"السَّيْفُ أَصْدَقُ إِنْبَاءً مِنَ الكُتُبِ
في حدهِ الحدُّ بينَ الجدِّ واللَّعبِ
بيضُ الصَّفائحِ لاَ سودُ الصَّحائفِ في
مُتُونِهنَّ جلاءُ الشَّك والريَبِ"
* أبو تمام
بإعلانه عاصفة الحزم في 25 مارس 2015 حاز جلالة الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود رضى الناس في اليمن، واستبشر الجميع خيرا فالمملكة ودول التحالف قرروا أخيرا انقاذ الشعب اليمني من محرقة تشبه محرقة سوريا، فالحوثي لا يختلف عن بشار في شيء لا من حيث التبعية الكاملة لإيران ولا من حيث دعوى النسب، وإن كان الأخير يخفي نفسه تحت مسمى البعث العربي ويدعي القومي، إلا أن الحوثي يعلنها دينية طائفية بلا مواربة، ومؤخرا قضى على الجانب السياسي من انقلابه المشبوه، وصار المجتمع الدولي على بينه تامة من جنون هذا الغر الذي يقود حربا ضد الشعب اليمني وضد جيران اليمن مع أخذ الاعتبار بحصول النقص في العتاد العسكري الذي يؤهله ليكون مكافئا للتحالف في هذه الحرب.
منذ ما يقرب من الثلاث السنوات العجاف يعاني الشعب اليمني من وطأة الحرب التي زادت عن الحد المتوقع، هذا وليس لدى ميليشيات الهاشمية السياسية المدعومة من نظام الملالي في إيران من القوة ما يكفي لمجابهة دول التحالف التي دعمت تأسيس الجيش الوطني التابع للشرعية اليمنية وصار قوامه نصف مليون جندي، إلا أن الجبهات تراوح مكانها في أكثر من جبهة.
وحتى بعد أن تبخرت أسطورة ما كان يسمى بالحرس الجمهوري بعد "طي صفحة صالح" بحسب وصف الرئيس هادي مازالت الجبهات الرئيسة في نهم وصرواح وتعز تراوح مكانها، وهذا لارتباط تحريك هذه الجبهات بالتوازنات السياسية التي طرأت فيما بعد على قائمة أهداف التحالف، وتخوف الإمارات من دور مستقبلي لحزب الإصلاح، وحتى بعد لقاء قادة الإصلاح الذي جمعهم مع بن سلمان وبن زايد إلا أن الجبهات المذكورة مازالت تراوح مكانها، مع تحرك في جبهة شبوة وتحرر هذه المحافظة بالكامل من سطوة مليشيات الهاشمية السياسية.
بعد كل ضربة صاروخية فاشلة توجهها الميليشيات المدعومة من إيران نحو المملكة العربية السعودية تقوم طائرات التحالف بغارات تستهدف صنعاء، وغيرها من المدن الواقعة تحت سلطة الميليشيات الإرهابية، إلا أن هذه الغارات ترعب المواطنين ويذهب ضحيتها مدنيين، ولا تؤتي ثمارها ولا تقتل قادة الميليشيات ولا تنهي تواجدهم في المواقع والثكنات العسكرية، الناس في حالة من الفقر والعوز في كل أنحاء اليمن والمشردون داخل وخارج اليمن يعلم بحالهم الله وحده، والحرب لا مؤشرات على إنهائها ولا ندري إن كان هناك قرارا بحسمها أم أن قصة التوازنات مازالت تشغل البعض.
فرضية التوازنات يقف خلفها محللون أغبياء وأناس ينقصهم إلى جانب الإنسانية الخيال، فهل حالة الشعب اليمني لا تستحق المغامرة وتخليصهم من سطوة ميلشيات تقتل حتى حلفائها وتحرق أوراقها السياسية بكل جنون! بعض التحليلات السياسية لا علاقة لها بالواقع ولا المستقبل وتستند على تنبؤات أقرب إلى الشعوذة والكهانة، فمن سيحكم اليمن مستقبلا ليس مهما كائنا من كان، كيف يمكن لعاقل أن يؤخر فك الحصار عن مدينة مثل تعز والناس يبادون كل يوم بأيدي قناصة مليشيات الهاشمية السياسية!.
في فتح عمورية نصح المنجمون المعتصم العباسي بالتريث وتأخير الفتح لأن النجوم تنصح بالتأخير، فكان جواب أبي تمام "السَّيْفُ أَصْدَقُ إِنْبَاءً مِنَ الكُتُبِ.." التحليل السياسي الذي يؤخر الحسم ليس سوى تنجيم وكهانة على القادة التخلص منه، طول فترة المعركة أصاب الشعب اليمني بالإحباط، وحتى شعوب الخليج ملت، إلا أن شركات بيع الأسلحة والأدوية والمعدات اللازمة للحروب لم تمل، ويعتقد أنها هي من تقف وراء التنجيم والتحليلات وبث الشكوك.
تحرير صنعاء وتعز يحتاج إلى المدفعية وهي بمقام السيف الذي تحدث عنه أبو تمام، كما أن ترك التحليلات الفاسدة أولى من الأخذ بها، فتكلفة التأخير عسكريا واقتصاديا ونفسيا أكبر من كلفة الحسم، كما أن التهديدات التي تتعرض لها الرياض لن تتوقف بدون تحرير صنعاء، وسواء كانت شركات الأسلحة التي جلبت الصواريخ للحوثيين إيرانية أو روسية أو صينية أو حتى أميركية فهي تستغل العامل الزمني في إطالة الحرب وتبث الرعب في شعوب دول التحالف وعلى رأسه الشعب السعودي.
أعلم كما يعلم غيري أن بعض الدوائر والمنظمات الدولية حكومية وأهلية تحذر من الحسم في صنعاء ولها مصالحها كإطالة الحرب فتلك المنظمات والجهات وحتى الحكومات مرتبطة بشركات السلاح التي تريد المزيد من الأرباح، وتتحجج باسم الإنسانية والحقوق من جهة، وتظهر بعض الحكومات قلقها من صواريخ إيران التي تذهب للرياض لكسب المزيد من عقود بيع السلاح.
الحل يكمن في الحسم ولا أحد يستطيع إتخاذ مثل هذا القرار غير جلالة الملك سلمان بن عبد العزيز، فالقرار يحتاج إلى مغامرة، والمغامرة في هذه الحرب مضمونة النتائج، خاصة وأن مليشيات الهاشمية السياسية باتت منبوذة محليا من كل فئات المجتمع، كما أنه لا أحد على المستوى الدولي يستطيع تبنيها أو إعادة تسويقها، فهي اثبتت جنوحها للإرهاب والاجرام المتعمد وجاء وقت اجتثاثها.
شعوب المنطقة تريد أن تعيش، لا الشعب اليمني عاد قادرا على تحمل هذا الوضع ولا شعوب الخليج لديها القدرة على تحمل المزيد من القلق، اذا فليكتب التاريخ أن الملك سلمان فعلها وخلص الشعب اليمني من كابوس مليشيات الهاشمية السياسية وخلص المملكة من داء الصواريخ الباليستية للأبد، بدلا من أن يكتب أن جلالته أرخى مسمعه للمحللين الكهنة وللمنظمات التابعة لشركات بيع السلاح التي تبتز الخزينة السعودية، واحجم عن كتابة التاريخ بعد أن توفرت له كل الفرص الممكنة.
*المادة خاصة بالموقع بوست.