كثير من النشطاء والإعلاميين تداولوا خلال اليومين الماضيين أخباراً ونشروا تغريدات عن وديعة سعودية سيتم تقديمها للبنك المركزي اليمني كثمن مستحق لاستجابة الرئيس عبدربه منصور هادي للضغوط التي مارستها السعودية لإقالة محافظ شبوة محمد صالح بن عديو.
والحقيقة أن هذه المعلومة غير صحيحة إطلاقاً.
وحسب تواصلات وبحث أجريته مع مصادر مطلعة على ما دار قبل اتخاذ القرار فإنه وطوال النقاشات التي دارت بين مسؤولين يمنيين مع مسؤولين سعوديين، لم يحصلوا على أي وعد بتقديم وديعة نقدية.
وظل الحديث يتمحور حول استعداد سعودي خليجي لتقديم دعم لإصلاحات اقتصادية يجب على الحكومة القيام بها، وكانت أول خطوة في هذا المشوار الطويل تعيين إدارة جديدة للبنك المركزي اليمني بعد أن اتهمت الإدارة السابقة بالتسبب في الإنهيار الكبير للعملة الوطنية خلال الأشهر الماضية والتورط بطريقة أو بأخرى في عمليات المضاربة بالعملة.
إصلاح الأوعية الإيرادية، إزاحة مسؤولين متهمين بالفساد، تفعيل مبدأ "الحوكمة" في المؤسسات المالية، وتشديد الرقابة على شركات الصرافة، وضبط شبكات المضاربة بالعملة، وتفعيل أجهزة الرقابة والمحاسبة للحد من الفساد، يتمحور الدعم حول مساعدة الحكومة على إنجاز هذه المهام خلال الفترة القادمة، وما ذكرته وسائل الإعلام الرسمية هو تقديم "دعم اقتصادي".
وعودة إلى إقالة "بن عديو" والسبب الرئيسي لاتخاذ هذا القرار كان إصرار من الجانب السعودي على إقالة الرجل، ووضع ذلك كشرط لتحريك وحدات من قوات العمالقة المنتشرة في الساحل الغربي، والتي باتت عاطلة عن العمل بعد "إعادة التموضع"، تحريكها إلى شبوة للمساهمة في معركة تحرير الثلاث المديريات الواقعة غرب محافظة شبوة علي الحدود مع مارب والبيضاء والتي تمكن الحوثيون من السيطرة عليها قبل عدة أشهر "بيحان، عسيلان، والعين".
فقد كان الطرح السعودي يتركز حول أن هذه العملية العسكرية لا يمكن أن تتم في ظل بقاء "بن عديو" محافظاً للمحافظة بعد أن شعرت أنه لا تتوفر فيه الشروط والمواصفات المتطلب توافرها في المسؤولين اليمنيين والتي يأتي في مقدمتها استعدادهم لتنفيذ التوجيهات دون نقاش، خاصة أن "بن عديو" رفض التوقف عن إثارة ملف منشأة بلحاف النفطية أو الكف عن مطالبة القوات الإماراتية بمغادرتها، وبسبب هذا الموضوع دخل في مشادات لفظية مع قائد قوات التحالف في اليمن الفريق مطلق الأزيمع، وهو ما اعتبر أمراً غير مقبول وموجب للعقاب.
لم يتوقف الأمر عند الضغط من أجل إقالة "بن عديو" فقط، بل طرح الجانب السعودي اسم البديل بشكل مباشر وغير قابل للنقاش ولم يكن أمام الرئيس هادي من سبيل للمناورة، سوى الاستجابة من أجل استمرار مقاتلات التحالف في دورها لإسناد معركة الدفاع عن مارب ومن أجل البدء بعملية عسكرية لتحرير مديريات غرب شبوة وصولاً إلى البيضاء، والتي تهدف أيضاً لتأمين مارب من الناحية الجنوبية.
بعد مرور أقل من يومين على قرار تعيين محافظ جديد لشبوة، شوهدت، اليوم الإثنين، أرتال من قوات "العمالقة" المدعومة إماراتياً، وهي تصل مدينة شقرة بمحافظة أبين مزودة بعربات مدرعة ومئات الأفراد، وفي الخبر الرسمي المنشور على أن هذه القوات متجهة إلى بيحان لخوض معركة التحرير وهي ذات الفكرة التي تم الإتفاق عليها بين الرئيس هادي والسعوديين.
إلى أين ستمضي هذه العملية وما النتائج التي ستحققها؟ تلك أسئلة تتعلق بالمستقبل، لكن ما يمكن التكهن به أن هذه القوات يمكنها تحرير مديريات غرب شبوة الثلاث والتي تمكنت وحدات عسكرية تابعة للحكومة الشرعية بقيادة اللواء مفرح بحيبح قبل ثلاث سنوات من تحريرها في وقت قياسي وبأقل قدر من الخسائر، إلا أن تلك العملية قد تتوقف هناك وهذا ما يبعث مخاوف من نوع آخر أبرزها تثبيت الحدود الشطرية وتمكين المجلس الإنتقالي الذي يتبنى مشروع تقسيم اليمن ويلقى دعماً خليجياً.
مرة ثانية نعود لموضوع الوديعة التي أنعشت الحياة في عروق الريال اليمني، وشكلت بارقة أمل لتجاوز حالة الإنهيار، فكل المعطيات تشير إلى أنها، في حال وصولها، ستأخذ وقتاً طويلاً وستكون البند الأخير في المعالجات الإقتصادية تسبقها حزمة من الإصلاحات التي قد تتعثر في منتصف الطريق. ويبقى التعويل كبيراً على ما يمكن للحكومة أن تنجزه من خطوات تثبت سعر العملة وتحد من تغول شبكات المضاربة والتلاعب بالعملة.
وفي هذه المناسبة يمكن التذكير بوعود سابقة للأشقاء بتقديم وديعة بعد محطات مهمة وحاسمة أبرزها عقب توقيع اتفاق الرياض، والمحطة الثانية عقب عودة الحكومة في ديسمبر من العام الماضي 2020 إلى عدن ولم يتحقق من ذلك شيء، إلا أن سقف الأمل شعبياً هذه المرة مرتفع أكثر ولعل الحدس الشعبي يكون هذه المرة أصدق من تقديراتنا.
*نقلا من صفحة الكاتب بالفيسبوك