في مطلع هذا العام ألتقيت بالأستاذ محمد اليدومي رئيس الهيئة العليا للتجمع اليمني للإصلاح بالإنابة، اللقاء كان عابراً، ولم يكن حواراً صحفياً كما أردت، من خلال عملي كصحفي منذ عام 2004 – كتبت قبل هذا التاريخ بسبع سنوات لكنها لا تزيد عن كتابة هاو، وما زلت أمارس هذا النوع الممتع لي من الكتابة - تعودت في حواراتي الصحفية لمعرفة كنه الشخص و أوله وأخره يلزمني خنقه بعشرة أسئلة أعود فيها إلى ماضيه وحاضره لأستشرف مستقبله، كثير من الساسة مخادعون بامتياز إلا ساسة اليمن يوصون الصحفي أن "يزبط الحوار" حتى يعجب جماهيرهم العريضة ..
أعود للقاء اليدومي الشخص المتربع على قمة أكبر أحزاب البلاد منذ تأسيسه حتى هذه اللحظة، سألته سؤالاً واحداً، كان سؤالي بسيطاً كلغم وسريعاً كرصاصة - البلد في حالة حرب وعلينا مواكبة الحدث - قلت له بصفتك مستشار رئيس الجمهورية اليمنية، ورئيس أكبر حزب في البلد و أكبر داعم للشرعية، دعني أسألك متى سيتعامل معكم التحالف - و خصوصاً الإمارات - كشركاء، بصفتكم دولة وشرعية؟
بدا الرجل كمن لا يُسمع صوته فقد كان خافتاً و يبدو أن نظره أيضا كان ركيكاً، قال بهدوء مباغت : "نحن شركاء في الحكومة ولدينا تمثيل في وزارتين" ..
قلت له : " ليس عن هذا سألتك..بمجموعكم كشرعية متى سيتم التعامل معكم كشركاء لا كتابعين للتحالف؟ غضب الرجل و قال: " هذا السؤال خال من أدب السؤال .."
و وجه بصره نحوي قائلا : " أنت تريد مني إجابة محددة وتوجه سؤالك بدقة .." استمتعت بهمهات الرجل الذي يزيد عمره عن عمر والدي حفظه الله، لم أهتم البتة لسرعة الإجابة فقد تعودت على الصبر كثيرا بسبب المجتمع الجديد الذي أعيش فيه، قال في مجمل كلامه : "الإمارات تقاتل معنا كتف لكتف ولست مستعداً لتصديقك وتكذيب عينايَّ".
الفندم اليدومي والذي وصفته وكالة الأنباء السعودية واس بالأمس بالعقيد مازال صارماً وجاداً وليس له مواقف متعددة في القضية الواحدة، لا ينظر بنزق إلى ما يجري في اليمن، يعادي الانقلاب وحده ولا يرى أي عدو سواه، ويبدو أن كل المهاترات المتبادلة فيسبوكياً وفي توتير وفي بعض وسائل الإعلام لا ترقى إلى أن تصنع لدى الرجل الصلب شيئاً من خوف، هو غير متخوف مما يجري في الجنوب وبصره متجه نحو استعادة العاصمة صنعاء.
لقاء الأمس في الرياض بين قيادة المملكة والإمارات وقيادة الإصلاح يأتي نتيجة طبيعية لشراكة استمرت حوالي ثلاث سنوات، فالحزب هو الوحيد الذي أيد عاصفة الحزم بعد انطلاقها، متجاوزاً كل المخاوف التي قيلت حينها، وتأييد الحزب كان جادا و ذو قيمة حقيقة، فهو الحزب الموجود في كل أرجاء اليمن الكبير، وليس تأييداً سياسياً فقط، بل ميدانياً فقد انخرط أعضاء الحزب في المقاومة التي سبقت العاصفة، إيماناً فردياً وجماعياً بأهمية الدفاع عن اليمن وبحق الشعب في استعادة الدولة وبناء مؤسساتها.
