[ فساد المنح الدراسية بالخارج ]
فساد المنح الدراسية، واحدة من أكبر مظاهر الفساد، التي تشهدها الحكومة اليمنية، في زمن الحرب، وزراء ووكلاء وزارات وسفراء ومدراء عموم، وقيادات احزاب، يتقاسمون المنح الدراسية في وفي مختلف الجامعات لهم ولأولادهم ولأقربائهم والمحسوبين عليهم.
تسريبات كشفت مؤخرا، عن تصدر مسؤولين رفيعي المستوى، ونافذين في الحكومة الشرعية، وقيادات حزبية، قوائم المنح الدراسية المعتمدة للطلاب اليمنيين في الخارج، مما ادى الا موجة غضب عارمة عبر وتصدرت مواقع التواصل الاجتماعي، والمحطات التلفزيونية .
وبلغ عدد المنح المعتمدة لدى وزارة التعليم العالي، والبحث العلمي، وفق الكشوفات ما يقارب 5 ألاف مبتعث في الدراسات الجامعية، والعليا، اغلبها تتوزع بالوساطة والمحسوبية والقرابة.
وتظهر قوائم التقرير أسماء أبناء المسئولين وأقاربهم الذين استولوا دون وجه حق على مناصب هامة في السلك الدبلوماسي خلال السنوات الماضية.
وبحسب التقرير الذي يتحدث عن الملحقيات الفنية فقط، فإن الأسماء المعينة منذ العام 2015 وحتى اليوم غير مستحقة وهي أبناء مسئولين أو أقارب لهم.
وأوضح أن السفارات اليمنية هي الأكبر عددا من حيث الموظفين بكافة المناصب وبتعدد كبير لذات المنصب وبعض المناصب دونما أي مهام.
ولفت إلى أن ميزانية الدولة تتحمل مالا يقل عن 5 مليون دولار صرفيات رواتب لهذه القائمة من الأشخاص والذين تم تعيينهم وبصورة مخالفة للقانون.
يوكد مراقبون، ان ملف الفساد في وزارة التعليم العالي المتعلق بفساد المنح، الذي ظهر من خلال توزيع المنح الجامعية، وفساد الملحقيات، والبعثات الدبلوماسية هو جزء من فساد اوسع تشكل في مؤسسات الشرعية، اثناء فترة الحرب، واكتسب طابعا سياسيا، تحول معه إلى شكل أخر من اشكال المحاصصة الحزبية، بين المكونات ومراكز القوى في معسكر الشرعية.
غياب الرقابة
الصحفي رئيس لجنة التدريب والتأهيل لدى نقابة الصحفيين اليمنيين نبيل الاسيدي يقول إن "ظاهرة فساد المنح الدراسية، تحمل دلالات كثيرة، على رأسها غياب الاجهزة الرقابية، في المتابعة، والرقابة على أجهزة الدولة، جعل الجميع يمارس الفساد وبشكل اكبر ودون وازع، أضف إلى ذلك أن الدولة، والحكومة تحولت أيضا إلى شبكة عائلية ومنافع وتبادل المصالح الخاصة بين القيادات".
واعتبر ذلك دلالة واضحة على هشاشة الدولة وغياب تام لمفاهيم الدولة والمواطنة وللأحقية في الوظيفة العامة، وفي الحقوق الخاصة بالمواطنين، وهي دلالة أيضا على أن الحرب افسدت الكثير من القيم السياسية والدستورية والمهنية والقانونية، ووصول الدولة إلى حالة فوضى، وهناك عبث شديد داخل الوزارات، وهو دليل واضح على ان الاجهزة الرقابية للدولة، معطلة كالقضاء، والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة وغيرها من الاجهزة الرقابية، مما جعل المسؤولين يتمادون في فسادهم، ومن أمن العقاب أساء الادب"، حد قوله.
وفي تصريح لـ "الموقع بوست" أضاف الأسيدي "أعتقد أن قيادات الشرعية، سواء كانت السابقة، أو الحالية تعاملت مع الدولة، كـ فيد وأشبه بملكية خاصة، لا توجد رقابة محلية، أو خارجية فالمسؤولين تعاملوا مع الدولة كأفراد عصابة، وكما يبدوا لي انهم يفكرون أنها مرحلتهم الاخيرة في السياسة وبالتالي قاموا بنهب ما تم نهبه.
وتابع "حلقة المنح ما هي إلا جزء بسيط من الفساد المستشري داخل اجهزة الدولة، هناك ايضا عبث في الوظيفة العامة، وهناك عبث في الوظيفة الديبلوماسية، وهناك ايضا عبث في الجهاز العسكري، والامني وهناك شبكة من الفساد، بشكل مخيف، وما ضهر ليس الا النزر اليسير.
الصحافي والباحث فهد سلطان اعتبر فساد المنح انعكاس للواقع الهش الذي يعيشه البلد في كافة القطاعات، وفي تصريح لـ "الموقع بوست" يقول فهد: فساد المنح هي تعكس الوضع الذي وصلت إليه الحكومة الشرعية، وهذا الفساد هو تراكم سنين طويلة، وكان هناك تواطئ كبير وصل إلى أعلى الهرم.
وأضاف "هذا الملف هو جبل الثلج فقط وهناك فساد في جميع القطاعات والوضع الذي وصلت إليه الشرعية انسحب على كل شيء مع الأسف".
الكاتب والناشط عبد الرحمن البيضاني بدوره اعتبر فساد المنح بانه جزء بسيط من فساد متجذر ينخر الحكومة الشرعية وما ظهر على السطح مؤخرا فيما يتعلق بفساد المنح، ما هو الا الجزء البسط فهناك فساد السلك الدبلوماسي، والخارجية، اكثر من التعليم العالي، بمرات ولازلنا ننتظر الأوراق، والفضائح الكارثية.
