[ التقرير رصد العديد من عمليات النهب في عدة مناطق بالحديدة ]
مطلع يونيو/ حزيران2010 كان مجلس النواب في صنعاء يواصل مناقشة تقرير اللجنة البرلمانية المشكلة من أعضائه، حول قضية نهب أراضي تهامة، وهو التقرير المثير للجدل، الذي تأجل طرحه للنقاش أكثر من مرة، وأثار جلبة صاخبة تحت قبة البرلمان، وصلت حد الاشتباك بالأيدي، وتغيب الجانب الحكومي، المعني بمضمون التقرير عن حضور جلسات النقاش.
التقرير أنجزته لجنه برلمانية برئاسة النائب في حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم حينها الشيخ سنان عبدالولي العجي، مثل فضيحة مدوية من العيار الثقيل، ووُصِف بأنه أهم تقرير في تاريخ اللجان البرلمانية، وذكر (184) اسماً من المتورطين في السطو على أراضي تهامة.
في تلك القائمة وردت أسماء وزراء وأعضاء مجلس نواب، وقادة في الجيش والأمن، يتقدمهم يحي الراعي رئيس مجلس النواب، ونائبيه حميد الأحمر، وأكرم عطية، وهذا الاخير ممثل لأحد دوائر أبناء زبيد في الحديدة، الأمر الذي دفع بالشيخ سلطان البركاني رئيس كتلة المؤتمر الشعبي العام، ونواب أخرين، للمطالبة بأن توكل إدارة جلسات المجلس لمناقشة التقرير لعضو مجلس رئاسة البرلمان محمد الشدادي، كونه الوحيد الذي لم يرد اسمه في التقرير، وتنحي يحي الراعي وحميد الاحمر وأكرم عطية عن مهام رئاسة جلسات المجلس لمناقشة مضمون التقرير.
في الجانب الأمني ورد اسم قادة أمنيين في وزارة الداخلية، منهم العميد الركن رشاد العليمي الذي يشغل حالياً رئيس مجلس القيادة الرئاسي، وفي الجانب العسكري ورد اسم الفريق الركن على محسن الأحمر قائد الفرقة الأولى مدرع سابقاً، وقادة كبار في الفرقة، ومنهم محمد صالح الأحمر الأخ غير الشقيق للرئيس السابق على عبدالله صالح، وقائد القوات الجوية سابقاً، والذي اتهمه تقرير اللجنة البرلمانية بنهب أراضي المواطنين المحيطة بمطار الحديدة.
ولكون التقرير تضمن تلك الأسماء التي كانت تعتبر نفسها فوق القانون، وأكبر من أي مسائلة، لم يكن مستغرباً أن ينتهى به المطاف بعد أكثر من أسبوع من النقاشات الصاخبة تحت قبة البرلمان إلى سرداب التعطيل، والتجاهل المتعمد، وبقيت شهية النهب تلهتم الألاف من الأمتار في تهامة.
جرائم نهب مستمرة
جرائم نهب أراضي المواطنين في تهامة بمحافظة الحديدة غرب اليمن، تعد أحد أكبر الجرائم الطافحة بصور بالغة القتامة للضيم والظلم، والاستقواء بقوتي السلاح والنفوذ الباطشتين، التي مارسها نافذون كبار منذ عهد نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح، ومثلت عملية وضع حد لها أحد أهم المطالب لأبناء تهامة والناشطين الحقوقيين وبعض اعضاء البرلمان، لكنها انصدمت بنافذين تجاوزوا كل اللوائح والقوانين.
وعقب سيطرة جماعة الحوثي على العاصمة صنعاء في انقلاب 21سبتمبر/أيلول2014 بتواطؤ من الرئيس السابق على عبدالله صالح وحزبه، كان أبناء تهامة وخصوصاً أبناء قبيلة الزرانيق يدركون أن جماعة الحوثي قادمة إليهم، لتصفية حساب تاريخي منذ أيام حكم الإمام أحمد حميدالدين والدولة المتوكلية، حين لقي زهاء ألف جندي من جنود الإمام مع قائدهم حتفهم على أيدي أبناء قبيلة الزرانيق في معركة (القوقر الشهيرة) عندما قاد الشيخ الزرنوقي أحمد فتيني جنيد ثورة مسلحة ضد الإمامة وظلمها.
