الحكومة اليمنية تتهيأ لمغادرة اليمن خلال الأربعة وعشرين ساعة القادمة!!
سيعودون إلى الرياض حيث المكاتب والسكنات النظيفة والأكل الصحي..
فلا كوليرا هنا ولا ظلام ولا حر ولا أصوات انفجارات، بل يمكنهم أن يحصلوا على كل وسائل الراحة.
وهم يضعون أقدامهم على الطائرة يغادرون البلد لا يخطر ببالهم ماذا عن الشعب الذي يفترض أنهم مسؤولون عنه، وذلك امتداد طبيعي لسلوك النخبة الحاكمة وصانعي السياسة الذين تخلوا طوال الفترة الماضية عن هذا الشعب الصابر المقاوم واستساغوا الرفاهية والاسترخاء بعيداً عن المجاعات والأوبئة والحرب التي تطحن البشر وتدمر كل أشكال الحياة.
في كل مرة كانت الحكومة تعلن أن عودتها إلى عدن "نهائية لإدارة المناطق المحررة ولمتابعة المعركة التي يخوضها الجيش الوطني ومعه كل الأحرار من اليمنيين لاستعادة الدولة" التي فرطت فيها النخبة حين كان يمكنها عمل شيء لوقف التهام المليشيات للدولة.
كان هذا مضمون تصريح رئيس الوزراء بن دغر حين وصل إلى مطار عدن في تاريخ ٢٢ سبتمبر الماضي إلا أنها تحولت إلى زيارة مثلها مثل سابقاتها.
اليمن ليس بحاجة إلى حكومة "ضيوف" تزوره بين الحين والآخر، بل يحتاج إلى حكومة "مناضلين" تشاركه المعركة وتواجه كل الآفات التي يواجهها الشعب المطحون.
يحتاج إلى حكومة فدائيين يحتملون البعوض والظلام والحر ويواجهون مناظر البؤس والشقاء التي تبدو على وجوه المواطنين منذ أن تضع قدمك على الأرض اليمنية.
كيف يمكن لحكومة أن تدير شؤون بلد وهي تقيم في بلد آخر؟!
إذا كنتم تشعرون أن عدن ليست آمنة ولا مهيأة لبقائكم فيها يمكنكم أن تستقروا في لحج، الضالع، أبين، سيؤون، أو المكلا أو المهرة أو مارب أو سقطرى أو الجوف وتقنعوا أنفسكم أنكم لن تكونوا حكومة الجمهورية اليمنية حقيقة إلا إذا بقيتم داخل الجمهورية اليمنية وعشتم مشاكلها وفكرتم جدياً في مواجهة تلك المشاكل بحلول ومعالجات مبتكرة، يمكن حينها للعالم كله أن يتعامل معكم كحكومة فعلية ويفكر في دعمكم.
هل تعتقدون أن العالم يمكنه تصديق جديتكم في استعادة الدولة وهو يراكم تحلون ضيوفاً في اليمن ثم ترحلون سريعاً.
الاعتراف الدولي بكم لا يكفي مع أنه لن يستمر إذا بقيتم تراوحون في مربع العجز.. العالم يخشى انتشار وتمدد الإرهاب في مناطق الصراع بنفس القدر الذي تشهده المناطق المحررة التي تبدو لهم خارج سيطرة الإنقلابيين خارج سيطرة الحكومة الشرعية.
كنا نظن أن قرار نقل البنك إلى عدن سيشجع الحكومة على الاستقرار، لكن لا شيء تحقق على الأرض، لا البنك انتقل فعلياً واستعاد القدرة على القيام بدوره، ولا الحكومة أبدت استعداداً لمواجهة المخاطر والعمل على معالجة الإشكاليات القائمة سواء الأمنية أو المالية.
كنت في مارب الاسبوع الماضي وحضرنا حفلاً ألقى فيه نائب رئيس الوزراء جباري كلمة تحدث فيها عن استمرار تدفق واردات مبيعات الغاز المنزلي الذي يتم إنتاجه في مارب إلى البنك المركزي الخاضع لسيطرة الحوثيين وصالح في صنعاء، وقال "من العار أن يستمر هذا الوضع ...." بدا الرجل صادقاً ومتذمراً من استمرار هذا الوضع الذي يسهم في تمويل الحرب التي يخوضها الحوثيون وصالح ضد الدولة والشعب اليمني، إلا أن رجل الدولة يقرر، لا ينتقد، ومؤخراً أصدر جباري توجيهات بتوريد مبيعات الغاز إلى حسابات حكومية في البنك المركزي في مارب.
لو تم تنفيذ هذه الخطوة التي ستوفر للخزينة العامة قرابة ٢٥٠ مليون ريال يومياً سيكون لها دور كبير في توفير إيرادات للحكومة تستطيع من خلالها تسديد إلتزاماتها تجاه المواطنين، ولو استقرت الحكومة ستجد أن لديها الكثير من الموارد المهدرة يمكنها توظيفها لتقوم بدورها كحكومة.
باختصار إذا استمرأت الحكومة في قضاء مزيد من الوقت مستقبلاً في الرياض، وزهدت في مواجهة الواقع الصعب داخل اليمن، وظلت المواجهات العسكرية تراوح مكانها، فإن العالم سيغير طريقة تعامله مع الأزمة اليمنية، وسيبحث عن أقرب مخرج طوارئ وقد يتجاوز المرجعيات القائمة التي نعتقد أنها مسلمات لا يمكن تجاوزها.
التقيت أحد الدبلوماسيين الأجانب منتصف الأسبوع الماضي وقال لي بالحرف "نحن مصممون على إنجاح تسوية سياسية تنهي الحرب لأنه ليس هناك طرف مهيأ لحسم المعركة وتحقيق نصر ناجز، ولأن استمرار المعركة لوقت أطول يتيح المجال لمسلحي القاعدة وداعش في الانتشار واستقطاب مزيد من الشباب".
ألا تشعرون بالخجل عندما يطلق إعلام الإنقلاب علي ممثلي الشرعية في المفاوضات "وفد الرياض" ويطلقون على أنفسهم "وفد صنعاء"؟! اسألوا مجموعة من الإعلاميين التابعين للجيش كيف شعروا بالزهو وهم ينصبون خيمة المركز الإعلامي للقوات المسلحة في "فرضة نهم" على بعد حوالي ٢٠ كيلومتر من العاصمة صنعاء.
وبالمثل أوجه الدعوة لكوادر الأحزاب بالتفكير في قيادة بديلة في حال أصرت القيادات الحالية للأحزاب المؤيدة للحكومة الشرعية على البقاء في المنفى بينما يمكنهم خلق ظروف ملائمة للاستقرار ولو على مساحة كيلومتر مربع واحد داخل اليمن.
* المصدر أونلاين