[ أسعار المواشي تحول دون شراء الناس للأضاحي في اليمن ]
"هذا العام، لن تتمكن العديد من العائلات من المشاركة في هذا التقليد، وسيعودون دون خراف ولا لحوم".. هكذا قال عبده خلف بائع الاغنام والمعلم السابق والذي يعمل في تجارة الاغنام منذ عام 2017.
في حديثه لـ "الموقع بوست" يقول خلف "اضطررت لترك التعليم كمربي في الصفوف الأولى في محافظة الحديدة وألتي التحقت بالوظيفة الحكومية منذ عام 1995، وبعد انقطاع المرتبات منذ اندلاع الحرب في عام 2015 نزحت الى مارب وأعمل اليوم في سوق المواشي لشراء وبيع الاغنام".
يؤدي ارتفاع تكلفة الأضاحي إلى حرمان العديد من الأسر اليمنية من الحصول على اللحوم خلال عيد الأضحى، وللتخلي عن عادة سادت البلاد لقرون مضت دون منازع حتى هذا العام الذي ظهر فيه من يسلب اليمني قوته وعاداته الشعبية وفريضته الدينية.
أقل أضحية من الماعز أو الخرفان يصل سعرها 200 الف ريال يمني، فيما أعلى أضحية من الخراف والماعز بمبلغ 400 الف بحسب بائع الأغنام خلف، مشيرا إلى أن الأضاحي لم تصل على الأسعار التي وصلت إليها اليوم على الاطلاق من قبل.
مع هبوط الريال اليمني أمام العملات الأجنبية، ترتفع قيمة السلع التجارية والأضاحي ويتكبدها المواطن البسيط، الأمر الذي يدفع المواطنين إلى العزوف عن شراء اللحوم والاضاحي واللجوء إلى بدائل مختلفة: حد قول خلف.
يضيف "أن العام الماضي كان بمقدور المواطن شراء الأضحية بمبلغ 100 ألف ريال يمني، لكنه اليوم لا يمكن الحصول على أضحية بأقل من 200 ألف على الأقل وبذلك حرمت آلاف الأسر من فرحة العيد وتناول وجبة واحدة خلال السنة بسبب الأوضاع الاقتصادية المأساوية التي تعيشها البلاد.
ويشير خلف إلى أن مثل هذا التوقيت قبل عيد الأضحى بأيام قليلة يشتد الزحام في أسواق الاغنام والحيوانات في مختلف انحاء البلاد بفعل الاقبال الكبير من قبل المواطنين على شراء الأضاحي لكن الاسواق اليوم تكاد تكون خالي من الزوار واقبال ضعيف والسبب دون شك هو غلاء اسعار الاضاحي التي تفوق قدرات المواطنين والنازحين.
ويوضح خلف أن الفارق في الرأس الواحد من الخراف والماعز بين العام الماضي واليوم وصل إلى حوالي 50 الف ريال يمني، في الوقت الذي انقطعت فيه مرتبات الموظفين وانعدام الدخل بشكل واسع في أوساط اليمنيين، وبالكاد يعمل المواطن على توفير الاساسيات لأسرته، فيما تعتبر الأسر المعدمة اللحوم من الكماليات التي من الصعب الحصول عليها وهذا معتقد لدى شريحة واسعة من اليمنيين.
يقول "إنه منذ خمسة أيام التي سبقت عيد الأضحى واجه الكثير من القصص المحزنة لمواطنين يأتون الى السوق لشراء أضحية، لكنهم يعودون دونها بسبب عدم امتلاكهم المال الكافي". لافتا إلى أن أحد النازحين جاء إلى السوق وهو يملك 120 ألف ريال، حاول أن شراء أضحية وظل منذ الصباح حتى الظهيرة يلف السوق، لكنه لم يحصل على أي اضحية صغيرة بهذا المبلغ وعاد خائبا".
ويقول خلف عن نفسه والحزن على ملامحه أنه وعائلته لن يتمكنوا من شراء أضحية هذا العام "كنا نشتري خروف كل عام في عيد الأضحى، لكن الأسعار مرتفعة هذا العام، سنضطر للاحتفال بالعيد بدون لحوم".