وصية إمامية تستبيح تهامة
جماعة الحوثي التي أنقذها اتفاق ستوكهولم المبرم في الـ 13من ديسمبر/كانون أول 2018 من هزيمة مُحققة على يد قوات الشرعية والتحالف العربي التي وصلت إلى مداخل مدينة الحديدة الشرقية لم تعد بحاجة لاستخدام أساليب الترغيب والترهيب التي كان يتبعها نافذوا نظام الرئيس صالح سابقا، للسطو على أراضي التهاميين، بل أضافت قوة السلاح والقتل والتهجير لأصحاب الأراضي الأصليين، بتهمة الانضواء في المقاومة التهامية أو تأييدها أو بذريعة استعادة أراضي تابعة للأوقاف، وفقا للناشط التهامي أبو عبدالرحمن الزرنوقي في حديثه لـ"للموقع بوست".
يضيف الزرنوقي أن مديرية "التُحيتا" (120 كم جنوب محافظة الحديدة) وهي أصغر مديريات ريف محافظة الحديدة نهبت جماعة الحوثي فيها ما يصل إلى 6500معاد، والمعاد الواحد يساوي60×60متر، بذريعة استعادة أراضي الوقف، ورمت بعشرات الأسر التي كانت تقتات من خير تلك الأرض إلى قفار التشرد والجوع.
وأكد الزرنوقي أن جرائم القتل والنهب التي حدثت لمئات من التهاميين العُزل الأبرياء، عقب الانسحاب المفاجئ للقوات المشتركة من تخوم مدينة الحديدة الشرقية تعد جرائم تطهير عرقي، وحقبة دامية سوداء لن ينسى بشاعتها السكان، ومن خلال تهمة القتال في صفوف العدوان – في إشارة للتحالف الذي تقوده السعودية في اليمن - والانخراط في المقاومة التهامية – فصيل محلي يموله التحالف ويقاوم للحوثيين - سُحل العشرات من التهاميين، ونهبت ممتلكاتهم وأراضيهم وهجرت أسرهم.
وأشار الناشط التهامي "أالزرنوقي" الى أن انسحاب القوات المشتركة بشكل مفاجئ في العاشر من نوفمبر/تشرين أول2021 ودون تنسيق مع المقاومة التهامية، ترك أبناء تهامة المسالمين العُزل فريسة سهلة لجماعة الحوثي، التي أوغلت في التنكيل بهم، ونهب ممتلكاتهم، ببشاعة أقل ما يمكن وصفها بعملية تطهير عرقي وجرائم ضد الإنسانية.
عودة التاريخ من جديد
في خضم جهدنا الشاق والمرهق لجمع شهادات ميدانية لبعض أبناء الزرانيق في مديرية بيت الفقيه الذين رفض أغلبهم التحدث الينا خوفاً على سلامته، الا أننا تمكنا من الحصول على شهادات لضحايا تصيبك بالدهشة، وما قاله هؤلاء لا يختلف تماما عما قام به جنود الإمام أحمد حميدالدين الذي حكم اليمن قبل ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م باسم المملكة اليمنية، وقاد حملة عسكرية قبل حوالي 92عاماً في الحديدة، ولم يختلف الأمر – وفقا لرواية هؤلاء - سوى في الزمن والأسماء والوجوه في ذات المنطقة.
"أخذت العمليات العسكرية الإمامية طابع الأرض المحروقة، وكم من منازل نُهبت، وقرى دُمرت "فأثخنوا - أي العساكر الإماميين - فيهم قتلًا، ونهبًا، وإحراقًا لقراهم، فتفرق أهلها فارين في بلاد الزرانيق"، وبعد أنْ فشلت جميع مُحاولاته في السيطرة على قبيلة الزرانيق سلمًا، لجأ الإمام يحيى إلى القوة."
ما سبق نبذة مجتزأة من تدوين تاريخي للمؤرخ "اسماعيل الوشلي" يصف فيها الجرائم التي ارتكبها جنود الامام أحمد يحي حميدالدين ضد أبناء قبيلة الزرانيق، في مديرية بيت الفقيه أواخر عشرينيات القرن الماضي.
