[ منشأة بلحاف النفطية في محافظة شبوة ]
بعد استهداف جماعة الحوثي للسفن النفطية والموانئ اليمنية المصدرة للنفط توقف تصدير اليمن للنفط، المورد الاقتصادي الهام، كما توقفت بعض الشركات العاملة في هذا القطاع عن العمل وغادرت أخرى؛ بسبب ملء الخزانات النفطية واستمرار ايقاف التصدير.
وخلال الأسبوع الماضي، أعلنت شركات نفطية مغادرة طاقمها اليمن بفعل استمرار تعطيل هذا القطاع عن العمل، بينما تعزف الشركات النفطية من القدوم للموانئ اليمنية لاستيراد النفط، سبب التهديدات الحوثية للسفن التابعة لها.
وفي اجتماع لها مع المجلس الاقتصادي الأعلى الثلاثاء، أقرت الحكومة الشرعية حزمة من القرارات الجديدة، بهدف ترشيد النفقات، لمواجهة التحديات الاقتصادية الناجمة عن توقف هذا القطاع، نتيجة الهجمات الحوثية التي استهدفت الموانئ والمنشآت النفطية، بمحافظتي شبوة، وحضرموت، شرقي البلاد.
وأقر الاجتماع عددا من السياسات الخاصة باتجاه تعزيز الإيرادات، وتنويعها وتوسيع أوعيتها وضمان وصولها الى الحساب الحكومي العام، وضبط وترشيد النفقات بحيث تقتصر على الانفاق الحتمي والضروري، وبما يؤدي الى تحقيق الاستقرار المالي والنقدي.
وخلال الفترة الأخيرة (قبل تعطيل التصدير) كانت الحكومة اليمنية قد بذلت جهودا في تحقيق الاستقرار الاقتصادي، والذي بموجبه ارتفعت الصادرات النفطية إلى ما يزبد عن 100 الف برميل يوميا، الامر الذي انعكس ايجابيا في تحسن الاستقرار النسبي، في سعر الصرف العملة الوطنية، وكذلك استقرار اسعار السلع إلا أن الهجمات الحوثية على هذا القطاع أوقف كل تلك الجهود.
تأثيرات خطرة
استمرار توقيف تصدير النفط وتعطيل في هذا القطاع الهام سيترتب عليها تأثيرات اقتصادية خطيرة منها أنه سيفقد الحكومة السيطرة على الاستقرار النسبي لسعر العملة الوطنية، وأسعار السلع والإيفاء بالتزاماتها وتعهداتها امام المواطنين، مالم تقوم بخطوات جادة واصلاحات شاملة وطارئة في مجالي الايرادات والنفقات ـ وفق محللون اقتصاديون.
يقول المحلل الاقتصادي فارس النجار: بعد استهداف الحوثي للسفن والموانئ اليمنية في أكتوبر الماضي، توقف تصدير اليمن للنفط الأمر الذي ترتب عنه أمرين مهمين غرق المضخة في ميناء الضبة، والذي كلف اصلاحها ما يقارب 50 مليون دولار تقريبا، إلى جانب أن هناك شركات توقفت عن العمل وأعلنت مغارة طاقمها البلاد بسبب ملئ الخزانات نتيجة ايقاف التصدير والبعض منها توقفت بدواعي امنية.
وأضاف النجار في تصريح له لـ "الموقع بوست": جميع هذه الأمور سيترتب عليها أمور اقتصادية بفعل انخفاض مستوى الدخل الذي تحصل عليه الحكومة، خاصة من النقد الاجنبي الذي يعد صادرات النفط المورد الاساسي له والذي من خلاله تقوم الحكومة بالإيفاء بالتزاماتها وتعهداتها أمام المواطنين، الأمر الذي سيضع الحكومة أمام اختبار حقيقي في قدرتها على التعاطي مع هذه التحديات خصوصا أمام خصمها الحوثي الذي يتعمد افشالها.
اجراءات ضرورية
وعن الاجراءات المطلوبة من قبل الحكومة لسد هذه الثغرة الاقتصادية المتمثلة بتعطيل أهم مورد للبلاد، يقول النجار: إن ذلك يكون بزيادة الإرادات المحلية من خلال ضبط تحصيل الايرادات، وحل الأمور المتعلقة بضرائب كبار المكلفين، وكذلك محاربة التهرب الضريبي، واغلاق كافة الحسابات الحكومية خارج اطار البنك المركزي.
وتابع: ضبط عملية تحصيل الايرادات، وتوظيفها التوظيف الصحيح على راسها الضرائب، والجمارك والتي تعد المورد الثاني للدولة بعد صادرات النفط، سيساهم بشكل كبير في زيادة الدخل للدولة وسد هذه الفجوة الاقتصادية، حسب وصفه.
المحلل الاقتصادي عبد الواحد العوبلي بدوره أشار إلى مجموعة من الاجراءات المطلوبة من الحكومة والمجلس الرئاسي القيام بها في إطار وضع المعالجات الاقتصادية ومواكبة التطورات الاقتصادية الحاصلة الناجمة نتيجة الهجمات والتهديدات الحوثية لاهم الموارد الاقتصادية للشرعية اليمنية.
وفي حديث لـ "الموقع بوست" قال العوبلي: على الحكومة أن تتخذ عدة اجراءات في محورين رئيسين: الأول يتمثل في محور الايرادات، والأخر في محور النفقات، ففي محور الايرادات على الحكومة أن تشتغل على تفعيل الايرادات الاخرى المعطلة، مثل الموانئ، والمطارات، المطارات، والجمارك والرسوم والايرادات التي تذهب لجماعة الحوثي، كالاتصالات، وكذلك توريد المساعدات الانسانية، للبنك المركزي في عدن، كل هذه الموارد قادرة أن توفر سيولة كافية، لدفع الرواتب، وتقديم الحد الادنى من الخدمات.
