[ معاناة مرضى الفشل الكلوي تضاعفت جراء نقص الأدوية والحصار ]
في باحة هيئة مستشفى الثورة العام بمدينة تعز (جنوب غرب اليمن)، وأمام مركز الغسيل الكلوي تحديداً، ينتظر ثمانون مريضاً بالفشل الكلوي، لإجراء عملية الغسيل الدورية المقررة لهم، لكن أبواب الهيئة موصدة في وجوههم نتيجة انقطاع التيار الكهربائي عنها، بعد نفاد كمية الوقود المخصصة للتشغيل، بطريقة تضع سلامة هؤلاء المرضى على المحك.
ويعرِّض انقطاع التيار الكهربائي عن هيئة مستشفى الثورة في مدينة تعز، حياة أكثر من ثلاثمائة مصاب بالفشل الكلوي للخطر، وتعتبر معاناة هذه الشريحة واحدة من أبرز نتائج الحرب الدائرة بين قوات الحكومة المعترف بها دولياً وجماعة (أنصار الله) منذ ثمانية أعوام.
ووفق تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية عام 2018م فإن هناك قرابة خمسة آلاف و200 مريض بالفشل الكلوي في اليمن معرضون للموت بسبب نقص إمدادات غسيل الكلى، واعتمدت على هذا التقرير وزارة الصحة التابعة لحكومة جماعة (أنصار الله)، وذكرت الوزارة في بيان لها العام الماضي 2022م أن خمسة آلاف من المرضى مهددون بالموت الحتمي نتيجة نفاد الأدوية، والمحاليل الطبية في مخازنه.
ويهدد نقص الوقود أو نفاده مستشفى الثورة بمدينة تعز بالتوقف، وقد يتسبَّب بإغلاق الأقسام التي تعتمد كلياً على الكهرباء في المستشفى، مثل أقسام المختبرات والأشعة بأنواعها المختلفة، وغرف العمليات والعناية المركزة وأقسام الحاضنات ومراكز الفشل الكلوي وثلاجات الموتى، بحسب الدكتور "فهمي الحناني"، رئيس مركز الكلية الصناعية في هيئة المستشفى، في تصريح خاص لـ"الموقع بوست".
معاناة مستمرة
سعيد الشرعبي (56 عاما) يبتسم ابتسامةً تُعكِّر المعاناة صفوها عند زيارته، وهو يعاني من الإصابة بالفشل الكلوي منذ 5 أعوام.
تتضاعف معاناة مرضى الفشل الكلوي بسبب بُعد المسافة التي يقطعها "الشرعبي" من منزله في ريف "شرعب" إلى المستشفى لتلقي العلاج.
يقول الشرعبي في حديثه لـ"الموقع بوست" أقطع مسافة ما يقارب 120 كيلو متراً ذهابا وإيابا عند الدخول إلى المدينة، ومثلها عند الخروج، وتستمر رحلة سفري ثمان ساعات".
ويضيف بأن أكثر ما يعاني منه مرضى الفشل الكلوي هو توقف المركز عن العمل بسبب نفاد كمية الوقود، ما يتسبب في تأخير إجراء عمليات الغسيل المقررة لهم، حيث أن المركز يجري عملية الغسيل لكل مريض مرتين في الأسبوع، بحسب الموعد المحدد لكل مريض منهم.
وعن سبب اختياره لمركز الكلية الصناعية في هيئة مستشفى الثورة، رغم طول المسافة، يقول: "لا يوجد مراكز للغسيل الكلوي في مدينة الحوبان أو المناطق المجاورة لنا في شرعب، عدا جهاز غسيل واحد في مستشفى "الزيلعي"، لكننا لا نستطيع إجراء عملية الغسيل فيه بسبب ازدحام المرضى، فتكون عملية الغسيل فيه مكلفة، لذلك أذهب إلى مركز الكلية الصناعية في مستشفى الثورة في مدينة تعز، كون المركز يقدم خدماته للمرضى مجاناً".