شهادات صادمة
تنتابك شكوك في سلامة ذاكرتك، وأنت تستمع للدكتور محمد ناصر مبارك أمين عام منظمة زرانيق للعدالة والتنمية وهو يسرد لـ الموقع بوست" ما قامت وتقوم به جماعة الحوثي من قتل وتنكيل واعتقال واختطاف، ونهب في ذات المنطقة وبحق أبنائها.
يضيف الدكتور ناصر متسائلاً باستغراب: "من كان يظن أن التاريخ سيعيد لأبناء بيت الفقيه الزرانيق المسالمين وكل أبناء تهامة فصول أحداث ما قبل 90عاما بكل بشاعتها وتفاصيلها؟ ومن كان يظن أن العهد الامامي الكهنوتي سيعود متسلحاً بأحقاده التاريخية لينتقم من أحفاد الشيخ الزرنوقي البطل أحمد فتيني جنيد ورفاقه بهذه الصورة الدموية البشعة".
يشير الدكتور محمد ناصر الى أنه منذ الوهلة الأولى لقدوم جماعة الحوثي الى مديرية بيت الفقيه تبين أن غرضها وممارساتها تتجاوز مزاعم استعادة أراضي الأوقاف، فهي وبخلاف ما دأبت عليه في بقية المناطق التي تسيطر عليها بتعيين مشرفا لها من أبناء المنطقة، إلا أنها في بيت الفقيه وفي قبيلة الزرانيق استقدمت مشرفين من محافظة صعدة معقل الجماعة فـ "أبو ياسين، أبو الهادي، أبو عاطف" الذي عينتهم الجماعة مشرفين لها في بيت الفقيه، ينتمون للجناح العقائدي المتشدد في الجماعة، ويتلقون توجيهاتهم من عبدالملك الحوثي والدائرة المحيطة به مباشرة.
وتابع: "جماعة الحوثي استقدمت 30 طقماً محملين بمئات المسلحين، لتنفيذ عملياتها، ورصدنا في منظمتنا أكثر من 45 شخصا معتقلا حتى هذه اللحظة في سجون الجماعة، وهناك 15 شخصا ضحايا تعذيب، بينهم نساء، وإثنين قتلى، مع أننا نتوقع بأن هناك أعدادا كثيرة من الضحايا سقطوا، وتتعمد الجماعة إخفاء انتهاكاتها من خلال المساومة أو بممارسة الارهاب النفسي على ذويهم حتى لا يطالبوا بالكشف عن مصير أبنائهم".
ويرى أنه "في ظل غياب الدولة وسيطرة الحوثيين من الصعب أن تُنتزع الحقوق، لاسيما وجماعة الحوثي تعتبر تهامة بأنها أرض ميعاد، بل وتعتبر اليمن بكامله"، لافتاً الى أن سياسة الأرض المحروقة والحقد المضمر ضد كل زرنوقي، ونهب أراضي وممتلكات خاصة لأبناء الزرانيق منذ آلاف السنين، واجترار أحداث الماضي، ونزعة الكراهية في الممارسة، ونبرة الخطاب تؤكد أن الوضع الراهن متصل بالماضي بشكل كبير.
وناشد أمين عام منظمة زرانيق للعدالة والتنمية كل المنظمات الإنسانية، وكل أحرار العالم التدخل لإنقاذ أبناء تهامة من عملية تطهير عرقي، وجرائم ضد الانسانية، واصفاً ما تقوم به جماعة الحوثي بأنه اجتثاث ممنهج للوجود التهامي، وتغيير ديموغرافي لبيئة سكانية تعد أحد أهم مكونات التركيبة السكانية لليمن منذ القِدم.
ضريبة الثورة
"صراع أبناء قبيلة الزرانيق التهامية ليس وليد اللحظة، ولا يتعلق بعمليات النهب الأخيرة لأراضي وممتلكات أبناء الزرانيق، وممارسة القمع الوحشي بحقهم، ولكنه صراع يعود لعشرات السنين، فلجماعة الحوثي ثأر قديم مع الزرانيق" هكذا يوضح الشيخ إبراهيم يحي منصر أحد مشائخ قبيلة الزرانيق ما وصفها بقضية أبناء الزرانيق.
