ما أن شاع خبر مرضي حتى غمرتني زيارات واتصالات ورسائل الاحبة من كل شبر في اليمن : مقيمين ومغتربين ، رجال ونساء ، كبار وصغار ، شيوخ وشباب ، قادة وقواعد ، حكام ومحكومين ، شركاء وفرقاء . بشعور صادقٍ لمسته في كل خطوة خطوتها بعد ذلك انطلاقاً من الشامخة تعز ووصولاً إلى عمّان - الأردن.
وبينما كنت أرى الأمور كلها تتيسر . والابواب كلها تنفتح . فجأة وبين ليلة وضحاها تغير كل شيء . فقط ليلة لا تزيد ولا تنقص . علمت فيها بعدم صلاحية ولدي للتبرع لي وفق الفحوصات الاولية التي أجريت له . وهي المفاجأة التي وافقت وصول حالتي الصحية إلى أدنى دركاتها بحيث لم اعد أملك معها الكثير من الوقت للبحث عن متبرع قريب وقد حاصرت القوانينُ كلَ متبرعٍ بعيدٍ .. وما أكثرهم .
كانت ليلة 18مارس . و يا للعجب فهي ليلة ذكرى جمعة الكرامة الخالدة . فهل كانت موعدي السماوي الذي تأخر لست سنوات . حدثت نفسي بذلك وشعرت بنوع من الارتياح لإمكانية أن يلحقني الله بأحبابي من شهداء الكرامة ولو بعد ست سنين . لكن ومع إشراق شمس يوم ال18 من مارس 2017م تغير كل شيء إذ كانت ابنة الخال الحبيبة : أروى مدهش نصر ، شريكة حياتي ، ورفيقة دربي ، وأم أولادي ، قد تقدمت للفحص الطبي مُفاجِأةً إياي بقولها : صدقني أنا من سأعطيك الكلية وما من أحد سواي .
وهي خطوة كنت قد أبديت رفضي لها حين فاتحتني بها في اليمن . إلا أن عزيمتها هذه المرة وهي ترى حالتي وما وصلتُ إليه كانت أكبر من رفضي . وحين راجعتها قائلا : كيف لأب وأم أن يدخلا غرفة العمليات في ساعة واحدة . وكيف سيكون حال أبنائنا الخمسة إن علموا بذلك ؟! فأجابتني بكل ثقة قائلة : هذه دعوتي يا فؤاد . وقد أجابني الله إليها . قلت لها : أي دعوة ؟! قالت : ألم أكن أدعو دائما بأن (( لا يفرقنا الله ابداً وأن يجعل رجلي مع رجلك أينما كنت )) . فها قد أجابني الله حتى ادخلني معك إلى غرفة عمليات واحدة . صدقني يا فؤاد إنها دعوة مستجابة .
حاولت أن أحاججها بأهلها ( خالي العزيز وخالتي العزيزة وأبنائهم ) وأن قرارا كهذا لا ينبغي أن تستقل به دونهم . فكانت المفاجأة الثانية هي دعم أهلها لها ، وتشجيعهم إياها ، مما أسقط كل حججي أمامها . ورغم أن نتائج التطابق بين كليتينا جاءت صفرية ، إلا أن الطبيب أكد أن مضادات الدم قليلة وهي الأهم في الزراعة . وشجع على إتمامها ، مؤكداً إمكانية نجاحها طبياً عبر سوابق كثيرة . فدخلتُ بناء على ذلك جلسة غسيل كلى كانت بمثابة الشرط لإجراء العملية فيسرها الله لي . ثم دخلت غرفة العمليات . فيسرها الله لي كذلك وله المنّة . وقد تفاجأ الاطباء بالنتائج الاولية للعملية إذ أظهرت نجاحاً كبيراً منذ اليوم الأول لدرجة تأكيد الاطباء لي عدم احتياجي إلى إبرة لتثبيط المناعة رغم أنها شرط في أي زراعة غير متطابقة .
وكم سعدت وأنا أرى زوجتي الحبيبة تأتي من غرفتها في المستشفى لزيارتي في غرفتي المعزولة وهي تمشي على قدميها سليمة معافاة . ثم زيارتها التالية لتوديعي قبل خروجها إلى البيت بسلامة الله وعافيته .
فيا لعظمة الله و يا لفضله .. يبتلي فيرحم ، ويعافي فيتكرم .
فلو خيرت بين السلامة الدائمة وما عشته من الابتلاء لاخترت الابتلاء .
فبه تعرفت أكثر على رحمة الله وفضله ومنه وكرمه وعظمته .
وبه تعرفت أكثر على وفاء الحبيب ، وفدائية العاشق ، وتضحية الخليل .
وبه تعرفت أكثر على حقيقة الاخوة . وماهية الصداقة . وهيولي الصُحبة .
وبه تعرفت أكثر على روعة الإنتساب إلى الأحرار . وسمو الانضمام إلى الثوار .
وبه تعرفت أكثر على عظمة الانتماء لشعب عظيم يثبت - رغم كل محاولات تيئيسنا منه - انه أكبر من الجغرافيا . وأعمق من التاريخ . وأرسخ من الايدلوجيا . وأذكى من السياسة .
وبه تعرفت أكثر على بركة الأيادي الطاهرة حين تحيط احبابها بالدعاء الواثق . والمناجاة الصادقة .
كما رأيت - في ذلك الابتلاء - يمناً جميلاً كنتُ قد شهدتُ ولادته يوم الحادي عشر من فبراير 2011م . وأعتقد البعض - وااااااهمييييين - أنه كان سَقطا .
* من حائط الكاتب على فيس بك