ويرى "تيسير السامعي" المسؤول الإعلامي في مكتب الصحة بمحافظة تعز أن معاناة مرضى الفشل الكلوي هي انعكاس لمعاناة الشعب اليمني بشكل عام، لأن البلاد تعيش في ظل حرب وانهيار لمنظومتها الصحية، وأصبحت مرافق تقديم الخدمات الصحية غير قادرة على أداء واجبها بشكل سليم، لكن مركز الفشل الكلوي يتلقى دعماً خيرياً، لذلك يقدم خدماته بشكل مجاني، بحسب حديثه لـ"الموقع بوست".
يعد هذا المركز خدمياً بدرجة أولى، بحسب الحناني، ويعمل على مدار 24 ساعة، ويقدم خدماته لجميع مديريات تعز مجاناً، ويستقبل يومياً 88 حالة مرضية، ووصل عدد الحالات المسجلة في المركز ممن يتلقون العلاج فيه إلى 268 حالة مرضية.
توقف متكرر
تعاني هيئة مستشفى الثورة في مدينة تعز من نقص حاد في الوقود بشكل مستمر، ويصل الأمر إلى خروجها عن العمل كلياً بسبب انقطاع التيار الكهربائي، ومعها مركز الكلية الصناعية الذي هو واحد من أقسام هيئة المستشفى.
يعزو "السامعي" التوقف المتكرر الذي يعاني منه مركز الكلية الصناعية لنفاد مادة الديزل وتوقف التيار الكهربائي عنه، بالإضافة إلى ارتباط المركز بهيئة مستشفى الثورة، الأمر الذي يشكل عبئاً على المرضى، ويرى أن الحل هو فصل مركز الكلية الصناعية عن الهيئة، بحيث يتوفر له دعم خاص ومستقل، وبُنية تحتية خاصة.
أما "فهمي الحناني" مدير مركز الكلية الصناعية فيرى أن استمرار خروج مركز الكلية الصناعية عن تقديم خدماته يعود لنفاد كمية الوقود بسبب عدم كفاية الميزانية التشغيلية المعتمدة من أجل الاستمرار في العمل، حيث بلغ الاعتماد الشهري للهيئة من قِبل الحكومة المعترف بها دولياً 10 ملايين ريال، بينما يبلغ إجمالي نفقات الهيئة ما يقارب 60 مليون ريال، لذلك لا يغطي مبلغ الاعتماد سوى 15٪ من احتياجاتها.
ويضيف أن الميزانية التشغيلية للهيئة تُصرف وفقاً للأوضاع الاقتصادية في البلاد منذ عام 2014م، عندما كان سعر صرف الدولار 240 ريالاً مقابل العملة المحلية، لكن فترة الحرب شهدت انهياراً في سعر صرف العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، ورغم ذلك لم يتم رفع الميزانية التشغيلية بما يواكب سعر الصرف في الفترة اللاحقة.
ويعتبر مركز الكلية الصناعية في هيئة مستشفى الثورة في مدينة تعز ثالث مراكز غسيل الكلى في المحافظة وأكبرها، ويحتوي على 80 جهاز غسيل، أما المركزان الأخيران فأحدهما في المستشفى الجمهوري، والثاني في مستشفى خليفة في مدينة التربة، والأخير تم افتتاحه قبل عام بدعم من مركز الملك سلمان للأعمال الإنسانية.
الحصار يضاعف المعاناة
نتيجة قطع طرق مدينة تعز الرئيسية بسبب الحرب الدائرة، اضطرَّ السكان إلى أن يسلكوا طرقاً بديلة للوصول إلى المدينة، وهي طريق "الأقروض" الواقعة جنوبي شرق المدينة، وطريق "جبل حبشي"، و"الكدحة" غرباً، وطريق "هيجة العبد" و"سامع" جنوباً، وجميعها طرق جبلية وعرة وشاقة.
عوض عبده قائد (46 عاماً) من منطقة "الصِّلو" جنوب غربي المحافظة، مصاب بالفشل الكلوي منذ (13 عاماً)، يسكن في ريف تعز ويتلقى العلاج في المدينة مرتين كل أسبوع، وفي طريقه لتلقي العلاج يضطر إلى المرور بطرق وعرة عبر جبال سامع وطريق "الأقروض"، هذه الرحلة الشاقة التي يقطعها في سبيل الحصول على الدواء تضيف ألماً آخر لآلام المرض.
