جاءت زيارة الزعيم العراقي الشيعي مقتدى الصدر للمملكة العربية السعودية بناء على دعوة المملكة بحسب تصريحات مكتبه، توقيت الزيارة مهم والزيارة في حد ذاتها حدثا مهما على مستوى العلاقات بين البلدين الجارين، الإستقبال والحفاوة التي قوبل بها الصدر من قبل نائب الملك السعودي الأمير محمد بن سلمان تشير إلى إدراك القيادة السعودية لأهمية الشارع الشيعي الذي يقوده مقتدى.
أثارت الزيارة ردود أفعال عند الطائفين من اليمن إلى العراق، المكونات التقليدية الشيعية والسنية مازالت بعيدة عن فهم قواعد اللعبة في المنطقة وما طرأ عليها ويطرأ عليها من متغيرات، هناك حنق شيعي رسمي من زيارة مقتدى للسعودية، وهناك حنق مبطن من استقبال نائب الملك السعودي لمقتدى، النظرة الطائفية غالبة وموجة الطائفية مرتفعة بسبب حرب اليمن وسوريا، لكن في الحقيقة هذه الموجة يجب أن تكسر، لا أحد سيستفيد من إرتفاع هذه الموجة غير إيران القومية التي تتدثر بالتشيع. فعليا إيران تسيطر على القرار في العراق وسوريا ولبنان وأجزاء من اليمن، وتفويت إرتفاع موجة المد الطائفي في المنطقة المشتعلة يستحق الإشادة والتقدير.
إعادة العراق إلى وضعه العربي واجب على الجميع، وبدون العراق لا استقرار في الخليج والشام، فالبوابة الشرقية للأمة العربية التي كسرت بفعل العرب أولا مكنت الفرس من الولوج إلى المنطقة التي تحلم بالولوج إليها منذ القادسية الأولى.
ظلت العراق قوة لا تقهر عندما كانت محكومة بالقومية العربية في عهد حزب البعث، وعند تخلي العرب عن قوميتهم ساعدوا الأمريكان في الإطاحة بالعراق نكاية بصدام والبعث، وفي المحصلة خسروا العراق وأصبح التهديد الإيراني متزايدا منذ سقوط بغداد في 2003.
مازلنا نعاني من مخلفات الماضي والتقوقع خلف طائفية السنة والشيعة، وبدلا من إدراك أهمية التنوع الفقهي والفكري والمذهبي تحول التنوع إلى نقمة، فالطائفية قنبلة موقوتة ولا يعبث بها إلا الجهلة. وعي العرب بحقائق الصراع صارت بدائية وتزداد تعقيدا كلما تفانوا في العودة إلى الحروب الطائفية.
تاريخ الصراع السني الشيعي موجع وفيه خذلان كبير للأمة ولشعوب المنطقة، لكن هناك من استثمره في بدايات القرن الماضي، وقبل انتصاف القرن الماضي افلحت القومية العربية في توحيد العرب، لكنها فشلت بالاحتفاظ بهذا التوحيد لفترة طويلة، فهناك من يستغل المظلومية عندما يكون معارضا ويتحول إلى سلطوي ويمارس الظلم على من سواه، وهذه أزمة تعود إلى أساسيات التفكير وسيكولوجية الإنسان العربي.
في اليمن خرج الحوثي رافعا المظلومية العلوية الهاشمية، وعندما وصل إلى السلطة تحول إلى أموي قمعي تخلص من كل معارضيه وصنع كارثة تنسف أسس مظلوميته ومنطلقاته الفكرية، وحدث في العراق نفس الشيء، الدعوة تبدأ إسلامية وتنتهي سياسية وصراع على المصالح.
يتم استدعاء المذاهب والعنصريات في أوقات إرتفاع موجات التخلف والضعف، مما يزيد المنطقة انقساما، وأنا أزعم هنا أن التقارب السعودي العراقي سيخفف من آثار الطائفية التي تجيد إيران الرقص على حبالها، وتجيد ذلك بعض أجهزة الأمن العربية التي تستند على الطائفية، تبادل التهم ونشر فيديوهات المخرفين من مشايخ الطوائف كثرت في الفترة الأخيرة، وصارت لهم قنوات تضخ السواد والجهل والتخلف.