وعن جانب النفقات يقول العوبلي: "يجب على الحكومة في جانب النفقات أن توقف ثقب النفقات الحاصلة غير المبررة، مثل نفقات، ورواتب، المسؤولين الذين لم يشتغلوا ونفقات اولاد المسؤولين ونفقات المنح لأولاد المسؤولين ونفقات السفارات التي ليس لها أي داعي وليس لها أي علاقات تربطها مع اليمن، كل هذه النفقات كفيلة بأن تسد هذه الثغرة إذا توفرت الإرادة، وحضر الضمير الوطني لدى الحكومة والمسؤولين في الدولة، حد قوله.
وعن الجهود الدولية في هذا الجانب أشار الاقتصادي فارس النجار إلى أن هناك جهود خارجية تبذل على جماعة الحوثي لوقف استهدافها للموانئ اليمنية، والسفن والملاحة الدولية بالإضافة الى حشد الجهود لتقديم الدعم المناسب للحكومة اليمنية؛ لتغطية العجز الناتج عن توقف الصادرات النفطية.
وأضاف: هناك مقترحات قد تلجا اليها الحكومة في المستقبل في سبيل حل مثل هذه المشاكل، وهو بيع النفط عن طريق العقود الآجلة، وهذا الامر، في غاية الاهمية، قد يتم اتخاذه خلال الفترة القادمة، ويعد من وسائل الدعم غير المباشر الذي ممكن ان يقدم لليمن، ولكنها تحتاج إلى الية عمل واضحة وشفافية ورقابة حقيقية عليها ـ حسب وصفه.
الفساد العائق الاول
وفي مستهل حديثه لـ "الموقع بوست" أشار المحلل الاقتصادي العوبلي: "النفط ليس المورد الوحيد كما انه ليس نهاية العالم فهناك موارد ممكن أن تقوم مقام النفط، بل ربما قد تفوقه، في دعم ميزانية الدولة، لكن المشكلة تكمن في الفساد المستشري لدى المسؤولين داخل الحكومة، فيما يتعلق بالتلاعب بالإيرادات، والاسراف في النفقات، التي ربما لم تكن حتى في الدول الغنية فما بالك باليمن التي تمر بحرب طاحنة وتعيش اسوئ ازمة انسانية في العالم .
وعن ظاهرة الفساد الحكومي تابع العوبلي بالقول: هناك مسؤولون في الحكومة نفقات ومرتبات الواحد منهم كفيلة بدفع رواتب عشرات الموظفين، ناهيك عن فساد السفارات والملحقيات وما يرتبط بهما من مسميات وظيفية مصطنعة، والتي لم تجني سوى نهب واستنزاف لأموال الدولة.
الصحفي رئيس لجنة التدريب والتأهيل لدى نقابة الصحفيين اليمنيين نبيل الاسيدي أشار بدوره إلى دور الفساد المستشري بين مسؤولي الشرعية، في تعطيل مهام الحكومة والذي بموجبه وجدت الحكومة نفسها عاجزة عن سد أي فجوة اقتصادية سببتها الحرب.
وفي حديث لـ "الموقع بوست" يقول الأسيدي: هناك فساد شديد داخل الوزارات وقيادات في الشرعية تتعامل مع الدولة، كـ فيد أشبه بملكية خاصة وكأفراد عصابة سرقت ايرادات الدولة واستنزفت نفقاتها وجعلتها شبه مشلولة.
وأردف "لو تم تجفيف منابع الفساد ستكون الحكومة بلا شك قادرة على الالتزام بتعهداتها، أما الشعب وهذا يتطلب مسؤول يمتلك الضمير والحس الوطني والانساني".
تعطيل متعمد
وفي مستهل حديثه عن الاجراءات المطلوبة لمواجهة الفجوة الاقتصادية الناتجة عن ايقاف تصدير النفط، أشار العوبلي إلا دور تشغيل مصافي عدن في هذا الجانب ووصفه بالإجراء الأهم حيث قال: الأهم من كل ما ذكرناه من اجراءات فإن الأمر يتطلب ايقاف استيراد المشتقات النفطية من الخارج أمام التجار ومستوردي النفط والتعويض عن ذلك بتصفية النفط في مصافي عدن وتشغيلها، لما يحصل لها الآن من تعطيل متعمد في سبيل الحفاظ على مصالح تجار سواء التجار التابعين للحوثي أو التابعين للحكومة الشرعية.
ومنذ أكتوبر الماضي، هاجمت جماعة الحوثي عدة سفن نفطية دولية في الموانئ اليمنية في حضرموت وشبوة وهددت أخرى متهمة تلك الشركات النفطية المستوردة للنفط بسرقة النفط اليمني، كما هددت باستهداف السفن الدولية التي تدخل المياه والموانئ اليمنية، الأمر الذي أدى إلى توقف التصدير، نتيجة للتهديدات الحوثية وتعطيل أكبر مورد اقتصادي للبلاد.
وفي سبتمبر من العام 2014 انقلبت جماعة الحوثي على الحكومة الشرعية في البلاد، مما أدى إلى مغادرة رئيس الدولة، واعضاء في الحكومة البلاد نحو دول الجوار وفرضت جماعة الحوثي سيطرتها على معظم المحافظات الشمالية، بعد طردها من المناطق الجنوبية، وذلك بمساعدة التحالف العربي بقيادة السعودية الذي تدخل في 26 من مارس 2015 بحجة استعادة الشرعية وانهاء الانقلاب.