وعن المضاعفات التي تحدث للمرضى إذا توقفوا أو تأخروا عن إجراء عملية الغسيل يقول "الحناني": "يُحتمل موت المريض إذا توقف المركز عن العمل، وعندما يتوقف المريض عن إجراء عملية الغسيل المقررة له تكثر السوائل في الجسم وقد تعود إلى الصدر فتسبب له ضيقاً في التنفس، وقد يصل الأمر إلى أن يتقيأ المريض دماً بسبب زيادة السموم في الجسم، والمتمثلة في "اليوريا" و"الكرياتين"، وبعد ذلك تزيد الأملاح والصوديوم والبوتاسيوم في جسم المريض ما يؤدي إلى ارتفاع ضغطه وضيق في التنفس".
في هذا الصدد يقول الدكتور "عمر حزام"، من مركز الكلية الصناعية بمستشفى الثورة، إن بعض الحالات لا تتمكن من الوصول إلى المركز نتيجة تعرض المدينة للحصار، ما يؤدي إلى إصابة المرضى بمضاعفات قد تصلُ ببعضهم إلى الوفاة.
ويؤكد أن هناك عشرات الحالات توفيت وهي عالقة في طريقها إلى المركز، أو بسبب عدم قدرتها على الوصول نتيجة الحصار وقطع الطرق الرئيسية إلى المدينة والمرور عبر طرق طويلة ووعرة.
المسؤولية الحكومية
من جانبه يقول مدير مكتب الصحة في محافظة تعز الدكتور عبدالرحمن الصبري لـ"الموقع بوست" إن معاناة المرضى بشكل عام، ومرضى الفشل الكلوي تحديداً، ليست وليدة اللحظة، وإنما تمتد إلى بداية الحرب في اليمن، زاد الأمر سوءاً بسبب عدم كفاية الميزانيات التشغيلية للمؤسسات الصحية بالمحافظة، وتحديداً هيئة مستشفى الثورة، لكونه يقدم خدماته لما يقارب أربعة ملايين نسمة من سكان المحافظة، إضافة إلى بعض المديريات في المحافظات المجاورة.
وحذَّر "الصبري" من أن هذا الأمر سيشكل تهديداً متواصلاً لحياة المرضى، في حالة عدم توفر حلول جذرية من قبل السلطة المحلية في المحافظة.
وتابع حديثه قائلاً: "إن هيئة مستشفى الثورة العام تعتبر هيئة مستقلة لا تتبع مكتب الصحة بالمدينة، وإنما تتبع الحكومة مباشرة، وهي المسؤولة عن توفير الدعم اللازم لها".
وأشار إلى أن الاعتماد المخصص للهيئة هو نفس الاعتماد المخصص لها في عام 2014م، وفي تلك الفترة كانت الهيئة تزوَّد بالتيار الكهربائي العمومي، وعند انقطاعه تتم الاستعاضة بالمولدات الكهربائية، لكن حالياً أصبحت الهيئة تعتمد على التزود بحاجتها من الكهرباء من المولدات الخاصة بنسبة 100٪ بسبب غياب الكهرباء العمومية.
ويتم توفير الوقود للمستشفيات اليمنية عبر "منظمة الصحة العالمية"، أو عن طريق منظمة "أطباء بلا حدود"، أو فاعلي الخير، بحسب "فهمي الحناني".. مضيفاً أنه عند نفاد هذا الدعم المتقطِّع يحدُث إرباك شديد لدى هيئة مستشفى الثورة، ونادراً ما يتم تقديم حلول إسعافية من قبل السلطة المحلية.
ويقترح "الحناني" خلال حديثه لـ"الموقع بوست" أن يتم توفير ميزانية تشغيلية كافية تتواءم مع سعر الصرف في الوقت الحالي، لتغطية النفقات التشغيلية للهيئة، مشيراً إلى أن مديونية الهيئة لمحطات الوقود التي توفر مادة الديزل لتشغيل الكهرباء وصلت إلى 100 مليون ريال يمني.
ملاحظة:
أنتجت هذه المادة بدعم من منظمة انترنيوز Internews ضمن مشروع Rooted In Trust في اليمن.