي أنتهى دوامه قبل ساعتين من الآن، هذه الضاحية ذات الليل الهادئ صارت تشكل جزءًا من لوحة الصمت التي عمدت على رسمها مؤخراً.
نسايم السحر و مياه النهر تشكلان ثنائياً راقصاً و تتخللهما أشجار النخيل، و أغصان متشابكة لأشجار لم أكلف نفسي لمعرفة أسمائها.
تقطع خلوتي رنات الموبايل لمتصلي بعض القنوات التي تبحث عن مداخلات هاتفية أو على الاسكايب، صرت مؤخراً لا أرد عليها ماذا أقول في الشأن اليمني المتشابك كالغابات الاستوائية التي تحيط بهذه الضاحية القريبة من كوالالمبور، و أكره أن تضاف لي فيها الألقاب التي تسبق اسمي لأكون بعدها ملزماً بالحديث في سياقات معينة، ماذا تغني الألقاب والتعاريف في زمن اللاحقيقة؟؟
العزلة خير من الهذيان، لكن يجب أن تكون محدودة و لغرض معين و لهدف واضح، كمراجعة الحسابات و تفقد الذات و إعادة التموضع، و التفرغ للمعرفة بشقيها؛ بحثا و إستزادة، أو إنتاجا و بناء.
و العزلة تعني البعد عن المحيط و البيئة و الضجيج و كل ما يشغلك و يزيدك تشتتاً و بعداً عن غايتك.
و لكي تؤدي العزلة لنتائج طيبة على المحيط و البئية تفهم الوضع، و إدراك أن العزلة ليست ترفاً و لا هروباً من مشكلات الواقع البسيطة، بل إكمالاً لمشوار الحياة، ونتاجاً لحاجة الفرد لها كعامل مساعد على الإنتقال من وضع لآخر.
الحياة أكبر من الاعتزال و أكبر من الضجيج و التطفل، و لاستمرارها بشكل صحيح لابد من صناعة التوازن بين حاجة المجتمع و حاجة الفرد.
إن بناء الذات مسألة دقيقة و معقدة، وتتطلب الوقت و الجهد و القوة و الصبر، فالذات أصعب موجود في وجود الفرد، و الفرد قد يعي ما يريد و يدرك واقعه، لكنه يظل حائراً أمام ذاته، و لا يستطيع الإجابة عن أسئلة تبدو سهلة مثل لماذا أفعل هذا؟ وما الذي يدفعني لإتخاذ موقف معين؟ ولماذا أنا هنا ولست هناك؟ ما القوى الخارقة التي تسيرني بهذا الاتجاه؟ هل أنا شيطان أم ملاك على هيئة بشر؟
يستطيع الفرد مغالطة نفسة و الإجابة بسرعة على كل تلك الأسئلة وغيرها و سيدرك بعد حين كم كان متعجلاً في الإجابة.
القضية اليمنية تتعقد كل يوم، و يجد الناس أنفسهم يدورون في حلقة مفرغة، التحالف يساعد الشرعية، وفي نفس الوقت يسيطر طرفاً فيه على السواحل و الموانئ و منابع النفط و حقول الغاز، و يتمدد بشراهة أكثر من الحوثي، الانقلاب في اليمن كان نتاجاً عن غباء قوى محلية و إقليمية و العاصفة كانت ردة فعل على غباء كل من ساندوا الانقلاب محليا و إقليمياً، و المحصلة يساعدون اليمن و يحاصرون الشعب و يطردون المغتربين بالسعودة، و يحاربون إيران في مانشتات الصحف.
استردوا 80% من الأراضي اليمنية، أين هي الأراضي المحررة فعليا؟ بضعة كيلومترات في تعز و أخرى في مأرب و الجوف و بضعة متارس في سلسلة نهم الوعرة، و بقية اليمن مع الحوثي، والأراضي قليلة السكان مع الإمارات مرة ترنجها و مرة أخرى تسحب الرنج، تجند القوم وتنقلهم من معركة إلى أخرى و تجلب لهم سيد القناصة الذي قتل أفرادهم سابقاً ليكون قائداً لهم.
اليمن في مأزق أكبر من العاصفة و أكبر من التحالف، أما الشرعية فهي مجرد خدج وضع في حاضنة. أما الانقلاب في صنعاء فلا يحتاج إلى إسقاط فهو ساقط من يومه لا برنامج و لا إدارة و لا قيادة.. "ثور مشعوف معلق على رقبته ناقوس" سيردي نفسه من حيد دون أن يشعر.
التنفس بعمق في هذا الليل هو الحل و العزلة هي طريق للحل و ليست حلاً في ذاتها، ستكون اليمن بخير مادام فيها من يريد الدولة و الباقي تفاصيل.