ويستطرد منصر في حديثه لـ"الموقع بوست" بأن صراع أبناء الزرانيق مع الأئمة أزلي، والتعامل معه على أنه عمليات نهب أراضي واعتقال اشخاص، أو قتلهم يعد تجني وجهل فاضح بالتاريخ اليمني، ونضال الشعب اليمني، وثوراته ضد جبروت وطغيان هذه السلالة وحكامها" ويضيف: "قضية الزرانيق هي قضية كل يمني حر يؤمن بالنظام الجمهوري، وأبناء الزرانيق لهم تاريخ مشرف في مضمار مقاومة الأئمة، وهم الآن يدفعون ضريبة الحقد التاريخي، ونزعة الانتقام التي تكنها هذه السلالة ضد كل الثورات التي قاومتهم ورجالها بدءً بثورة الزرانيق عام 1925 وانتهاءً بثورة 26سبتمبر/أيلول 1962.
الإمام يشكو الزرانيق
غادرنا بيت الفقيه على أصداء صوت الامام أحمد يحي حميدالدين المتناهي الى مسامعنا، وهو يصدح بقصيدته الأحمدية الشهيرة التي يشكو فيها بحرقة من الزرانيق بشراً وجغرافيا، الذين فتكوا بالمئات من خيرة مقاتليه طالبا من أبو ياسين وأبوالهادي وأبوعاطف، اشفاء غليله من كل زرنوقي، وألا تأخذهم بهم رحمة، او يأمنوا لهم جانب:
صاح أنَّ الجاح قد أضنى فؤادي
وكسا عيني بأنواع السهاد ِ
و"الجاح" وادي شهير بزراعة النخيل يقع بين مديريتي زبيد والحْسينية، وهي المنطقة التي تمثل بالإضافة لمديرية بيت الفقيه عمقاً جغرافيا لأبناء قبيلة الزرانيق العريقة.
توجهنا شمالاً صوب الدريهمي، وفي كل كيلو متر من الطريق يحدثنا النهب عن صولاته وصوره، مئات الهكتارات من الأراضي المحاذية للخط الاسفلتي الرابط بين محافظتي تعز والحديدة صادرتها جماعة الحوثي، وتتلاشى ملامح الوجوه التهامية بسحنتها السمراء، وبشاشتها الودودة، وقلوب أهلها البيضاء بشكل مخيف، تاركةً العشش والازاهيب والتاريخ، لوجوه صفراء ذات أوجان محمرة، وعيون متوجسة، تحكي نظراتها حقبة سوداء موحشة من تاريخ اليمن، لا يمت لطبيعة أهلها، كما هو حال هذه المجاميع القبيلة في تهامة بأي صلة.
نهب القطاع التجاري
وفقاً لوصية الامام يحي حميد الدين التي قضت بأن كل أراضي تهامة ملكاً للدولة المتوكلية، فلم يعد ثمة فرق في نظر جماعة الحوثي بين أراضي الاوقاف والأراضي الخاصة، أو تلك التي تم شراؤها بطريقة قانونية، ويحمل أصحابها وثائق شراء معمدة من الجهات المختصة.
ففي مديرية الدريهمي 40 كيلو متر جنوب محافظة الحديدة، يمثل مشروع (مدينة الخامري السكنية) أحد الشواهد الحية التي تعكس الى أي مدى وصلت مسيرة النهب والسطو على أموال وممتلكات أبناء تهامة، تاركة للضحايا مهمة البحث عن رفاة دولة، تزعم الجماعة التي نهبتها وقضت عليها أنها ماتزال تتنفس قوانين واحكام وأوامر.
يقول المستثمر سعيد الخامري لـ"الموقع بوست" أنه سعى من خلال شراءه لقطعة الأرض لإنعاش الجانب السياحي في محافظة الحديدة، وإيجاد فرص عمل عديدة، وأنه حرص على استخراج كامل التراخيص القانونية اللازمة من مكتب أراضي وعقارات الدولة بمحافظة الحديدة، وبعد استكماله إعداد الدراسات اللازمة لمشروع المدينة السكنية الذي يحتوي على حديقة ومنتجع ومسابح، لكنه تفاجأ عند شروعه في تنفيذ المشروع بقدوم عشرات المسلحين من أفراد الحوثيين الذي أطلقوا النار على العمال، ونهبوا معدات العمل، وعطلوا المشروع بحجة أن الأرض تابعة لأراضي الاوقاف.
