لكل كاتب قراء يتابعونه ويتأثرون بما يكتب ، وآخرون يتابعون ما يكتب بحيادية فمنهم من يواصل متابعته ومنهم من يقلب صفحته ويمضي ، ويتوقف ذلك على قرب الكاتب أو بعده من قضايا مجتمعه وطريقة تناولها .
الكتابة بمعرفة ناقصة فيها تضليل للقارئ ، والكتابة بتحامل شخصي فيها تضليل للقارئ ، والكتابة بهدف استقطاب اجتماعي لمعارك صغيرة على هامش التحديات الوطنية الكبيرة هي تضليل للقارئ ، واستدعاء التجارب التاريخية سواء السياسية أو الإنسانية بعرضها وبتوظيفها على نحو خاطئ في مجرى الصراع الساسي الجاري هي تضليل للقارئ . التاريخ لا يخوض فيه الخصوم إلا وشوهوه ، وهو لا يكتب إلاًوفقاً لمنهج يحميه من التحريف والتهريج معاً ليبقى تاريخاًً . قد تسرد حكاية او حكايات لكن هذا لا يعني انك تؤرخ . التاريخ هو جملة الوقائع والظروف والشخصيات المحيطة بهذه الحكايات ... والكاتب الذي يضلل قارئه الذي يثق فيه هو أشبه بالطبيب الشرير الذي يحقن مريضه بعقاقير التخدير ليسكن الالم دون أن يعالج المرض .
هناك مسئولية كبيرة تقع على الكاتب باعتباره أحد مصادر تشكيل الوعي في المجتمع . والشخص الذي يتصدى للكتابة لا بد أن يدرك قيمة ما يكتب ، ولا بد أن يعرف في الوقت ذاته أن الكتابة ليست تسلية ، ولكنها مسئولية قيمية وأخلاقية ... حتى في صيغتها السياسية ، وهي فوق هذا أمانة لا بد ان يمارسها الكاتب مع قرائه .
حتى وانت تكتب ضد خصومك لا بد أن تتناول خلافك معهم بموضوعية ، فالخصومة لا بد أن تستند على أسباب تجعل منها مقبولة اجتماعياً وانسانياً قبل أي شيء آخر . وينطبق نفس الشيء على الكتابة النقدية .
وهناك فرق بين الكتابة وحملات التحريض . الكتابة منهج وحجة ، وبواسطتها يتم تسليح الناس بالحجة التي تشكل الموقف ، أما التحريض فهي اداة تعبوية لها أدواتها ومن ضمنها الإشاعة والتلفيق والنكتة والخبر المزعوم ...الخ وهي أداة قد تؤدي الى تشويه الخصم ولكنها لا تلغي حقيقته ، وقد تدفع بريئاً الى ارتكاب جريمة أو فعل متهور ، وقد تبرر لمغامر أن ينجز مغامرته حتى النهاية ، وتلجأ إليها الأجهزة والجماعات القمعية بأشكالها المختلفة عندما تفقد الحجة ، ولا يمكن أن يصنف من يمارسها بالكاتب .
الكاتب الذي يصبح كل همه هو تجنيد قارئيه لمعركته الخاصة أو لمعركة على هامش التحديات الكبرى للبلاد لا يستطيع أن يكون أكثر من جنرال فاشل في معركة توفرت لديه الفرص الكثيرة لكسبها ... وهزم ،
من بين كل ما نقرأه اليوم سنجد القليل والقليل جدا مما بمكن أن يعد "كتابة" بالمعنى الذي يشكل خارطة المعرفة العامة التي تقدم الدليل على نضج المجتمع أو درجة استعداده لذلك ، أما الباقي فيدخل في باب التحريض والتحريض المضاد وهو ما يشوه وعي المجتمع باعتباره أداة شحن لا يهمها الانفجارات التي ستترتب على ذلك ، وكم هم المخدوعين والمضللين الذين لم يكتشفوا التضليل والخديعة إلا بعد أن تدركهم هذه الانفجارات التي صفقوا للمحرضين عليها في مجرى الإعجاب بكتابهم الاشاوس .
التصدي لهذه الظاهرة مسئولية الجميع لحماية" الكلمة " التي لا تبنى الاوطان الا باستعادة عافيتها .
* من حائط الكاتب على فيس بك