[ معاناة أطفال ورجال ونساء في حجة ومعرضون للعمى ]
على امتداد صحراء قاحلة، مترامية الأطراف، قرب الحدود السعودية اليمنية شمال غرب اليمن، ووسط أكواخ تحكي معاناتهم يُكابد أكثر من (860) شخصا معظمهم كبار السن من ضعف وفقدان البصر، في ظل حصار خانق، وتردي الأوضاع الاقتصادية، إضافة إلى غياب المخيمات الجراحية، والمراكز الصحية المتخصصة بأمراض العيون بمناطق عيشهم.
يترجل هؤلاء بأقدامهم إلى وجهتهم شبه الدائمة، بمساعدة أهاليهم، على آمال العلاج، من مرضهم الذي أعاق حركتهم في ممارسة حياتهم وأنشطتهم اليومية، وذلك في تجسيد للمأساة الإنسانية بالبلد، الذي يرزح تحت وطأة الحرب، والفقر، والجوع، للعام الثامن، دون بوادر في الأفق، وفقًا للمنظمات الإنسانية والأممية.
تجرع المأساة
مستنداً بيد أبيه المسن، ومتجهًا بخطواته البطيئة إلى كوخه المتداعية، يعبر عبده أحمد طيب الذي يعيش في عقده الرابع لـ "الموقع بوست" معاناته المتواصلة على مدى أكثر من أربعة أعوام، مؤكدًا أن "حياته أصبحت مليئة بالحزن واليأس".
يتحدث طيب الذي يعمل راعياً ومربيا للماشية، قائلاً بأنه لم يعد بمقدوره تأمين قوته اليومي، بعد أن فقد مصدر رزقه الذي كان يعمل به منذ طفولته"، مضيفًا بأن "والديه يقومان بمساعدته في تسير شؤون حياته اليومية بعد انفصاله عن زوجته".
يعاني طيب من أحد أمراض العيون، الذي أدى لفقدانه للبصر في إحدى عينيه، وإصابة الأخرى بضعف شديد في الرؤية، ويعد واحدًا من مئات المرضى الذين يُكابدون أوجاع مرضهم.
ويشهد البلد الذي مزقه الحرب، ويعاني من أزمات اقتصادية، تراجعًا ونقصًا في تأمين الخدمات الطبية، نتيجة التدمير في مرافق العناية الطبية، وتحويل بعضها إلى ثكنات عسكرية، بالإضافة لهجرة الكوادر الطبية للخارج.
ووفقًا لإحصائيات منظمة الصحة العالمية فأن" نحو نصف المرافق الصحية أصبحت خارج الخدمة والنصف الاخر يعمل بنصف طاقته".
نزوح ومرض
على الضفة المقابلة، يتشارك مهدي خبش عاتي أوجاع وآلم طيب، ولكن بشكل ودرجة مختلفة، ويقول الرجل المسن البالغ من العمر 72 عامًا لـ "الموقع بوست" إنه واجه مصاعب ونزوح لأماكن متعددة، وكان أصعبها ما عاشه مع عائلته قبل ثلاثة أعوام ونيف"، مشيرًا إلى أن "نزوحه الأخير مع عائلته وبعضًا من ماشيته كانت أحد الأسباب في تفاقم مرضه".
وفي أحدى زوايا كوخ مخروطي الشكل، أردف عاتي وهو جالسًا على كرسي تقليدي بالقول" أعاني من ظفرات لحمية في كلتا عيني بحسب الأطباء، وتضاعفت المعاناة في ظل حصار خانق، وغياب المراكز المتخصصة لعلاج أمراض العيون، بالإضافة لتهاوي الوضع الاقتصادي لمعظم الأسر، ومنهم أسرتي، فضلاً عن اعتمادنا على المساعدات الخيرية".
وبكلمات غلب عليها حزنًا عميقًا بعد بصيص أمل لم يكتمل نتيجة ظروفه الاقتصادية، أوضح عاتي بأنه عاد خالي الوفاض بعد رحلة قصير إلى المملكة العربية السعودية، عبر منفذ مؤقت، نظرًا لارتفاع التكاليف الباهظة لعلاجه، إلى أكثر من ثمانية ألف ريال سعودي، أي ما يعادل أكثر من 2000 دولار أمريكي.
يواصل عاتي حديثه قائلاً " المبلغ المالي الذي تم جمعه من بعض فاعلي الخير، لا يمثل سوى جزءًا بسيطا من إجمالي التكاليف"، لافتًا إلى أنه ليس بمقدوره تأمين شراء ملبس جديد، علاوة عن تحمل تكاليف باهظة، وسط تردي وضعه الاقتصادي، جراء الحصار ونزوحه المتكرر.
الحصار سبب رئيسي
يرجع مدير مكتب الصحة بمديرية حيران بمحافظة حجة الدكتور طارق مسؤاك هبه سبب تدني مستوى الخدمات الصحية، وتفشي الأمراض، ومنها تفاقم حالات أمراض العيون، إلى الحصار القائم من قبل جماعة الحوثي على المديريات الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دوليًا، لأكثر من خمسة أعوام، إضافة لتواجد الكوادر الطبية والمراكز المتخصصة بأمراض العيون في المدن الكبرى، وغيابها عن المناطق التي تشهد حصارًا خانقًا.
ويصف الدكتور إسلام فؤاد وهو طبيب في مركز الجعدة الصحي بمديرية ميدي الساحلية بمحافظة حجة في حديثه لـ "الموقع بوست" وضع مرضى العيون بأنه حرج جدًا، في ظل تزايد وتفاقم الحالات المرضية، مقارنة بالعدد السكاني في ذلك المربع المحاصر" مشيرا إلى أن "الأجهزة الخاصة للمعاينة، والفحص، والتشخيص، إضافة للمعالجة غير متوفرة".
وأشار فؤاد إلى أن الحالات التي تم تسجيلها ولم تحصل على العلاج تجاوزت أكثر من (860) حالة مرضية، منها نحو (700) حالة مياه بيضاء، وأكثر من (100) حالة تعاني من ظفرات لحمية، وقرابة (20) حالة مياه زرقاء.
ونوه فؤاد إلى أن "تدني مستوى وعي السكان بالمناطق الريفية حول المرض خصوصًا كبار السن، بالإضافة إلى التأخير في التشخيص وإجراء التدخل الجراحي أدى لازدياد عدد الحالات".
وعن مخاطر تأثير التأخير في التشخيص والعلاج، أردف فؤاد قائلاً " تكون نسبة حصول المضاعفات عالية، وبدرجة أكبر كفقدان النظر الكلي".