عن الخيار الثالث
الجمعة, 26 فبراير, 2016 - 09:16 مساءً

منذ كتب "ماكميلان" كتابه حول "الطريق الوسط" في العام ١٩٣٨ تكاثرت التجارب السياسية التي دعت إلى طريق ثالث. مع نهاية القرن العشرين كان مشروعا توني بلير، وبيل كلينتون على الضفة الأخرى من الأطلسي، يتحدثان عن اجتراح طريق سياسي وسط يجمع بين السياسات الاقتصادية الليبرالية مع التزام اجتماعي/ اشتراكي للدولة تجاه المجتمع. المجتمع، هُنا، هو كلمة السر. فتدشين تاتشر، ١٩٧٩، وريغان، ١٩٨٠، لليبرالية الجديدة ترافق مع مقولة مدوية لتاتشر: لا وجود للمجتمع، هناك فقط أفراد. جاء الطريق الثالث ليؤكد على الإيمان بالمجتمع باعتباره الفكرة التي يقوم عليه، فقد كان الطريق الوسط بين الاشتراكية والليبرالية. دائماً وأبداً كان الطريق الثالث مشروعاً سياسياً في زمن السلم. وعندما يهدد المجتمع، أو نظام الدولة، من قبل جماعات إرهابية داخلية أو قوى خارجية غازية يصبح حديث جزء من المجتمع عن طريق ثالث موقفاً لا يمت لفكرة الإنتماء بصلة. فالطريق الثالث، في هذه الظروف، هو طريق الجاليات التي لا تعنى بشيء قدر عنايتها بالخروج. إذ أن الفكرة الثالثة، في جوهرها، تسعى لتقديم خدمة أفضل للمجتمع من خلال الإيمان العميق به وتحسين الظروف التي تحيط بحياته. يحدث هذا تالياً للاستقرار، بعد أن تتأكد دالة الأمن أولاً وتحضر الدولة باعتبارها سياج كل شيء. هذه المقدمة القصيرة أجدها ضرورية قبل الإشارة إلى المجموعة السياسية الرفيعة التي أعلنت تأسيس الطريق الثالث في اليمن. بحسب مدونات ذلك الطريق فإن المؤسسين غير معنيين بالحرب التي يشنها الحوثي على اليمنيين،

ولا بتلك التي تشنها الدولة، عبر الجيش والمقاومة، ضد المتمردين. من الصعب الاعتقاد أن مواطناً طبيعياً يمكن أن يكون غير معني بحرب تستهدف، على نحو رأسي، دولته ونظامه، أي جمهوريته.

البطولة قد لا تستهوي كل البشر، وهناك جزء من الناس، على الدوام، لا تغويه فكرة النضال ولا نتائجها. تلك مسألة تختلف كلياً عن القول "إن الحرب على الدولة لا تعنينا". كما أنها لا تتطابق مع فكرة حياد المواطن الطبيعي فيما يخص الشؤون التي تهدد وجود دولته ومجتمعه.

مع سقوط الدولة يفتح باب كل شيء: الفقر، الحروب الأهلية، والجريمة. لا يوجد خطب عام أكثر فداحة من انهيار نظام الدولة وحلول الفاشيات أو اللانظام. يصبح الجميع عرضة لأكثر المصائب فداحة وعنفاً، وتضيع أمة كاملة من الناس. هذا ما فعله الحوثي في اليمن، وكانت تلك جريمته الجسيمة التي لا يمكن غفرانها ولا الحياد معها.

الجماعة التي أعلنت الطريق الثالث تتشكل من أفراد عملوا مع صالح جل حياتهم، وكانوا بالنسبة لشروط صالح موظفين جيدين، حتى أنه بدا غير قادر على الاستغناء عنهم. أحدهم ارتكب صالح بسببه خطأ دستورياً جلياً عندما أراد أن يستخدمه في أشياء كثيرة بسبب من جودة خدماته.
  يحاجج أولئك بالقول "لا بد أن يكون لنا موقف" ثم يقدمون ذلك الموقف الذي لا علاقة له بشيء، وهو أسوأ من اللاموقف. اللاموقف قد يعكس حالة من الارتباك والتيه، بخلاف الفكرة الثالثة في زمن الحرب على الدولة. فالفكرة الثالثة، التي تدين الجميع، لا تعني في صورتها النهائية سوى مزيد من تدمير قيمة الدولة والمقاومة من خلال اعتبارها طرفاً مجرماً كالعصابات تماماً.
  من المبكر الإجابة عن سؤال: لماذا نشأ الطريق الثالث الآن، وليس بالأمس، وليس غداً. غير أنه من المقدور ملاحظة أن تلك الجماعة لا تقدم نظرية حول الدولة الجيدة والمجتمع الحديث بقدر عرضها لخدماتها في زمن ما بعد الحرب.

في النموذج المصري نشأت جبهة الإنقاذ لاستنقاذ ثورة ٢٥ يناير، كما قالت مدوناتها. غير أنه لم يمض سوى وقت قصير حتى كانت "بوابة الاشتراكي" تضع استخلاصاً نهائياً لما حدث: لقد كانت بالفعل جبهة لإنقاذ الثورة المضادة. 
وليست تلك حالة نادرة.

التعليقات