من تابع التطورات المتسارعة في الملف اليمني والقادمة من العاصمة صنعاء على وجه التحديد، يوقن بأن التصعيد والوعيد والمفاجآت هما سيدا الموقف بين طرفي النزاع، الأصدقاء الأعداء، أي التحالف الحوثي الصالحي إن صح التعبير.
دعوة الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح أنصاره المؤتمريين وجميع اليمنيين واليمنيات إلى الخروج للاحتفال بالذكرى الخامسة والثلاثين لتأسيس حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يترأسه، يوم 24 أغسطس/آب، وما تلى ذلك من اشتباكات بين عناصر من حراسة نجله صلاح علي عبدالله صالح وأحدى النقاط الأمنية المستحدثة في جولة المصباحي في العاصمة صنعاء الذي يديرها أفراد أمن تابعين لميليشيات الحوثيين، وأدت إلى مقتل أربعة أشخاص، ثلاثة من ميليشيات الحوثيين والرابع من كبار القياديين المؤتمريين وهو العقيد خالد الرضي نائب رئيس لجنة العلاقات الخارجية في حزب المؤتمر، ومدير مكتب نجل صالح العميد أحمد علي عبدالله صالح، أسفرت كذلك عن العديد من الجرحى بينهم نجل صالح نفسه، ولكن إصابته طفيفة كما ذكرت العديد من المصـادر.
من تابع كل ذلك يصل إلى قناعة تامة بأن الخلافات بين طرفي الانقلاب أو التحالف الحوثي الصالحي وصلت إلى قمتها، وإلى درجة يصعب السيطرة عليها أو حلها، حتى رغم توقيع اتفاق أو تفاهم هش بينهما في صنعاء في وقت متأخر من ليل الإثنين قبل الماضي، يعود للعلاقة بين الطرفين إلى ما كانت عليه قبل حشد السبعين وأنصار المؤتمريين في الرابع عشر من الشهر الماضي.. إلا أن ذلك لا يعني عودة المياه إلى مجاريها بين أنصار الله الحوثيين وبين أنصار الرئيس السابق علي عبدالله صالح وبين قيادة حزبه المؤتمر الشعبي في صنعاء ما يؤكد انتهاء شهر العسل الطويل بين الطرفين.
نعم ذلك لا يعني عودة العلاقة كما كانت قبل الاشتباكات الدامية يوم السادس والعشرين أغسطس/ آب الماضي، حتى رغم ذهاب وفد حوثي برئاسة صالح الصماد رئيس ما يعرف المجلس السياسي الذي يدير مناطق يسيطر عليها الحوثيين وصالح.. ونائبه ممثلاً عن حزب صالح المؤتمر قاسم موسى، ومحمد علي الحوثي رئيس اللجنة الثورية العليا، لأداء واجب العزاء والمواساة لشقيق العقيد الراحل خالد الرضي العميد طارق أحمد زيد في منزله في صنعاء يوم الثلاثاء الماضي، وبعث رسالة توحي بأن يغلب الجميع مصلحة الوطن واليمن والانتظار لنتائج التحقيقات لتلك الاشتباكات وعودة الأمور لطبيعتها بين الحوثيين وصالح حسب بيان نقلته وكالة سبأ الحوثية.
نعود لنقول إن ذلك التفاهم الهش، لم ولن يبدد بعد قلق الطرفين من خطورة بعضهما على بعض، أو غدر أحدهم بالآخر.. وهذا ما يؤكده عدم قبول التيار الحوثي لشروط صالح أو معظمها وإصرارهم بضرورة بقائه تحت الكماشة الحوثية والإقامة الجبرية وإصرارهم، وإن لم يصرحوا ذلك ضمنياً، لكن عملياً يؤكدون ذلك.
وأبرز تلك الشروط التي خرجت عبر تسريبات صحافية، أولاً: إلغاء اللجنة الثورية الحوثية العليا، ثانياً: سحب المشرفين الحوثيين من جميع الوزارات السيادية التي يسيطر عليها أنصار صالح والحوثيين والتقليل من صلاحياتهم. ثالثاً: وقف تدخل رئيس اللجان الحوثية محمد علي الحوثي في شؤون تلك الوزارات. رابعاً: تحييد الإعلام وعدم تدخل محمد علي الحوثي في أجندته أو سياساته. خامساً: إلغاء جميع النقاط العسكرية الحوثية المستحدثة خاصة في مربعات سيطرة قوات صالح الأمنية في جنوب وشرق العاصمة صنعاء، فيما طرح التيار الحوثي شروطاً على الرئيس صالح وحزبه المؤتمر أبرزها: تخزين مخازن السلاح التي هي تحت سيطرة الجيش الموالي لصالح، الاستمرار في القتال ضد التحالف العربي والقوات الشرعية أو ما يسميه الحوثيون «العدوان»، عدم قبول مبادرة المبعوث الأممي إلى اليمن ولد الشيخ أحمد التي تخص ميناء الحديدة.