شخصيات يتهمها السكان بالتورط بنهب الأراضي في تهامة
ودعنا المستثمر الخامري متأبطاً ملفاً مثخنا بالتوجيهات من وزير داخلية حكومة الحوثيين، ومحافظ الحديدة، والنيابة العامة، وأرقام بملايين الريالات يقول أنها خسائره الناجمة عن سيطرة الجماعة على أرضه وتعطيل مشروعه (رفض السماح لنا بتصويرها) خوفاً من التأثير على اجراءات التقاضي، فالقضية منظورة أمام المحكمة التي يُعلق عليها بعض الأمل لإنصافه حسب تعبيره، قاصدين مدينة الحديدة.
وبخلاف بقية الضحايا من المواطنين الذين نهبت جماعة الحوثي أراضيهم، يلزم التجار ورجال الأعمال الصمت، ويرفضون الحديث عما تعرضوا له من نهب، خوفاً على ما تبقى لديهم من مؤسسات وأموال.
قبل أن نلج مدينة الحديدة وتحديداً في كيلو أربعة، كنا على موعد مع اكتشاف عملية نهب جديدة، فقد أقدمت جماعة الحوثي على مصادرة أرضية مسورة تتبع مؤسسة الغراسي للتبريد اشتراها الحاج عبدالله الغراسي قبل عشرين عاماً، بنفس الحجج التي ترددها.
النهب يطال مجموعة بيت هائل
في 18أكتوبر/تشرين الأول 2022 أعلنت الشركة اليمنية لتكرير السكر التابعة لمجموعة هائل سعيد أنعم، ومقرها منطقة الصليف شمال المدينة، عن ايقاف عملها نهائيا، بسبب ما قال بيان صادر عن الشركة حصل "الموقع بوست" على نسخة منه قيام شخص يدعى "أبومشعل" ويشغل منصب نائب مدير أمن محافظة الحديدة، بإيقاف نشاط الشركة، وحجز المركبات الخاصة بها، كذلك اختطاف مدير عام الشركة بالقوة المسلحة، أثناء دخوله مدينة الحديدة، وسلبه تلفونه، ومنع الزيارة، والتواصل معه، وحجز حريته واقتياده الى سجن مديرية الضحي التي تبعد عن مدينة الحديدة بحوالي 60 كيل
لم تكن الشركة اليمنية لتكرير السكر التابعة لمجموعة هائل سعيد أنعم أول شركة تعلن ايقاف نشاطها بسبب تعسفات مشرفي جماعة الحوثي، فقد أغلق مصنع انتاج البلاستيك التابع لرجل الاعمال "أحمد صالح العيسي" أبوابه قبل عامين، ونقل العيسي كل نشاطه التجاري وشركاته ومنها شركة "عبر البحار" للاصطياد السمكي الى جمهورية مصر العربية.
العقاب يطال المساندين
ولم يقف الأمر عند هؤلاء، فرجال الأعمال الذين ساندوا جماعة الحوثي ودعموا مسلحيها بملايين الريالات لم تأخذ لهم الحوثي جميل صنعيهم بالحسبان، بل تنكرت لكل ما قاموا به، ووضعت كل نشاطهم التجاري وثرواتهم وأرباحهم تحت الرقابة المباشرة من قبل مشرفيها.
في هذا السياق أفاد أحد الموظفين (فضل عدم ذكر اسمه) في شركة الحباري للمطاحن الكائنة في منطقة الصليف أن جماعة الحوثي بدأت بفرض مجهوداً حربيا على الشركة، وأطنان من الدقيق كمجهود حربي لمقاتليها، بالإضافة لإتاوات تقدر بخمسة ملايين ريال شهريا لمشرفيها.
وأضاف المصدر أن خلافا نشب بين أبو زياد أحد مشرفي الجماعة، وبين نجل الحباري بسبب اعتراض الأخير على ضخامة الجبايات التي تفرض على الشركة مما دفع بالمشرف الحوثي لاستقدام عشرات المسلحين، واقتحم الشركة، وفرض مراقبا ماليا على نشاطها التجاري.
