انفجار الوضع العسكري هو الخيار الذي يفرض نفسه بقوة في العاصمة اليمنية صنعاء، حيث يفرض الانقلابيون سيطرتهم على المدينة بعد تحالف هش أملته دواعي التخلص من ثورة الحادي عشر من شباط/ فبرار 2011، وتقوضه الأهداف المتناقضة لشريكي الانقلاب الحوثي وصالح.
لم تشهد صنعاء حرباً حقيقية، يخشاها بالتأكيد سكانها الحساسون جداً تجاه انفلات الأوضاع في مدينتهم، ويخشون أكثر من حرب بلا ضمانات سياسية وأخلاقية، وهي الحرب التي تلوح في أفق المدينة هذه الأيام.
المواجهات المسلحة المتقطعة التي شهدتها صنعاء عام 2011 بين جنود الفرقة الأولى مدرع الموالية للتغيير، والقوات الموالية لصالح، كانت تقوم على الاستخدام المفرط للقنابل الصوتية ليس أكثر، أما الحرب التي يخشاها سكان المدينة اليوم، فمن شأنها أن تحول السلام الهش الذي تعيشه مدينة صنعاء اليوم في ظل القصف المنضبط نوعاً ما لطيران التحالف، إلى جحيم حقيقي.
لا يجب أن يستمر الجدل العقيم حول إمكانية أن تكون دعاوى الصراع الظاهر حالياً بين شريكي الانقلاب مجرد تكتيك، هذا ليس صحيحاً، فالذين يعرفون صالح يدركون جيداً أن خطابه ينبئ عن المأزق غير المسبوق الذي يعيشه هذا السياسي المراوغ، وهو يفتقد إلى التغطية الأمنية التي تمتع بها طيلة أكثر من ثلاثة عقود، ولم يفتقدها حتى بعد أن غادر السلطة.
هذا الانكشاف الأمني يضع حدا لتحالف لم يكن أصيلاً أو استراتيجياً بل مجرد إجراء تكتيكي لجأ إليه كل من صالح والحوثيين لاستثمار الإمكانيات المتاحة لكليهما، في وقت بقي كل طرف محتفظاً بمشروعه السياسي الخاص، على نحو لا يمكن معه أن يلتقي هذان المشروعان بأي حال من الأحوال.
لم يفقد صالح بعد كل إمكانياته العسكرية، لكن من المؤكد أنه لا يمتلك -كما كان- ميزة المبادأة بالحرب، في مقابل الخطوات الجريئة التي اتخذها الحوثيون، وهم يضمرون بقدر ما يكشفون نية الحرب ويمارسون كل السلوكيات المحرضة على المواجهة المسلحة الحاسمة.
لذا يركز الحوثيون على تكثيف وجودهم في المنطقة الممتدة من مدينة صنعاء وحتى مسقط رأس صالح في مديرية سنحان، حيث تتركز معظم المعسكرات المتبقية ومخابئ الأسلحة.
وفي هذا الانتشار رسالة مبكرة مفادها أن صالح لم يعد محمياً بما يكفي، حتى في فناء منزله الممتد من سنحان وحتى محيط دار الرئاسة وميدان السبعين بجنوب العاصمة صنعاء.
حينما حشد المخلوع صالح أنصاره في ميدان السبعين في الـ 25 من آب/ أغسطس الماضي، كان يرمي إلى توجيه رسالة نحو الداخل والخارج مفادها إنه ليس معزولاً وأنه لا يزال يتمتع بالحيوية السياسية وبالحضور الشعبي، وهي رسالة ربما فهمها الجميع لولا أنها جاءت محمولة بخطاب ضعيف ومهزوز، وبإجراءات من جانب الحوثيين، فرقت تلك الجماهير الغفيرة، وحولتها على مجاميع يتخطَّفها المسلحون في النقاط العسكرية التابعة لهم.
تتأسس مخاوف سكان العاصمة صنعاء من انفجار الوضع العسكري من يقين بأن الحرب لو اندلعت فلن توقفها التسويات بل النتائج الحاسمة. فهي إما تُخرج الحوثيين من المشهد السياسي أو تقضي على حليفهم صالح بشكل نهائي، خياران لا ثالث لهما أبداً.
لذا ستتحول الحرب إلى تصفية تقوم على معرفة الطرفين بكل العناوين والمخابئ التي ستجعل المعركة تدور من حي إلى حي ومن منزل إلى منزل، وهي كارثة نتمنى ألا تحل بهذه العاصمة التي تشكل أكبر تجمع سكاني لليمنيين على مستوى البلاد، وشكلت طيلة السنوات الماضية ملاذا لكثير منهم.
كان الحوثيون يدركون أن الخطوة التالية لصالح حتمية، وهي التخلص منهم ولهذا عملوا كل حساب من شأنه أن يحميهم من خطوة كهذه، فبين الطرفين تاريخ من المكر والوقيعة والدسائس والتوظيف القذر للأدوار، يسجله تاريخ الحروب الستة في صعدة، حيث كان صالح يحارب الحوثيين ويحارب بهم منافسيه في داخل الحدود، ويبتز بهم الجارة الشمالية.
خطوط الصدع بني شريكي الانقلاب، تشهد حضوراً للتحالف في صورة اتصالات سياسية سرية، وتدخلات ميدانية عبر الطيران الذي بدأ صالح يجني ثماره في الضربات الجوية التي استهدفت نقاطا مسلحة للحوثيين في سنحان وفي محيط العاصمة.
لكن علينا ألا نبالغ في اليقين بانحياز التحالف أو ما بقي منه إلى صالح دون الحوثيين، ففي ظل انحسار خيار الحسم العسكري عبر الشراكة القائمة بين الجيش الوطني للسلطة الشرعية والتحالف، فإنه من المرجح أن الصراع المرتقب في صنعاء سيفرز في نهاية المطاف منتصراً وحيداً ومنهكاً هو الذي ينتظره التحالف لعقد صفقة سياسية، لا يستبعد أبداً أن تشهد تقديم تنازلات يمكن أن تحفظ بعضاً من الكبرياء المهدورة للتحالف في اليمن.