لا بأس.. هم الشر الذي وصل إلى كل شبر في اليمن وذاق ويلاته كل اليمنيين، خلال أقل من عام، لكن عزاءنا أن هذا المشروع البغيض ينحسر مع غروب شمس كل يوم.
محمد علي الفقيه- 44 سنة، أب لتسعة أولاد، معلم يعمل في سلك التربية والتعليم منذ 23 سنة قضى حوالي 17 عاماً يعمل بعيداً عن بيته وأولاده، بينما من اعتقلوه لا أعتقد أنهم أكملوا حتى مرحلة التعليم الأساسي.
مجاميع من الهمج الذين توزعوا على أرجاء اليمن واستقطبوا أشباههم من الهَمَل والبطالين وأصحاب السوابق في كل منطقة، منحوا أنفسهم تسمية "أنصار الله" وعبثاً يطلقون على أنفسهم "المجاهدين".
المهمة كانت سهلة جداً في المناطق التي قررت أن تتبع بوصلة العاصمة صنعاء التي اجتاحتها المليشيات بسلاسة في سبتمبر 2014، فقط يأتي هؤلاء المسلحون ليحتلوا مبنى السلطة المحلية وإدارة الأمن ويطردون الموظفين العموميين ليحلوا محلهم ويبدأوا عملية التحكم في تفاصيل الحياة اليومية للناس، وصولاً إلى جمع المراهقين والعاطلين وإرسالهم إلى جبهات الموت للمشاركة في "الجهاد المقدس" في سبيل تمكين "السيد" و مساعدة "آل البيت" على استعادة الحق الذي سلب منهم.
هذا ما حدث في قريتي بمديرية بلاد الطعام - محافظة ريمة - حيث وصل الحوثة إلى مركز المحافظة ومراكز المديريات دون الحاجة إلى إطلاق رصاصة واحدة، لأن الناس قرروا حينها عدم المواجهة مادامت صنعاء قد دخلت بيت الطاعة، سوى بضع طلقات صوبها "المجاهدون" إلى صدر أحد هاشميي المنطقة الذي اعتقد أن بإمكانه "منازعة الأمر أهله" وصدّق أن من حقه أن يكون قائداً للجماعة في المحافظة فأردوه قتيلاً على الفور ليخلو الجو لـ "أبو يحيى الديلمي" القادم من مطلع ليكون مسؤولاً وحيداً في المحافظة يتصرف كما يريد، وليس على من هم دونه سوى التنفيذ ويأتي المحافظ كسكرتير لأبو يحيى يشرعن له تصرفاته ويوقع المذكرات والشيكات فقط.
ما ذنب محمد أخي الذي اعتقلته المليشيات؟!!
سألنا هذا السؤال فقالوا إنهم اشتبهوا به أنه يؤيد الشرعية.
لم يمارس محمد نشاطا سياسياً قط سوا انتمائه القديم بعضوية عادية لحزب المؤتمر الشعبي الذي أصبح في خدمة الحوثة.. محمد لا تستهويه السياسة فهو معلم في المدرسة ورب أسرة كبيرة بالكاد يلبي متطلباتها ويرعى شؤونها، لكن يبدو أن الهمج والمرتزقة من أبناء المنطقة الذين استقطبتهم الجماعة راقتهم فكرة التسلط مستقوين باستعدادهم لممارسة العنف تجاه كل من يمكن يبدي امتعاضه من تصرفاتهم.
"أبو الحسن" هي الكنية التي اختار مسؤول الحوثة في المنطقة أن يختبئ خلفها بعد أن كان شخصاً معروفاً يعيش دون الحاجة إلى أقنعة وكان وديعاً كالنسمة عندما كنا ندرس في نفس الصف في المرحلة الإعدادية.