الصدر يمثل مشكلة لإيران، فبعد اغتيال والده في 1999 تم لعنه والشماتة به في قم، فهو الذي قال يوما ما لشيعة العراق أن الحسين عربي وليس فارسي، وظل يقوي الحوزة في النجف لتكون مركز التشيع لا قم، وهذا أساس الخلاف بين الصدر الأب وإيران، أيضا في أيامه دعا الصدر الأب الشيعة إلى حضور الجمعة والجماعة مع السنة، وحقق خطوات متقدمة لإذابة الجليد بين الطائفتين، تتعامل اليوم إيران مع الصدر الإبن بهذه الخلفية وبهذه المخاوف، وتعمل حسابا لتواجد الصدر الكثيف في الشارع الشيعي الممتد من العراق إلى أجزاء من السعودية وخصوصا القطيف.
في المحصلة إيران ستصطدم بالصدر لأنه يعارض الطبقة السياسية الحاكمة المدعومة من قبلها في بغداد، وسيطرته على الشارع غير خافية على أحد، كما أن إيران ليس من مصلحتها وجود خلاف شيعي – شيعي في العراق، فهذا يضعف من قوتها، ولذا تعمل على توحيد الفصائل الشيعية والتهدئة الدائمة بينها، وتدرك أن مقتدى الصدر يتحكم في أهم فصيلين قويين في الحشد الشعبي، وقبل عام تقريبا استدعي الصدر إلى طهران وتم تأنيبه مما حدا به القول لمسئولين إيرانيين كبار هناك: "أوقفوا الضغط وإلّا سأضطر إلى الإنتقال للإقامة في تركيا أو السعودية" فهل تكون هذه الزيارة تمهيدا لهذا التهديد الخطير لإيران؟
مشكلة مقتدى الصدر أنه لا يمتلك قوة سياسية في العراق تؤهله لمواجهة إيران وتياراتها في العراق، ولذا هو يحتاج إلى الدعم اللازم لتمكن تياره من اقتحام الرئاسات الثلاث في العراق، وتمكين تيار الصدر سيخلط اللعبة في العراق والمنطقة كلها، فهل تملك السعودية خطة جاهزة للقيام بهذا الواجب العروبي؟
كم نحن بحاجة كعرب إلى التخلص من أهم نقاط ضعفنا من اليمن حتى حدود تركيا، وهي الطائفية المقيتة، قبل أعوام أدركت أني لست من أي من تلك الطوائف، تعززت قناعتي كلما شاهدت تهافت دعاوى الطائفية هنا وهناك، وأعلنت مرارا أني لا شيعي ولا سني مجرد مسلم عصري، وكنت استغرب من عدم فهم قومنا جميعا آية واضحة في القرآن الكريم (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) لكن انكاري أني لست منهم لا يحل المشكلة، والحل يبدأ أولاً في فصل التشيع العربي عن التشيع الصفوي، واستمالة الشيعة العرب والجام المتسننة العرب من الجدل العقيم، لا علي ولا معاوية سيحكمون من يحكم ويتحكم في المنطقة هم الأمريكان، وتحالف الأمريكان وإيران سيدمر المنطقة ويفتتها.
في اليمن خلافنا مع الحوثي أنه لا يمثل الشارع ولا يمثل النخبة، واعتدائه على الدولة عمق الخلاف معه، كما أن استجابته لطهران ورضوخه لقرارها بعدم تحوله إلى مشروع سياسي واحتفاظه بقطعان المليشيات وسلاح الدولة وعدم تراجعه عن الانقلاب هي أهم أسباب الخلاف معه، لا خلاف لنا معه على تشيعه فمسألة التشيع والتسنن تخلص منها شعبنا منذ الستينات في القرن الماضي.
كما أن محاولات "تتطيف" الصراع عبر أجهزة الأمن المحلية والإقليمية مازالت فاشلة حتى هذه اللحظة، فلا يوجد حرب عقدية في اليمن، والصراع سياسي، لكن تدخل إيران هو من صبغ الصراع بالصبغة الطائفية، ولا مانع من التقارب والتصالح إذا تخلى الحوثي عن طهران وقم وتقارب مع القوى السياسية في الداخل ومع الجيران وفق مشروع الدولة اليمنية الاتحادية، وهذه الخطوة ستسهم في إنهاء الصراع في اليمن، وستضعف القوى الجهوية والمناطقية والقروية وستخفف من حدتها، وهذا هو مدخل من مداخل حل المشكلة اليمنية.
خلاصة القول لابد من جر العرب شيعة وسنة إلى مربع السياسة، وترك مساحات للنقاش والجدل السياسي والفكري، ونبذ الطائفية، لكني استغرب كيف سيلتقي مقتدى الصدر وهو زعيم شيعي سياسي وديني مع مشايخ الدين في السعودية وهم لا يفقهون في السياسة والسياسة عندهم ليست من مسائل الدين؟ هل سيكون النقاش بينهم في قضايا الفقه مثلا؟
من مظاهر التخلف في جانب السنة أن مشايخهم مبعدون عن منطق السياسة، على عكس مشايخ التشيع، وهناك جاب وفراغ كبير يحتاج إلى مراجعات فقهية وشرعية وفهم سياسي عند الطرفين للخروج من مأزق الخلاف، عندما يتحدث رجال الدين الشيعة في الشأن السياسي يحشر رجال الدين السنة أنفسهم في قضايا زواج المتعة وقضايا تافهة عالقة من أزمنة الصراع، وهذا يمدد عمر الكارثة ويطيل أمدها، وينسف منطلقات الالتقاء على قواعد السياسة والمصالح.
صرنا ككتاب يمنيين نتحاشى الحديث في الشأن السعودي ليس خوفا من عدم فهم الأشقاء لخطابنا فهم خير من يفهم ويقدر الظروف التي تمر بها المنطقة، لكن الخوف من منطق سفهاء من قومنا استقطبتهم الرياض في صفوف الشرعية مهمتهم ترجمة السوء في كل حرف نكتبه، وتفسيرهم الغبي لكل ما نقوله ونكتبه ليتكسبوا ويترزقوا من قبل الأشقاء على حساب قضيتنا اليمنية، وهم في الأساس مجرد مرتزقة عملوا طويلا في صفوف الأمن إما لصالح النظام السابق أو لصالح الحوثي، تصنيفهم السطحي لأشخاصنا وأفكارنا ينطلي على بعض المواقع والصحف السعودية التي لا تعود للإرشيف لتعرف من هم هؤلاء الوشاة، فمن يرفض المذهبية والطائفية هل يمكن أن يكون منطلقا من مصطلح الإسلام السياسي أم من منطلق الواقعية السياسية؟
مسؤولية الكلمة وحدها ومصالح شعوبنا من تجعلنا نكتب ونعيد ونزيد غير أبهين بالتصنيفات الضيقة وغير المسؤولة، سنظل نقول ونعيد ونزيد لا بد من توحيد الصف العربي لمصلحة اليمن والسعودية والعراق وكل الشعوب العربية، ومن يريد توحيد العرب شيعة وسنة وكل مكونات العرب عليه أن ينطلق من منطلقات العروبة والمصالح المشتركة، علينا إيقاف الفرقة بين العرب وعدم اختلاق مشاكل جديدة، لتتقارب السعودية والعراق ويجب أن لا تنبذ قطر، حتى لا نكون مثل الجمل الذي يستخدم في الحراثة فكل ما شق المحراث الأرض أتت أقدامه لتردمها .. وبحكم أنكم جميعا من اليمن كما تقولون دعوني أذكركم يا عرب بأنه يتوجب علينا أن نستيقظ وأن نعيش إخوة بدلا من أن نموت أعداء، وأهلا وسهلا بمقتدى الصدر في أرض الحرمين، ونأمل منه التدخل في حل المشكلة اليمنية وإعادة الحوثي إلى العروبة وحضن العرب.