على كلٍ.. اللقاء السياسي تأخر كثيراً، وسبقته لقاءات عسكرية جمعت بين قيادات المقاومة وقيادات عسكرية مع دول التحالف، و اللقاءات المباشرة وطرح كل شيء على الطاولة تذيب المخاوف المزعومة إن وجدت هنا أو هناك، أمن اليمن من أمن الخليج و استقرار اليمن ينعكس على المنطقة برمتها، و ميدانياً الثلاث سنوات حرب أثبتت أن الإصلاح فعال و لا يمكن تجاوزه أو تهميشه أو مجافاته، الحزب الذي لا تخلو بياناته من كيل المديح الأخوي للتحالف بقيادة السعودية والإمارات، من المهم إدراك أن هذا اللقاء ليس لترتيب وضع الإصلاح أو ما شابه، اللقاء كان للحديث عن اليمن، مع أهم الأطراف الفاعلة في البلد سياسياً وعسكرياً وإعلامياً وثقافياً.
المتغيرات الأخيرة وأهمها طي صفحة صالح على يد العصابات الدينية الإرهابية الحوثية بالطريقة البشعة التي استنكرها أعداؤه وأصدقائه على حد سواء كشفت أن الطريق نحو الإصلاح بات إلزامياً للتحالف الذي يهدف لاستعادة الشرعية، بصفة الإصلاح أهم الأحزاب المكونة لها.
يطالب البعض منذ فترة بحل الأحزاب، هذه المطالب موجهة نحو الإصلاح حتى من بعض المحسوبين عليه ناهيك عمن يكنون له العداء الأيدلوجي، هذه المطالب لا تخرج عن ترديد عبارات تلقيها بعض المطابخ الإعلامية التي تنقصها الحصافة و ينقصها الصدق والواقعية، البلد في حالة حرب والشرعية تحاول أن تلم الناس في صفوفها لاستعادة الدولة ويتجمع خلفها خيرة أبناء اليمن و يأتي من يتحدث كالببغاء عن حل الحزب، وهناك من يطالب الحزب بسحب أعضائه المنضمين للمقاومة ثم للجيش الوطني من الجبهات، ظناً منهم أن الحزب أغلى من الوطن، أو أن الفرد سيسمع حزب أو قيادة تطالبه بتسليم موقعه لأعداء الوطن، من هم في الجبهات أكثر معرفة بالواقع من بعض "المتسيسين الجدد" الذين لم يسقط شهداء بجوارهم، ولم يروا كيف خاض الشباب معارك التحرير من عدن إلى تعز ومأرب والجوف، والبيضاء، اليمن أكبر من أي حزب في قلوب أفراد الجيش سواء كانوا إصلاحيين أو غير إصلاحيين.
تعالت أصوات مخلصة تطالب الإصلاح أن يتفاهم مع قادة التحالف وها هو الحزب فعلها إيمانا بصدق تلك الأصوات من داخل وخارج صفوف الحزب، اليمن اليوم بحاجة إلى تكاتف الجميع وتجاوز مرحلة رفع التقارير ضد المقاومة والجيش والإصلاح من قبل بعض ضعاف النفوس، البلد بحاجة إلى كل جهد، بحاجة إلى الإصلاح و المؤتمر و الناصري و الاشتراكي، بحاجة إلى الاقتداء بالإصلاح ذو الموقف الواحد والذي لم يقسم جهده وصوته على إثنين كما فعل البعض، فاليمن واحد والمواقف يجب أن تكون واحدة واضحة وناصعة كالشمس.
اللقاء وحده لا يكفي لا بد من تعزيز الثقة سياسياً، واعلامياً، وعسكرياً في الجبهات، واقترح على حزب الإصلاح أن يرسل وفداً من قادته الشباب إلى عواصم دول التحالف للحديث عن القضية اليمنية و عن التعاون بين الشرعية ودول التحالف، وذلك بالتنسيق مع فخامة الرئيس هادي ودولة رئيس الحكومة و اللذان يجب أن يقوما برعاية أي تقارب بين أحزاب الشرعية ودول التحالف، فالشرعية ائتلاف موحد الرؤية و الهدف واستعادة الدولة مقدم على ما سواها.
كمراقب وكمواطن يمني لست مع بقاء القيادات القديمة للأحزاب وفي مقدمتها الإصلاح، ولكني أقول: "تعظيم سلام لليدومي" الرجل الذي لا أحبه ولا أرتاح له -بالمعنى الصنعاني- لكني أحترم كفاحه لأجل اليمن الكبير، لا يوجد في السياسة حب أو ما شابه، يوجد رؤى يتفق عليها الجميع .. والنصر لليمن والخليج على الحوثي الارهابي و إيران المعتدية.
* خاص للموقع بوست