يمكن وصف العلاقات بين طهران وواشنطن حالياً بأنها تشهد حالة من التصعيد الخطير وعودة للتهديد بالإبقاء على "كافة الخيارات على الطاولة"، لا أحد يعرف أين ستنتهي هذه الموجة من التصعيد أو كيف؟ ومن السابق لأوانه التكهن بانعكاساتها على أزمات المنطقة الدامية. ما الذي ستفعله الإدارة الأمريكية ضد إيران ؟ و ما الذي تريده واشنطن على وجه التحديد من إيران؟ الأغلب أن إدارة ترامب،ربما نيابة عن تل أبيب تريد تعطيل قدرة ايران لامتلاك أسلحة نووية ، كما ستسعى أن تحد من دور إيران الإقليمي ،و هنا ستحتاج واشنطن لجهود حلفائها في المنطقة، من أجل تحقيق ذلك . المؤكد أن "حالة التهدئة" التي أعقبت التوقيع على الاتفاق النووي قد بلغت نهايتها، أو هي في الطريق إلى ذلك والمؤكد أيضاً، أن التردي في العلاقات بين البلدين، سيكون له حتماً، أسوأ الانعكاسات على أزمات المنطقة، ومنها الحرب في اليمن.
فعلى الرغم من توجهات الرئيس الأمريكي ترامب وتصريحات نائبه المثيرة ضد إيران ، إلا أنه ليس في حسابات الإدارة الأمريكية الجديدة ، شن حرب أو توجيه ضربات عسكرية مباشرة لإيران وبرنامجها النووي أو الصاروخي، لكن ذلك لا يعني أن ترامب سيتراجع عن نهجه العدائي لإيران، ففي جعبته الكثير من الأوراق التي يمكن اللجوء إليها، وفي صدارتها العودة لفرض عقوبات اقتصادية من جانب واحد على إيران ، فضلاً عن تدعيم حلفاء واشنطن، خصوم إيران في المنطقة ، انطلاقاً من الخوف من تمدد النفوذ الإيراني.
الولايات المتحدة ، جرّبت فرض عقوبات مشددة على إيران خلال السنوات الماضية ونجحت في تحشيد رأي عام دولي ضدها، وتحوّلت العقوبات الأمريكية ضد طهران، إلى عقوبات دولية / أممية شاملة ، لكن ايران واصلت برنامجها النووي، وتوسع نفوذها الإقليمي ،إلى أن بدأت هذه العقوبات بالتفكك مع التوقيع على اتفاق فيينا النووي. وبالتالي الى أي مدى سيكون بمقدور إدارة ترامب، فرض أطواق العزلة والحصار
والعقوبات على إيران بالشدّة ذاتها التي فعلتها الإدارات الأمريكية السابقة ؟؟ لاسيما أن لا روسيا ولا الصين، والمؤكد أن أوروبا، لن تجاري واشنطن في مسعاها هذا، فضلاً عن الوكالة الدولية للطاقة النووية، لم تصرح الى الآن بأن إيران غير ملتزمة بالبرنامج النووي، أو أن تجاربها الصاروخية، تشكل انتهاكاً لاتفاقها مع مجموعة (5 + 1).
فهل تبدو التهديدات الأمريكية، على جديتها، موجهة للاستهلاك المحلي، وفي أحسن الأحوال، رسائل طمأنينة لحلفاء واشنطن وأصدقائها الذين طالما اشتكوا من ضعف إدارة أوباما وترددها – على حد تعبيرهم – وهذا ما نقرأه بوضوح في "تغريدات" دونالد ترامب الساعية في بناء صورة "الزعيم القوي والحاسم"، وتكراره المتكرر لعبارة "أنا لست أوباما" ؟ نحن امام عملية إعادة خلط كاملة للأوراق، وتغيير لقواعد الاشتباك، ستكون له نتائجه المباشرة، على خريطة التحالفات والائتلافات الإقليمية في المنطقة، وستكون له آثار فورية على أولويات اللاعبين الرئيسين فيها ، وسيستمر الحال على هذا المنوال، إلى أن تستقر خيارات إدارة ترامب على أرضية صلبة، وهو أمر ليس من المتوقع أن يحدث، أو أن يحدث قريباً على أقل تقدير، كون أن إيران وحلفاؤها سيحرصوا على التمسك بكل "ورقة قوة" لمواجهة شتى الخيارات والسيناريوهات وأكثرها سوءاً ، من خلال توظيف كل ما بحوزتها من أوراق ، لتقويض النفوذ الأمريكي في العراق ولبنان ، وتعزيز نفوذها في سوريا واليمن.
المؤسف أنه قد يصبح العام الجاري، بداية موجة جديدة من الحروب والصراعات في الإقليم، وقد تدفع بأطراف إقليمية ومحلية عديدة للعودة إلى رهانات "الحسم" و"الخيارات العسكرية" بديلاً عن مناخ المفاوضات و الحلول السلمية.
* من حائط الكاتب على فيس بك