وإذا كان القطاع التجاري الخاص ورجال الأعمال بوضعيته القانونية وأهميته الاقتصادية والضرائب التي المهولة التي يدفعها رجال الأعمال لجماعة الحوثي لم تحميه من سُعار النهب، فلا غرابة ما تتعرض له الأرضية التابعة لشركة الغزل والنسيج المطلة على شارع صنعاء، الذي يعد الشارع الرئيسي في مدينة الحديدة وشارع زائد، والتي خصصها الشهيد إبراهيم الحمدي لمصنع الغزل والنسيج، ولم يتعرض لها نظام علي عبدالله صالح ومتنفذيه خلال أكثر من ثلاثة عقود من حكمه، فيما تمكنت جماعة الحوثي من نهبها وبيعها لتجار تابعين لها، سرعان ما حولوها الى محلات تجارية ومنشآت سكنية نظراً لموقعها الإستراتيجي.
النهب يتنزه على الشاطئ
اذا كنت ممن زاروا مدينة الحديدة عاصمة الساحل التهامي، وأكبر ميناء تجاري على شاطئ البحر الأحمر غرب اليمن قبل اندلاع الحرب المدمرة في اليمن في 25مارس/أذار2015، أو كنت ممن عاش فيها قبل ذلك التاريخ، ولديك معرفة مسبقة بشوارعها وأسماء حاراتها، وبالطبع أهم مرافقها ومعالمها، فلست بحاجة لأي دليل يرشدك على ما قامت به جماعة الحوثي من عمليات نهب طالت حتى معالمها الأثرية والتاريخية.
عليك أن تنسى قضية نهب الأراضي الزراعية التي أصابتك بالصداع، وأرقت كل أبناء تهامة، لبعض الوقت، فالنهب في المدينة يرفع سلاح استعادة أراضي الأوقاف المنهوبة كسيف مسلط ضد رقاب الناس، بعدالة زائفة.
قصة مدينة سبعة يوليو
"المُحنِش" نوع من الطيور الجارحة تعيش على اصطياد الثعابين "والحنش" هو الثعبان، وبهذا المثل اليمني الدارج استهل الموظف في وزارة التربية والتعليم محمد محب حديثة "للموقع بوست" قائلاً: "في عام 1998 قُبيل أول انتخابات رئاسية أعلن الرئيس على عبدالله صالح عن إنشاء مدينة سبعة يوليو السكنية لصغار موظفي القطاع العام، المدينة التي تحتوي على ما يقارب 700 وحدة سكنية حسب المخطط، وخصصت للموظفين ذوي الدخل المحدود، على أن يستقطع قيمة كل وحدة من راتب الموظف الشهري.
كان المعلم "محمد محب" أحد الموظفين الذين حصلوا على وحدة سكنية في المدينة، وحصل على عقد تمليك، وبدأ يسدد قيمة مسكنه من راتبه الشهري، وبعد أكثر من ثلاث سنوات تفاجأ الموظفون بقيام ضباط كبار ينتمون لقوات الدفاع الجوي والقوات البحرية بالسطو على المدينة السكنية بالقوة.
فشلت كل محاولات الموظفين ومطالباتهم بإجبار الضباط الذين سطوا على مدينتهم السكنية على إخلائها، أو إعادة ما استقطع من رواتبهم، أدرك الموظفون البسطاء - والكلام ما يزال لمحب - أنهم تعرضوا لعملية نصب واحتيال، وأن الضباط الذين سطوا على مدينتهم السكنية قادة كبار في الجيش، وما كان بمقدرهم الإقدام على جريمة السطو تلك لولا تلقيهم الضوء من على عبدالله صالح.
يضيف محب: "ولأن الله يمهل ولا يهمل، فعقب عودة قوات الحوثي بعد تنفيذ القوات المشتركة التابعة للتحالف العربي انسحابها في العاشر من نوفمبر/تشرين أول2021 والتي وصلت الى الطرف الجنوبي من مدينة سبعة يوليو السكنية سطت الجماعة عليها بالقوة، ولم تبق فيها سوى مساكن الضباط الذين انضموا للقتال معها.