اسمه عبدالباسط القليصي وهو من أسرة هاشمية كانت محل تقدير الناس دون حاجة إلى الاستقواء بسلاح الجماعة، أو نقاء السلالة.. حتى أن أجداده كانوا هم مشائخ المنطقة ومرجعيتها إلى وقت قريب قبل أن يتخلوا طوعياً عن دور المشيخ، مع احتفاظهم بلقب المشيخ ومشاعر الاحترام في نفوس الناس للطيبين منهم.
الانتفاشة، القادمة من الهضبة، أنست أصهارنا وأقاربنا من الهاشميين المحليين، الذين انصاعوا وراء المشروع الحوثي، أنهم قد صاروا جزءاً أصيلاً من المجتمع، وجعلت أحدهم يبيع سيارته المقفص ليشتري بدلاً عنها "شاص" ويضع عليها رشاش عيار 12,7 ليثبت للناس أنه قد صار مهماً وأصبح مركز قوة.
لم ينتبهوا إلى حقيقة أنهم وفور انتهاء هذه الانتفاشة الطارئة سيواجهون نتائج ثارات وضغائن زرعوها بأيديهم، سيجد "أبو الحسن" نفسه مسؤولاً عن التعسفات والانتهاكات بحق جيرانه وأبناء منطقته بعد أن تزول عنه الكنية الخداعة التي يختبئ خلفها وبعد أن يجد نفسه مجبراً على مغادرة مبنى السلطة المحلية الذي اغتصبه مع مدير عينته الجماعة من خارج المنطقة، وإعادة ما تم الاستيلاء عليه من إمكانات السلطة المحلية.
ولأنهم يعيشون الآن مسلوبي الوعي بفعل الضخ الإعلامي الكاذب الذي يوهمهم أن رفاقهم ينصبون البراميل في شوارع جيزان وأبها، فإنهم لا يدركون أنه رغم ازدهار الزوامل فإن سيطرة الجماعة تنحسر كل يوم، و كما يلخصها المثل الشعبي باللهجة المحلية "العرج يظن الدم من الحرجة وهو من لقفه"، فبعد أن كانت الجماعة قبل سبعة أشهر تسيطر على البلد من حدود المملكة العربية السعودية شمالاً إلى شواطئ خليج عدن جنوباً وبحر العرب شرقاً فإن مساحة تواجدها الهش أو لنقل مساحة الاستنزاف التي تلتهم مليشياتها قد تقلصت إلى فرضة نهم شرقاً ومدينة دمت جنوباً، وبات رجال المقاومة والجيش الوطني يطوون تاريخ الانتفاشة الطارئة للمشروع الطائفي العنيف الذي تمدد على حين غفلة من التاريخ.
سيدرك إخواننا هاشميو "منزل"، الذين سلبهم الحوثي عقولهم، سيدركون حين تزول الغشاوة عن أعينهم كم جنوا على أنفسهم!
وسيدرك المرتزقة ممن حملوا بنادقهم وتحولوا إلى عكفة في موكب الإمامة بنسختها الجديدة، والذين انتهزوها فرصة للنهب وكسب المال الحرام تحت راية هذه الجماعة، أو رغبة في الانتقام من خصومهم السياسيين، أنهم خسروا أكثر مما كسبوا، وأنهم نالوا من أنفسهم أكثر مما نالوا من خصومهم!
لن تنفعكم شعارات "مواجهة العدوان" ولا أكاذيب "محاربة الدواعش" و "مكافحة الفساد" فقد تبين للناس زيف ادعاءات هذه الجماعة التي استجلبت "العدوان" بانقلابها على الشرعية وارتهانها لإيران، وتكفلتم بإيضاح حقيقتكم لكل الناس وأوصلتم نماذج أشخاصكم وأفعالكم إلى كل قرية في اليمن..
فلا تسرفوا على أنفسكم بإهانة الناس، وكسب مزيد من الضغائن والعداوات التي ستلاحقكم وتلاحق أبناءكم مستقبلاً.
"وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون".