عند تعيين عيدروس الزبيدي لمنصب الرجل الاول في العاصمة المؤقتة للبلاد " عدن " دعوت الرئيس هادي وحكومته وكذا الزبيدي ورفاقه المحسوبين على المقاومة الجنوبية تحديدا ، بضرورة التقارب الجدي والفعلي بينهما بكونهما يمثلان طرفي المعادلة السياسية في جنوب ما بعد الحرب والتحرير.
فكلاهما السلطة والمقاومة ، يحسب لهما تحرير عدن واخواتها من القوات الموالية لصالح والحوثي . السلطة الشرعية وفرت الغطاء والدعم السياسي والدبلوماسي والعسكري ، والمقاومة بدورها سخرت رجالها وجل امكانياتها البشرية لخوض غمار معركة المقاومة والتحرير ، وهي المعركة التي شاركت بها فصائل مختلفة ، بينها جماعات دينية سلفية وكذا حزبية وعسكرية محسوبة على السلطة الشرعية ، وان كانت ليست بكثافة تلك المنضوية تحت مسمى المقاومة الجنوبية.
نعم ، طالبت الطرفين بتوافق الضرورة ، بحيث يتفق الاثنين ولو مبدئيا ، على ان هزيمة القوى الانقلابية وتطبيع الاوضاع في المحافظات اليمنية لن يكون بغير وحدة القيادة السياسية ، ودون امتلاكها الكامل لزمام سلطة القرار والقوة ، وكذا وحدة وتناسق الاهداف السياسية والعسكرية المرجوة في المرحلة الراهنة.
ما حدث خلال الفترة الفارطة ، اعده نتيجة متوقعة، لغياب التوافق السياسي المرحلي ، بين السلطة الشرعية ، وبين مكونات جنوبية حليفة لها عسكريا ومرحليا ومناهضة لها سياسيا ومستقبليا ، فالرئيس هادي وجماعته المؤثرة والنافذة بقدر ما كان فعلهما ذكيا ومنفتحا نسبيا على قادة المقاومة الفاعلين والمؤثرين ، واستيعاب هؤلاء كضرورة وحتمية فرضتها الاحداث ، كان بالمقابل هادي وإدارته قد فشلا في التعايش مع حلفائهما الطارئين ، ما اضطر بالسلطة في نهاية المطاف لاستبدال شركاء الضرورة بشركاء جدد اكثر موالاة واقل خطورة من ناحية تنازع السلطة.
ولا يقتصر الامر هنا ، على هادي وادارته التي اخفقت في احتواء حلفاء الحرب ، وخصوم السلم ، بل يمكن القول ان قادة المقاومة الجنوبية ـ وينسحب ذلك على قيادات جنوبية ونخب ثقافية واعلامية – لم يشاؤوا التعاطي مع الواقع الجديد الناشئ عن خلع صالح وتنصيب هادي ، اثر ثورة شعبية ، ومن ثم انقلاب وحرب ؛ بشيء من الفطنة والذكاء والواقعية ايضا ، ما افقدهم القدرة على فهم واستيعاب معنى ان تكون شريكا سياسيا وفي سلطة حكم تلك المحافظات والسيطرة على مجمل اوضاعها الخدمية والتنموية.
طبعا ، كان ولابد من ان تتصادم الفكرتين السياستين، فبعيد توافق انتهازي وقتي بين السلطة الشرعية وقادة المقاومة الفاعلين ، تجلت الحقيقة المرة سافرة وعارية تماما ، اذ كشفت الفترة المنصرمة عن ثنائية عجيبة غريبة ، وهذه الثنائية في القرار خلقت بدورها حالة انفصام اعاقت حركة التطبيع في المحافظات المحررة ، كما واخرت ان لم نقل ثبطت مهمة تحرير بقية المحافظات اليمنية.
الجنوبيون ، للأسف ، لم يستفيدوا من تجاربهم الماضية الزاخرة بالإقصاء والرفض للأخر ، وهذه علة مزمنة اصابت الذهنية السياسية الجنوبية بالعطب والجمود ، ولدرجة ان من هم في السلطة او المقاومة الجنوبية ، عجزوا عن ايجاد فكرة سياسية بديلة جامعة للطرفين ، فلو انهم توافقوا مرحليا ، لما تعثروا واخفقوا وفي اول تحالف سياسي وعسكري وفي ظرفية تاريخية استثنائية.
كان للطرفين مثلا ان يتوافقوا على غاية حسم المعركة عسكريا او سياسيا وكذا الشروع في تطبيع الاوضاع واستعادة الدولة ومؤسساتها ، ففي كافة الاحوال ،لا السلطة الشرعية ومؤيديها وداعميها قادرين على حسم المعركة في ظل تعدد وتنوع الاهداف والقيادات والمسالك والرؤى وحتى الهواجس ، او ان المقاومة وقادتها وانصارها يمكنهم جميعا تحقيق اهدافهم في ظل غياب الدولة وفي ظل ظروف صعبة وقاسية مرشحة للفوضى اكثر من أي شيء اخر.
خلاصة الكلام ، السلطة الشرعية خسرت شريكا قويا يصعب اجتثاثه بجرة قلم او مرسوم رئاسي ، كما والمقاومة الجنوبية خسرت شريكا لا يمكن تعويضه او تجاوز وجوده على الاقل في الظروف الراهنة.