ليس أسوأ علينا جيل فبراير في تهامة، من أن تتكرر معنا سوأة النكران والتجاهل لكوننا كنا جزءاً من ثورة الشباب الشعبية السلمية 2011م.
ثمة تكتلات ومنسقيات وتيارات تتعامل بفئوية وشللية مع تاريخ الثورة وكل منهم يتحدث عن نفسه وكأن فبراير (الثورة) ملك حصري لجماعته، أو كأن لأي منهم براءة اختراع خاصة.
والحقيقة أن فبراير ثورة شبابية شعبية لا يحق لأي فردٍ أو تيارٍ أو توجه احتكار شرف تفجيره ، لأننا لن نسمح بأن يكون فبراير ثورة نخبة أو جماعة لأنه كان ثورةً عارمة تجاوزت كل الأطر الشعبوية والسياسية والقبلية والمناطقية، جمعتنا في ساحات التغيير وحدة الهم والهدف والمصير.
أحدهم سألني: أين كنت يوم 15 يناير 2011م يوم انطلاق شرارة ثورة التغيير؟
قلت : كنت حاضراً في الصفوف الأولى أعيش نشوة الشعار الأول (إذا الشعب يوماً أراد الحياة...) القادم عبر الأثير من تونس الخضراء بعد رحيل ديكتاتورها الهارب بن علي إلى السعودية.
لم تُسعفني الظروف لأكون مع الطليعة التي ذهبت في المساء السابق للاحتشاد أمام السفارة التونسية لتهنئة الشعب التونسي بنجاح ثورته السلمية، فترقبت بشغف من على صفحات الفيسبوك موعد الخروج الأول أمام بوابة جامعة صنعاء.
كنت على الموعد .. ذهبت منذ الصباح للدوام في قسم الإعلام بمؤسسة القدس الدولية -مكتب اليمن- كنت رئيس القسم حينها، وكانت مقر الدوام في عمارة تطل مباشرةً على بوابة الجامعة تماماً ، وكنت أترقب التجمع الأول، وما إن بدأ الشباب يتجمعون وسمعت صوت الميكرفون.
قررت دون تردّد أن أكذب لأول مرة في عملي في المؤسسة ..
نعم كذبت -كذبة بيضاء- على زملائي نظراً للتشديد القائم في مسألة الدوام والتواجد، قلت لهم سأذهب إلى الجامعة لأراجع بشأن استخراج شهادة تخرجي الجامعية في كلية الإعلام ، فخرجت، أبسط ما يمكن أن أصف به تلك اللحظات أن قدماي كانتا تتسابقان نحو بوابة الحرية.
مباشرة انخرطت أردّد مع الرفاق المحتشدين الشعارات الأولى للثورة ، كان مردووا يتنافسون فيما بينهم من يرفع السقف بشعار يتحدى التواجد الأمني الذي كان عادياً وزيادة، كنا بالفعل في مزادٍ عملي للتحريض الثوري ولتكسير الحواجز المعنوية.
في اليوم الأول قررت أن أركز إلى جانب مشاركتي في الوقفة بالنظر في عيون العسكر والضباط المكلفين بضبط التواجد الشبابي غير المصرّح له.
أذكر تماماً أن الوقفة لم تطل كثيراً لكنني عدت منها محمّلاً بجبال التفاؤل بأن طوفاناً شعبياً يوشك أن ينفجر، وأننا كنا بهذا التواجد نشعل فتيله.
عدت لأروي لزميلي في القسم عدنان الشهاب كيف أني رأيت بعض العسكر والضباط الذين كانوا يحملون الهراوات يرددون معنا شعار (إذا الشعب يوماً أراد الحياة .. فلا بد أن يستجيب القدر).. نعم والله رأيتهم واعتبرت ذلك أهم مؤشر إيجابي، وكدت أبادر لأقبل رأس أحدهم ، لا أدري لماذا ؟! ربما لأني اعتقدت لحظتها أن ثورتنا ستعبر وسيكون في صفوفها أحرار من الضباط والعسكر، لمَ لا وهم أكثر طبقات موظفي الدولة فقراً ومعاناة ؟.
ويؤسفني القول أنني في تلك الأيام كنت أكرر كذبتي البيضاء لأخرج من العمل فقط لأنال شرف التواجد ولأساهم في أن أكون جزءاً من هذه اللحظة الفارقة.
أذكر يومها كيف أن أحدهم أساء إلى هذا التواجد الثوري بالقول في بيان طلابي سخيف أن توكل كرمان تحاول استثمار الغضب الطلابي في الجامعة لمآرب سياسية.
وتكررت الوقفات في اليوم التالي والذي يليه ومعها تتزايد أعداد العساكر المكلفين باحتواء هذا الحراك الطلابي، وقمعه إذا لزم الأمر.
لكن كرة الثلج كانت تكبر، والصوت يزداد ارتفاعاً وصخباً لدرجة أن خط الدائري الجامعة تبدأ يشهد ازدحاماً بسبب الاحتشاد الذي كان يزيد ويطالب بالبقاء ساعات أطول أملاً في إعلان ساعة الصفر التي سنبدأ فيها نصب أول خيمة للثورة الشبابية الشعبية الكبرى.