ظل الساحل الغربي منفذا مشرعا للانقلابين على العالم، بعد تحرير الساحل الجنوبي الشرقي من حوف حتى المندب. وتأخر هذه المعركة وعدم الحسم في الساحل الغربي، ساعد الانقلابيين على الصمود أطول فترة ممكنه حتى اللحظة، بفعل بقاء الساحل الغربي تحت تصرفهم، والممتد على ما يقارب ألف كيلومتر من باب المندب حتى ميدي على الحدود السعودية.
بدأت معركة الساحل الغربي في الـ7 يناير الحالي، واستمرارها حتى الآن مع تقدم كبير ومهم في مناطق عسكرية حساسة كمنطقة ذوباب والمخا هذا الميناء الاستراتيجي الهام والتاريخي، لا شك يساهم ليس فقط في حصار أهم منافذ الانقلابيين البحرية لتهريب السلاح والبضائع وغيرها وإنما في انهيار معنويات هذه المليشيات، التي ظلت تعلب على فكرة مقايضة أمن وسلامة الملاحة البحرية في مضيق باب المندب ببقائها متحكمة به، وسعيها للحصول على اعتراف بسلطتها على هذا المضيق الذي يمثل أهم ممرات الملاحة الدولية.
تمثل معركة الساحل الغربي، أهم معارك إسقاط الانقلاب في صنعاء، بالنظر إلى الأهمية العسكرية والاقتصادية والسياسية الذي يمثلها الساحل الغربي الذي يمثل منطقة زراعية خصبة إلى جانب الموانئ التي تقع على هذا الساحل من ميناء ذو باب و المخا والخوخة والحديدة وميدي والصليف، وكل هذا منافذ بحرية يمكن استغلالها في تهريب الأسلحة والدعم اللوجستي للانقلابيين، عدا من الأهمية التجارية الكبيرة لهذا الشريط الساحلي، الذي يمثل العمود المالي الأهم لسلطة الانقلاب في صنعاء بعد أن تم قطع إمدادات النفط والغاز من مأرب وحضرموت وشبوة ومواردها المالية على خزينة الانقلابين بصنعاء.
فعلى وقع معارك المخا وما حولها الدائرة حالياً، هناك انهيارات كبيرة في صفوف المليشيات التي بخسرانها لمعركة المخا سيفتح الطريق امام الجيش الوطني المسنود بقوات التحالف العربي بحرا وجوا نحو الحديدة التي تمثل ثاني أهم ميناء بعد عدن عدا عن محافظة الحديدة التي تمثل ثاني كتلة سكانية بعد تعز، وبتحرير هذه الكتلة السكانية التي تعاني أشد أنواع الاستلاب والحرامان والفقر، سيكون أمام الجيش الوطني والتحالف فرصة أكبر للانطلاق نحو استكمال تحرير الساحل الذي يشهد معارك أيضاً في منطقة ميدي وبالتقاء هاتين القوتين القادمة من الحديدة وميدي سيكون عندها قد تحرر الساحل الغربي بكامله وبات الانقلاب أمام لحظات صعبة لا يمكن معها سوى الاستسلام بصنعاء وتسليمها دون قتال في حال حصارهم عسكريا وماليا بصنعاء.
لكن قبل هذا كله، ينبغي التفكير جيدا، أن معركة بهذا الحجم والاتساع، قطعا لن تكون سهلة وبدون تكاليف كبيرة على الجيش الوطني والتحالف، الذي يجب أن يدرك جيدا خارطة ومسرح العمليات العسكرية والتي رغم عدم كونها حاضنة للانقلابين الحوثين، لكنها حاضنة بشكل كبير لقوات صالح وعلاقته المتغلغه في هذا المنطقة التي تعتبر كمناطق محتلة من قبل مراكز قوى نظام صالح السابق، وبالتالي إمكانية استماتتهم في الدفاع عن مصالحهم الكبيرة في هذا المناطق وارد بشكل كبير، مما يحتم على الشرعية وجيشها الوطني والتحالف التفكير جيداً في مسار معركة الساحل والتي ينغي أن تكون بالتزامن مع تحركات كبيرة في جبهتي تعز وصنعاء لارباك الانقلابين وتشتيت قواهم المنهارة أصلا.