وفي تصريح لـ "الموقع بوست" يقول البيضاني: فساد المنح أعتقد انه، أخذ أكبر من حجمه، كونه لا يمثل حتى 1 بالمئة من الفساد الحاصل ببقية الوزارات، الإرادية، لكن عندما يختلف اللصوص تفوح رائحة فسادهم، وبدأوا بفضح بعضهم البعض.
وتابع "يوجد فساد وعبث في بقية القطاعات ما يشيب له الرأس، وأجزم أن المبالغ التي تنهب هناك شهريا، أكثر بكثير من المبلغ السنوي المخصصة للابتعاث، وسيأتي اليوم الذي يختلف فيه هوامير ولصوص تلك الوزارات، وتفوح رائحة فسادهم، كما فاحت رائحة المنح".
فساد مركب
الكاتب الاسيدي كشف عن وجود فساد مركب يتعلق بالمنح ابتداء بالرئاسة ومرورا برئاسة الوزراء و بوزارة الخارجية وانتهاء بإدارة البعثات وبان الفساد في هذا الموضوع لم يعد يختزل منح سرقة المنح أو الاستحواذ عليها من قبل المسؤولين، بل هناك فساد في جوانب مرتبطة بعملية الابتعاث نفسها منها ابتعاث طلاب للدراسة في تخصصات يفترض انها محلية كالمنح المتعلقة بدراسة اللغة العربية، أو الدراسات الاسلامية، ومنها أيضا فساد مالي، فالأموال التي تهدر في المنح، يجب توظيفها في تطوير وتجويد التعليم، داخل البلد، من خلال خلق مراكز ابحاث وبناء المكتبات وغيرها.
وافقه في ذلك السفير في وزارة الخارجية "علي الديلمي" الذي اعتبر أن ما يحصل في مسألة الابتعاث، او المنح، لا يختلف كثيرا، عما يدور في المكاتب الادارية، والوزارات الاخرى، ذات الصلة، فهناك شبكة فساد متجذرة، وهناك تخادم بين الاطراف الداخلة، في تشكيل تلك الخلية من الفساد.
وفي مقالة تلفزيونية اضاف الديلمي: ما يحصل من فساد في مؤسسات الدولة، هو انعكاس لطبيعة الاوضاع في البلاد، فـ وزارة الخارجية مثلا أصبحت اداة بيد اشخاص، وتم استبدال الوضع القانوني للوزارة بوضع جديد، وهو الوضع الذي نراه اليوم، من فرض الصلاحية المطلقة، لبعض الاشخاص، واستخدام الوزارة للإرضاء والمحاباة والمحسوبية، والذي غاب عنها العمل المؤسسي، والعمل القانوني وظهور خلية تمارس فساد مركب ومتعدد الاوجه.
وظيفة مبكرة
أستاذ الإعلام السياسي بجامعة حضرموت "وجدي باوزير" اعتبر المنح الدراسية أنها أصبحت وظيفة مبكرة لأولاد المسؤولين.
في حديث لـ "الموقع بوست" أوضح باوزير أن هناك طلاب من ابناء المسؤولين ممن انتهت فترة دراستهم، المحددة بالقانون ب 4 سنوات، وما زالوا خارج البلد ويتقاضون اموال من الحكومة، فأصبح الابتعاث بالنسبة لهم مكسب ودخل ومغنم للمسؤولين.
وأضاف : الرئاسة والحكومة لها ارتباط بهذا الفساد حيث سبق وان كانت على دراية لكل ما يجدث حيث سبق وان وان وجهت العام الماضي من خلال تشكيلها للجنة بهذا الخصوص لمعالجة هذه المشكلة وبإلغاء التجديد لمن انتهت فترة ابتعاثه، والغاء الملحقيات العبثية، المستحدثة، لكن يبدوا انه لا يوجد أي مؤشرات لاتخاذ أي اجراءات عملية، لإيقاف هذا العبث ـ حسب تعبيره .
وأشار: لا توجد معايير واضحة لاختيار المبتعثين وهذا الموضوع تسيطر عليه المحسوبية والمجاملات والوساطات وهناك اوائل جمهورية طرقوا ابواب الوزارة في عدن لم يلقوا أي استجابة.
وتابع: لا يمكن ان نبني دولة، في ظل هذا الفساد، وهذا العبث وهذه القضية لابد لها من وقفة، لمحاسبة كل المتورطين فيها، ولا بدمن الجلوس على الطاولة لمعرفة الأسباب والمتسببين.
مدير البعثات والمنح الدراسية السابق "سالم صالح الظاهري" بدوره كشف عن جوانب الفساد، والعبث المستشري في ادارة البعثات، حيث قال في وتصريح لـ "الموقع بوست": نحن في ادارة البعثات كانت تأتينا كشوفات، جاهزة من مسؤولين كبار في الحكومة، تضم هذه الكشوفات عشرات الاشخاص، من خارج الكشوفات الموجودة لدينا في ادارة البعثات، ولا تجرى عليهم أي مفاضلة، ولا يخضعون لأي معايير لاعتمادهم، نحن ناشدنا الحكومة والجهات الحكومية ذات العلاقة، ونحن لم يكن لدينا أي صلاحيات للاعتراض، كون التوجيهات من قيادات عليا في البلاد.
وأضاف: في الربع الرابع من العام السابق، مثلا قدم لنا كشوفات من مسؤولين في الحكومة ، يضم اكثر من 150 شخص لاعتمادهم، وهو ما اعترضنا عليه، ونددنا ورفعنا باحتجاج الى رئاسة الحكومة وغيرها، وقلنا هذا فساد ولا يجوز لكن دون جدوى.