تدمير التراث
مثلما دمر الإمام أحمد حميد الدين في سبتمبر/أيلول 1929 قبة الولي أحمد بن موسى عجيل، يؤكد الدمار والتشويه الذي ألحقته الجماعة الحوثية بحصن القلعة التاريخي في حي الكورنيش بمدينة الحديدة هستيريا العداء لإرث اليمنيين التاريخي، المتجذر في فكر هذه الجماعة.
حصن القلعة التاريخي المدرج في قائمة منظمة التراث العالمي "اليونيسكو" حولته جماعة الحوثي لمعتقل لمعارضيها، وقامت بإحداث تغييرات في بناء القلعة، ودمرت معالم تاريخية لها الالاف السنين عْرفت بها القلعة.
الانتحار ملاذا
"اشهدوا أن الشيخ نهب أرضنا وبيأكلها حرام، الله لا بارك له فيها الله ينتقم منه"، هكذا كان الشاب "لطفي عوض سردود" يصرخ في وجوه الناس - عند إعداد هذه المادة - واقفاً وسط أرضيته التي نهبها احد المشائخ النافذين في منطقة "الزيدية" شمال مدينة الحديدة، وصب البترول على جسمه، وأشعل النار ليفارق الحياة على الفور.
وبحسب إفادة بعض أقرباء الشاب لطفي لـ"الموقع بوست" فقد ضاق الحال بالشاب بعد إقدام جماعة الحوثي على نهب أرضيته التي اشتراها بحر ماله، وقضى فترة طويلة من عمره مغترباً في السعودية، وأرسل لأبيه بثمنها، واشتراها بموجب عقد رسمي من مكتب الأوقاف بالمديرية، ولكن نافذون اعتدوا عليها وادعوا ملكيتها أيضاً بعقد رسمي آخر، ولم يفلح في استعادتها، وقضى فترة طويلة بين المحاكم، لكن دون جدوى.
لم يستطع لطفي تحمل القهر والغبن الذي ملأه على نهب أرضه وإخوته، فلم يجد إلا طريقاً واحداً يعبر فيه عن ملكيته للأرض، وهو لفت أنظار الناس إلى قضيته، فأحرق نفسه، وكثيراً ما يقف المواطنون البسطاء عاجزين عن مواجهة عصابات نهب الأراضي بالحديدة، والذين يتمتع أفرادها بالحماية والنفوذ.
مستثمر سوري أم خبير عسكري؟
لا تميز جماعة الحوثي عند قيامها بعمليات النهب بين أراضي الأوقاف، وأراضي الدولة، والأملاك الخاصة، فلديها منطقها وقوتها ولا فرق بين المنهوبات سوى في مقدار المساحة وبعض تفاصيل الحكاية.
لكننا ونحن نشارف على إتمام رحلة التقصي المضنية هذه متوجهين شمالا وفي مديرية "المنيرة" تحديداً (80كم) شمال مدينة الحديدة تفاجئنا بعملية نهب مغايرة بطلها ليس أحد مشرفي جماعة الحوثي، ولا أحد المشائخ الموالين لها، ولكنه شخص سوري الجنسية يدعى "عبدالعزيز محمد اليوسف" (65عاماً).
لم نتمكن في "الموقع بوست" على الرغم من محاولاتنا المتكررة من الحصول على معلومات كافية عن حقيقة هذا المستثمر السوري، وتاريخ دخوله اليمن، ونوعية النشاط الاستثماري الذي يمارسه، وكل ما حصلنا عليه من معلومات تنحصر فقط بقيامه برفقة نجله حاتم، وبمساعدة أحد المشائخ النافذين بالسطو والنهب لأراضي أبناء تهامة، وتمكن من نهب 620معاداً من أراضي المواطنين في قرية محل إدريس التابعة لمديرية المنيرة شمال مدينة الحديدة.
ووفقا لما قاله "عبدالله المسعودي" أحد أبناء القرية لـ"الموقع بوست" فقد نهب الشيخ "محمد القحم" بنهب ما يزيد عن 600 معاد من أراضي أبناء القرية بقوة السلاح، وبيعها للمستثمر السوري "عبدالعزيز اليوسف"، وحين خرج أبناء القرية للدفاع عن أرضهم التي ورثوها عن أباءهم من مئات السنين، استقدم الشيخ "القحم" بمعية المستثمر السوري مسلحين تابعين لإدارة أمن مديرية المنيرة، وقاموا بملاحقة المواطنين والزج بهم في السجن.
