بعد سقوط الهدنة في حلب، بدا سريعًا أن كل ما قيل في واشنطن عن بدائل من الدبلوماسية بعد توقف المحادثات بين جون كيري وسيرغي لافروف، وعن إمكان توجيه ضربات جوية أميركية إلى النظام السوري، لم يكن أكثر من بيانات إنشائية لمجرد الاستهلاك الذي تستدعيه ضرورات الحملة الانتخابية لصالح هيلاري كلينتون.
الدليل الحسي على هذا لم يتأخر، أولاً عندما سارع البيت الأبيض إلى التوضيح أن لا أوباما ولا الكونغرس في وارد توسيع الانخراط العسكري في سوريا، وثانيًا عندما لحس البيت الأبيض سريعًا إعلانه عن وقف التفاوض مع روسيا، فقد سارع كيري إلى الركض وراء لافروف في لوزان يوم السبت الماضي، حيث لم تسجل المحادثات أي تقدم، رغم حرص واشنطن على إشراك الدول الإقليمية الست؛ السعودية وتركيا ومصر وإيران والأردن وقطر، ولو بهدف محاصرة الموقف الروسي الذي يصر على الحسم العسكري في حلب.
اجتماع الأحد الماضي في لندن بين كيري و«أصدقاء سوريا» الأوروبيين؛ بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، الذي بدأ بتحريك عملية العقوبات على موسكو والنظام السوري، جعل روسيا تسارع إلى مناورة مكشوفة تمامًا، وهي عرض وقف النار في حلب لمدة ثماني ساعات، مما أثار الاستهجان في الأمم المتحدة على الأقل، لأن هذه المدة ليست كافية لدفن القتلى، فكيف بإيصال المساعدات الإنسانية إلى المحاصرين؟
على خطٍ موازٍ كان من المثير جدًا أن يسارع فلاديمير بوتين إلى إظهار أنه هو أيضًا يملك بدائل من الدبلوماسية مع واشنطن، ويستطيع أن يحرّكها فورًا وبطريقة ترضي الإيرانيين حلفاءه في القتال لدعم النظام السوري، وهكذا برز في الأسبوع الماضي أن هذه البدائل ليست سوى الحوثيين وصواريخهم الإيرانية، التي أطلقت فجأة وتباعًا على السفن الأميركية عند الشواطئ اليمنية عند باب المندب.
كان الأمر واضحًا تمامًا: مرتزقة طهران في خدمة موسكو، ففي حين كانت الأنباء تتحدث عن بدائل أوباما من الدبلوماسية وعن بنك من الأهداف السورية رفعت إلى البيت الأبيض، تعرّضت المدمرة «يو إس إس ميسون» لصاروخ أطلق من مواقع الحوثيين في اليمن، فيما بدا أنه رسالة مشتركة روسية - إيرانية على التهديدات الأميركية، وتأكيد على جدية تحذير موسكو السابق، بأن أي عدوان على مواقع النظام السوري يمكن أن يصيب الجنود الروس وسيؤدي إلى زلزلة المنطقة.
رغم إعلان المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية جيف ديفيس أن واشنطن لن تدع الهجوم الصاروخي الذي انطلق من أراضٍ يسيطر عليها الحوثيون، والذي استهدف بارجة حربية أميركية قبالة ساحل اليمن، يمر دون عقاب، وعلى الذين أطلقوا الصاروخ تحمل العواقب، وتأكيد السفير الأميركي لدى اليمن ماثيو تولر أن بلاده تأخذ على محمل الجد الاعتداء على السفينة من قبل الحوثيين، وأن واشنطن والمجتمع الدولي ملتزمان بحماية الملاحة البحرية في المضيق، ولا يجوز السكوت عن زعزعة الاستقرار في المنطقة، استمر إطلاق الصواريخ.
بعدما تعرضت المدمرة «ميسون» مرة ثانية لصاروخين من مراكز الحوثيين، أطلقت البحرية الأميركية خمسة صواريخ «توماهوك» من المدمرة «يو إس إس نيتز» على ثلاثة مواقع لرادارات متنقلة يديرها الحوثيون، لكن واشنطن حرصت فورًا على أن تصدر بيانات تطمينية، أولاً عندما قال إيريك شولتز المتحدث باسم البيت الأبيض، إن القصف الأميركي ليس تمهيدًا لحملة جديدة، وليس مشاركة بأي شكل في النزاع الطائفي في اليمن، وثانيًا عندما أعلن بيتر كوك المتحدث باسم البنتاغون أن القصف هدفه فقط حماية قواتنا، ونحن لا نسعى إلى دور أكبر في النزاع.. ولست أدري لماذا لم يقل البيان للحوثيين: «سامحونا وعدم المؤاخذة»!