الأهم من هذا كله، هو أن ثمة فراغ أمني كبير سينشأ في كل منطقة يتم تحريرها ما لم يتم التفكير جيداً القوات التي سيتم تسليمها هذه المناطق بعد تحريرها، بمعنى أخر، فإن من أهم الأولويات الراهنة هو اعداد قوات أمنية من أبناء هذه المناطق المحررة والذين يجب أولا إشراكهم في معارك تحرير مناطقهم، ومن ثم يتم تجهيز كتائب أمنية منهم لتتولى بعد ذلك الإدارة الأمنية لهذه المناطق النظر إلى أنهم الأقدر و الأدرى بمناطقهم من غيرهم، عدا عن أهمية ربط هذه التشكيلات الأمنية بالجهاز الأمني للدولة مباشرة ممثلاً بوزارة الداخلية.
مثل هذا الأجراء، هو الوحيد القادر على حماية هذه المناطق من أي فراغ أمني بعد التحرير، وأتفرغ القوات المحررة لاستكمال معارك التحرير والسيطرة على بقية الساحل الغربي الذي يمتد لأكثر من 1000 كيلومتر وهي منطقة كبيرة جداً وتحتاج لقوات أمنية وعسكرية كبيرة، للسيطرة عليها ومثل هذه المهمة لن تتحقق إلا من قبل أبناء المناطق أنفسهم القادرين على فهم مناطقهم وأبنائها وتحديد الموالي من العدو في مناطق تعرضت لفترات طويلة من الظلم والاستبداد والتهميش والحرام، مما يقدر يرشح ملف الانفلات الأمني فيها بشكل كبير.
باعتقادي مثل هذه الترتيبات هي وحدها الكفيلة بالتقليل من تكاليف المعركة واختصار الوقت والمال والجهد، وإلا فإن سيناريو الفوضى الأمنية هو الأكثر وروداً في منطقة عانت الكثير عدا عن استفحال نفوذ النظام السابق بهذه المناطق و فساده الكبير فيها، وتشكيلها لخلايا تخريب وفوضى عارمة في هذه المناطق.
الجانب الأخر، وهو لا يقل أهمية عن ذلك، مسألة أن هذه المناطق الساحلية، تطل عليها مناطق جبلية على امتداد الساحل من جباب كهبوب جنوباً مروراً بسلسلة جبال الهضبة الوسطى كجبال شمير والعدين وريمة وصاب وجبال حجة وكل هذه الجبال تحتاج التنسيق مع أبناء هذه المنطق من المناهضين للانقلاب والمؤيدين للشرعية، وإلا فإن الاحتمال الكبير هو أن تمثل هذه المناطق ملاذ آمن للمليشيات الانقلابية، التي قد تترك الساحل وتنتقل للتحصن بهذه الجبال والمرتفعات وتتخذها منصة انطلاق لعملياتها العسكرية للسيطرة النارية على منطقة الساحل وتحويله إلى جحيم على قوات الشرعية.
بمعنى أدق، فإن معركة تحرير واستعادة اليمن ومن ثم استعادة شرعيتها، تتطلب قراءة دقيقة للواقع، والتعامل مع اليمن ككتلة متكاملة لا يمكن اختزالها وتجزئتها عن بعض، فالمعركة وطنية ومصيرية للجميع اليمن والخليج على حد سوى وبتالي يتطلب ذلك تنسيق وتحالفات عريضة مع كل القوى المناوئة للانقلاب، وعدم اختزال المعركة من زاوية نظر واحدة وإنما التعاطي مع تعقيدات وخصوصيات الوضع اليمني الداخلي كما هو لا كما يتمنى البعض أو يتم تصويره لهم.
*عربي21