يؤكد المسعودي أن الأستاذ بالغيث علي ديري، والمواطن سليمان ديري، وعلي جُبح، ومحمد عبدالله ديري، من أبناء قرية محل ادريس ما يزالوا معتقلين حتى اعداد هذه المادة، لرفضهم أوامر الشيخ محمد القحم، بالتنازل على أراضيهم وبيعها للمستثمر السوري عبدالعزيز اليوسف، الذي يحظى بحماية مسلحين الشيخ "عبدالله الغادر"، أحد مشرفي جماعة الحوثي، والمتهم بالتورط في نهب الأراضي في المديريات الشمالية لمدينة الحديدة.
يد تنهب ويد تبني
في الثالث من سبتمبر/أيلول الماضي أعلنت جماعة الحوثي عن تدشين ما وصفته بمشروع استصلاح الأراضي الزراعية التابعة للأوقاف في تهامة، وقالت في خبر نشرته وكالة سبأ التابعة لها أن مكتبا هيئتي الأوقاف والزكاة في محافظة الحديدة بالتنسيق مع وزارة الزراعة والري واللجنة الزراعية والسمكية العليا، وتحت شعار "يد تحمي ويد تبني" دشنت استصلاح 270معاداً في عزلة العولة التابعة لمديرية اللحية، شمال محافظة الحديدة، كمرحلة أولى، ما يعني أن عملية ما تطلق عليه جماعة الحوثي عملية استصلاح أراضي الاوقاف سيشمل كل مديريات تهامة.
الخبر الذي تحدث عن أهمية المشروع في النهوض بالقطاع الزراعي، وتحقيق الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الغذائية في ظل ما وصفه استمرار العدوان لم يوضح الألية التي وضعتها جماعة الحوثي، ولا الجهة القائمة على تنفيذ مشروع النهضة الزراعية، غير أن مصدر مطلع في مكتب أراضي وعقارات الدولة - طلب عدم الكشف عن اسمه حفاظا على حياته - أوضح للموقع بوست أن جماعة الحوثي تستند في تعاملها مع أراضي أبناء تهامة الى وثائق تاريخية من عهد الدولة المتوكلية تصنف كل أراضي تهامة أراضي أوقاف خاصة بالدولة المتوكلية.
وبحسب المصدر "فإن جماعة الحوثي تعتبر أي تصرف أعقب ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962 تصرف غير قانوني، ويعد بمثابة اعتداء ومنح أملاك لمن لا يستحق وما تقوم به الآن هو استعادت حق مسلوب منها".
مطالب لا تموت
وقفات احتجاجية عديدة نفذها أبناء تهامة للمطالبة بنصرتهم، ووضع حد للجرائم التي تمارس بحقهم، ونهب أراضيهم، لكنها على الرغم من خطورة القضية وبشاعة الجريمة التي شردت مئات الأسر، ورمت بهم الى منافي النزوح البائسة، وحرمتهم من خيرات أرضهم التي توارثوها عن أباءهم وأجدادهم منذ عقود طويلة لم تجد أي استجابة فعلية.
مناشدات أبناء تهامة واستغاثتاهم الموجهة للمنظمات الدولية، والمبعوث الأممي، ومنظمات حقوق الانسان لم تتوقف دون أن تلقى تفاعلاً يرقى الى حجم المأساة الإنسانية، وحملة التهجير الجماعي التي يتعرض لها التهاميون، أمام مرأى ومسمع كل من يتبجحون بالحرية والعدالة وحقوق الانسان.
يؤكد التهاميون أنهم تعرضوا للخذلان من الجميع، وفي مقدمتهم المجلس الرئاسي الذي طالبوه بالانسحاب من اتفاق ستوكهولم محملين التحالف العربي والأمم المتحدة المسئولية الاخلاقية والقانونية أمام القانون الدولي الإنساني، مناشدين الناشطين الحقوقيين وكل صاحب ضمير لمساندة قضية أبناء تهامة وايصال صوتهم المكلوم للعالم.
ملاحظة المحرر:
سعينا للتواصل مع قيادات في جماعة الحوثي للتعليق على ما ورد في هذه المادة، لكننا لم نتمكن من ذلك.