وما يشير إلى أن أيام اليمن المقبلة ستكون حبلى بالمفاجآت وحبلى بالمزيد من التطورات المتسارعة والتي تتوالى يوماً بعد آخر، هو إقدام جماعة مسلحة كما وصفها حزب المؤتمر الشعبي العام أو في بيان مقتضب على الاعتداء على محامي علي عبدالله صالح الذي يدعى حسين المسوري وتكسير يديه وتعرضه لرضوض وكدمات كبيرة ما بين الصدر والأرجل أدت إلى نقله إلى المستشفى وإدخاله العناية المركزة. ولا توجد أي أخبار تؤكد استقرار حالته أم لا. ولكن في المقابل هذا يؤكد أن الأمور مرشحة للانفجار في أي لحظة وأن الوضع تحت الجمر بين الطرفين في انتظار من ينفخ عود الثقاب. وسيكون هناك أيضا فعل ورد فعل مواز، ولكن علينا أن نسلم بأن الرئيس السابق علي عبدالله صالح لا يمكن أن يقبل أن يكون تحت هذه الإقامة الجبرية وهو بالمناسبة ثعبان أكب.
إذن كيف سيكون الرد المؤتمري من قبل صالح؟ هذا ما لا نعرفه ولكن من خبرة الرجل الطويلة أنه يمتلك دهاءً كبيراً وسوف يستعين بقبائل حوض صنعاء. وكما ذكرت بعض المصادر بأن علي عبدالله صالح يمتلك أربعين ألف مقاتل مدربين ومتمركزين في سنحان وبعض جبهات القتال ضد الحكومة الشرعية والتحالف العربي، وأيضا في الجزء الجنوبي ومدخلين من العاصمة صنعاء. وهنالك قبائل طوق صنعاء والتي منها خولان وسنحان وبني حشيش وبني مطر قرابة حوالي خمسة عشر ألف مقاتل، مستعدون بإشارة من صالح لزجهم في القتال ضد التيار الحوثي. إذاً.. صالح أصبحت لديه القوة القبلية إضافة إلى ما تبقى لديه من جنود يستطيع أن يلعب بهذه الورقة، وخاصة إذا ما حظي بدعم دولي أو خليجي، ويستطيع أن يصمد لفترة طوية، لكنه رجل الحسابات، كما هو معروف عنه، وليس رجل القوة العسكرية، عندما يرى بأن حسبته ستكون ناجحة يمضي قدماً لتنفيذها على الأرض اليمنية، ولا نستبعد أي غدر تجاه التيار الحوثي، لأن الرجل سجله حافل بالخداع فهو ثعلب ماكر. ولكن علينا أن ننتظر الأيام المقبلة التي ستكون كفيلة بالإجابة على الكثير من التساؤلات. ولكننا نشير إلى أن علي عبدالله صالح لطالما ردد مقولة شهيرة بأنه يرقص على رؤوس الثعابين.
ترى هذه المرة هل سيستطيع وهل سيجيد الرقص على رؤوس ثعابين سامة؟ ونقصد بالثعابين السامة الحوثيين الأصدقاء الأعداء مع صالح وحزبه المؤتمر في الوقت الحالي. هل سيستطيع أن يرقص هذه المرة ويخرج منتصراً وأن تكون الرقصة بمهارة بحيث لا تصيبه الأفاعي السامة بأي لدغة قد تؤدي إلى أن يدفع حياته ثمناً باهضاً لهذه الرقصات المتوالية لفترة تزيد عن ثلاثة وثلاثين عاماً؟
نأمل أن نكون مخطئين. لكن من يراهنون أو يضعون أو يقولون أو يحللون بأن الاتفاق الأخير الموافق في الثامن والعشرين من آب- أغسطس، سينهي هذه الخلافات نهائياً ويعود التحالف الحوثي الصالحي يحارب فقط على الجبهة الخارجية ويحارب ما يسمى بالعدوان أو التحالف الخليجي، ربما لا يقرأون مجريات الأحداث بشكل جيد، ونختلف كليا مع هذا الطرح، ونرجح بأن هذا التحالف انتهى أو يلفظ أنفاسه الأخيرة، وما هو إلا اتفاق تكتيكي مرحلي حتى يحصل صالح على فرصة أكبر للانقضاض على التيار الحوثي، خاصة إذا ما حظي بدعم إماراتي غير مسبوق أو دعم خليجي حينئذ سيقوم بالتحالف مع الخليج والقوات الشرعية لدحر التيار الحوثي مقابل أن يكون موجوداً سواء عن طريق إعطاء نجله مكاناً في الحكومة اليمنية المقبلة، أو أن يكون له وجود في التاريخ السياسي اليمني أو في المستقبل السياسي المقبل.
لكن كم تستمر هذه الإقامة الجبرية؟ وما هو مصير صالح بعدها؟ وهل سوف تتغير الأمور بعد أسابيع من اتفاق التصالح الاضطراري، بين الموتمر وانصار الله؟ هل سيتكرر سيناريو هادي بعد خروجة من صنعاء، بعد إقامته الجبرية التي لم تتجاوز الشهر، لا نعتقد ذلك لأسباب مختلفة .. لكن اليمن يظل بلاد العجائب والمفاجآت وما أكثرها في الأزمة والحرب اليمنية الحـالية.