تتسم عملية إدارة الموارد المالية في البلاد بحالة من الفوضى والغموض وانعدام الشفافية،ويتجاذبها أكثرمن طرف،فحين تسيطر الحكومة الشرعية على موارد هامة مثل القطاع النفطي في المحافظات الشرقية وميناء عدن،مازال الحوثيين يبسطون نفوذهم على ميناء الحديدة وقطاع الاتصالات الذي يُدر أرباحاً طائلة، أدت هذه العشوائية الحاصلة في تسيير اقتصاد البلد إلى شحة تحصيل الإيرادات من قبل البنك المركزي في عدن،مما أفقده القدرة على السيطرة على السياسة النقدية للعملة الوطنية.
ولم يسبق للعملة الوطنية في البلاد أن شهدت تراجعاً أمام العملات الأجنبية بهذا القدر من الانهيار المخيف والذي انعكست آثاره السلبية على مختلف السلع في اليمن والتي شهدت هي الأخرى تصاعداَ في الأسعار بلغت أضعاف أسعارها السابقة.
خلال الأيام الأخيرة عاود الدولار صعوده المخيف أمام الريال اليمني الهزيل الذي أصبح يرثى لحاله، حيث بلغ سعر الصرف للدولار أكثر من 520 أمام الريال، دون أن تتخذ الحكومة والشرعية أي إجراءات من شأنها الحفاظ على استقرار العملة وتجنبها شبح الانهيار.
قبل قرابة ثلاث سنوات كان سعر الصرف الثابت للدولار أمام الريال 250، ومنذ ذلك الحين ارتفع الدولار تدريجياً حتى وصل إلى أكثر من 500 بفعل عوامل الانهيار المحيطة في البلاد من حرب واقتتال وفساد ونهب لخزينة الدولة ليس له مثيل، ناهيك عن غياب السلطة المركزية الواحدة لمختلف المحافظات اليمنية.
وأمام هذا الصعود الصاروخي للدولار أمام العملة الوطنية، ستخرج حكومة بن دغر الرشيدة كالعادة بإلقاء المواعظ والخطب للمواطن واتهام الحوثيين بأنهم وراء كل ما يجري من تدهور مريع في حياة المواطن من كافة الجوانب، الجميع يدرك هذا والكل يعرف بأن الحرب هي التي فاقمت من بروز الكارثة الإنسانية في البلاد.
لكن المواطن لديه حكومة شرعية ووقف مناصر لها وفي صفها من أجل إنقاذ البلاد وتوفير الحد الأدنى من الخدمات الأساسية للمواطن الذي بات يفتقدها منذ سنوات. ينتظر المواطن من الشرعية إجراءات وخطوات عملية توقف الفساد والعبث وتعيد استقرار العملة الوطنية وتحافظ على بقاء الأسعار على الأقل دون أن تشهد كل يوم آخر ارتفاع جنوني.
هذه الحكومة التي لا تختلف عن حكومة الانقلاب في فسادها وعبثها، لم يلمس منها المواطن أي خطوات تذكر لتحسين المعيشة وتوفير الخدمات الأساسية، باستثناء الوعود الكاذبة التي سيقت ببذخ للمواطن المغلوب على أمره.
أعضاء الحكومة ووكلاء الوزارات الذي يؤدون عملهم من فنادق العواصم العربية يتقاضون رواتبهم بالعملة الصعبة، لذا لن نجد لهم أثر في الإحساس بمعاناة الشعب في الداخل الذي تفتك بهم المعاناة والأزمات دون رحمة.
تحالف الخذلان هو الاخر الذي يتشدق دائماً بتدخله في اليمن من أجل الحفاظ على البلاد وشرعيته ومساندة الشعب اليمني في أزماته الاقتصادية التي حصر لها، لم يقدم شيء من شأنه أن يعيد الاستقرار للريال اليمني ويحافظ على العملة الوطنية، يحتاج البنك المركزي في عدن لودائع مالية ضخمة لكي يستعيد توازنه ويحافظ على الريال اليمني من الانهيار الذي يتربص به.
مرّ أكثر من عام على الوعود التي أطلقتها الحكومة السعودية بإيداع مليار دولار وديعة مالية للبنك المركزي في عدن، للنهوض به وإعادة تنشيط السيولة في الأسواق المحلية، لكنه لم يحدث شيء من تلك الوعود ولم تفي المملكة بالتزاماتها تجاه بلد جار يمثل عمق استراتيجي لها.
بخلت المملكة في إيداع مليار ريال في البنك المركزي اليمني، وهو مبلغ لا يكاد يساوي شيء تجاه الأموال الطائلة التي تغدق بها السعودية على أمريكا وآخرها انتزاع ترامب قرابة نصف ترليون دولار خلال جلسة قهوة مع حكام المملكة أثناء زيارته للرياض في مايو من العام الماضي.