رسالة الرد المخملي الأميركي وصلت طبعًا إلى موسكو وطهران والحوثيين، لكنها كانت بلا هيبة أو مفعول، ولهذا تعرضت ثلاث سفن أميركية مساء يوم السبت الماضي، وهي «ميسون» و«نيتز» و«بوتس» إلى هجمات صاروخية من مراكز الحوثيين، فيما بدا أنه رسالة أكثر سخونة وتحديًا لتأكيد أن البدائل الروسية والإيرانية جاهزة لمواجهة أي عمل عسكري أميركي في سوريا!
في موازاة إطلاق صواريخ الحوثيين كانت حاملة الطائرات الروسية «كوزنتسوف» قد وصلت إلى الشاطئ السوري في سياق تحرك قالت موسكو إنه للرد على أي شكل من أشكال التهديدات، وبينما كانت الصواريخ الإيرانية تنطلق من المواقع الحوثية في اتجاه المدمرات الأميركية، أعلنت طهران عن إرسال سفينتين حربيتين قبالة سواحل عدن وباب المندب، وقياسًا بالموقف الأميركي المهادن لم تكن هناك من حاجة إلى حاملة الطائرات، فقد وصلت المهزلة إلى حد مطاردة عبد الملك الحوثي لأوباما ومدمراته بالصواريخ الإيرانية!
الرياض دانت بشدة الهجوم الصاروخي على المدمرات الأميركية، معتبرة أن هذا عمل إرهابي يعرض الملاحة الدولية للخطر، واستهداف ممنهج من قبل ميليشيات الحوثي المدعومة من إيران لحركة الملاحة التجارية في باب المندب، خصوصًا أن هذا يأتي بعد هجوم الحوثيين على سفينة للإغاثة الإماراتية بداية الشهر، وبعد إطلاقهم للصواريخ البالستية تجاه الأراضي السعودية، وآخرها تجاه منطقة مكة المكرمة في التاسع من هذا الشهر!
حرص إدارة أوباما على تجاوز الاعتداءات والاكتفاء بالرد المحدود، لا يتلاءم مع أصوات غاضبة ارتفعت في واشنطن، حيث قال رئيس لجنة القوات المسلحة في الكونغرس السيناتور جون ماكين، إن إيران تدعم الحوثيين في اليمن الذين يطلقون الصواريخ الإيرانية على السفن الأميركية، وذلك بالأموال المُفرج عنها وفق الاتفاق النووي.
ماكين علّق أيضًا على بث إيران فيديو يظهر اعتقال سبانك نمازي رجل الأعمال الإيراني الأميركي في طهران بتهمة التجسس، وكذلك اعتقال البحارة الأميركيين في مياه الخليج من قبل الحرس الثوري بداية السنة، واعتبر الأمر بمثابة «مسلسل لإرعاب أميركا من قبل النظام الإيراني الذي صار أكثر وقاحة بفضل الدولارات المفرج عنها، وللأسف تنفق إيران هذه الدولارات على دعم الأسد والحوثيين الذين يقصفون سفننا بالصواريخ».
ويعتبر ماكين أن سلوك إيران العدواني تجاه أميركا يتزايد، نظرًا لتقديم تنازلات لا حصر لها من قبل إدارة أوباما عبر الصفقة النووية التي يعتبرها خطرة جدًا، لأنه «منذ دخولها حيّز التنفيذ علمنا أن الإدارة الأميركية دفعت فدية بقيمة 1.7 مليار دولار للدولة الأولى الراعية للإرهاب في العالم، وذلك من أجل إطلاق سراح الأسرى الأميركيين.. إن صفقة أوباما لن تغير العداء الإيراني تجاه الغرب، ولن توقف طموحاتها لتقويض مصالحنا وأمننا القومي كما ستساهم في زيادة زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط»!
السيناتور ليندسي غراهام يدعو إلى رد حاسم على الحوثيين وإلى التوضيح للإيرانيين أنهم يتحملون مسؤولية ارتكاب المجموعات التي يدعمونها كالحوثيين عن أي أعمال عدائية ضد أميركا، ويعتبر أن قيام إدارة أوباما برفع العقوبات تسبب بإثراء آيات الله، وجعل من إيران كابوسًا ثقيلاً في المنطقة، لكن كل هذه التعليقات لن تغير شيئًا من سياسة أوباما الذي يحزم حقائبه و«لن يحرك حتى إصبعه»، كما كتب المحلل الأميركي المعروف تشارلز كراوثامر!
نقلا عن الشرق الاوسط