لمن استطاع إليها سبيلا
من جهته يقول حسين حمامة مالك أكبر ملحمة في محافظة مأرب وسط اليمن إن أسعار اللحوم والمواشي خلال عيد الأضحى الجاري أغلى بكثير من الأعوام السابقة، ويشير إلى أن سبب ذلك يعود لقلة توفر المواشي لدى المزارعين في اليمن وانخفاض توفيرها في الأسواق إلى جانب إنعدام الدخل لدى المواطنين، إضافة إلى السبب الأهم وهو الغلاء المعيشي وهبوط الريال اليمني مقابل العملات الاجنبية وكذا الانقسام المصرفي الداخلي في البلاد.
وأردف حمامه في تصريح لـ "الموقع بوست": "كنا نظن أن العام الماضي كانت الاسعار مرتفعة لكنها هذا العام اغلا بكثير من العام الماضي "، مشيرا إلى أن أسعار اللحوم اليوم وصل الكيلو جرام الواحد من لحوم الأغنام إلى 12 ألف ريال يمني، فيما لحم البقر بـ 10 الف ريال ولحم الجمال بـ 13 الف ريال.
وتابع "الاغنام بات سعرها اليوم 280 ألف ريال للرأس الواحد، فيما الجمال وصلت أسعارها إلى خمسة آلاف ريال سعودي للرأس الواحد".
ويتوقع حمامة استمرار ارتفاع اسعار اللحوم والاضاحي خلال ايام العيد الاولى مشيرا الى أن الأسعار ارتفعت من قبل العيد بعشرة أيام الى حوالي 50% وذلك استباقا للعيد الذي اعتاد اليمنيون على شراء الاضاحي الى منازلهم وتناولها خلال ايام العيد ويشير إلى أن الاضحية التي كانت قيمتها بعد عيد رمضان 150 ألف أصبحت قيمتها اليوم 200 الف ريال.
"لمن استطاع اليه سبيلا" عبر حمامة بهذه الكلمات عن قدرات اليمنيين على شراء الأضاحي واللحوم، مشيرا إلى أن الاقبال على شراء الأضاحي مقارنة بالأعوام السابقة ضئيل جدا، وقال "اعتدنا على أن تأتي أيام ما قبل العيد وقد بيعت او حجزت كل ما لدينا من الأغنام والأبقار، بيمنا هذا العام لم نبيع نصف ما توقعنا حتى اليوم".
يقول حسين حمامة أنه ولأول عام يحدث أن الميسورين من المجتمع تخلو عن شراء الاضاحي واستبدلوها بالأقبال على شراء اضحية بشكل جماعي وتقسيمها بشكل متساوي كما يدفعون قيمتها بشكل متساوي وذلك للقدرة على دفع قيمة الاضحية الواحدة والحصول على اللحم ولو بحجم بسيط".
عيد تاسع في الشتات
ملايين اليمنيين النازحين يستقبلون عيدهم التاسع في الشتات والنزوح والفقر، يقول الناشط الحقوقي علي التام إن الصراع المستمر جعل عودة النازحين إلى ديارهم أمرا مستحيلا، كما أن ارتفاع تكاليف المعيشة جعل من الصعب تحمل حتى الضروريات الأساسية، ناهيك عن ملابس العيد ومستلزماته والأضاحي".
غلاء المعيشة أيضا افقدت النازحين فرحة العيد جلعت الاحتفال بالعيد بشكله الطبيعي حيث ارتفعت أسعار ملابس العيد بشكل كبير، وأصبح العديد من العائلات غير قادر على تحمل حتى أبسط الأغراض كما ارتفع سعر أضاحي العيد، مما يجعل من الصعب على العائلات إعالة أسرهم أو العيش بسهولة.
وأضاف التام وهو رئيس منظمة حقوقية أن الصراع المستمر أيضا جعل من الصعب على النازحين اليمنيين العثور على عمل حيث تكافح العديد من العائلات لتغطية نفقاتهم الأساسية، وباتوا غير قادرين على تحمل تكلفة العيد الباهظة التي اعتادت الأسرة اليمنية على توفيرها كل عيد.
وعن إمكانية توفير الأضاحي واللحوم، يقول التام إن "ارتفاع تكلفة الأضاحي هو مجرد واحد من العديد من التحديات التي تواجه اليمنيين في أعقاب الحرب المعقدة في البلاد والتي تسببت بمصاعب اقتصادية واسعة النطاق، ويكافح الكثير من الناس من أجل تحمل الضروريات الأساسية ولم يعد الكثير من اليمنيين التفكير بالكماليات الأخرى".