وسط دوي المدافع وازيز الرصاص ولد الطفل أحمد مصطفى بقلبٍ مثقوب، جعل والديه يتألمون لألمه ويتحسرون بسبب أوضاعهم الاقتصادية المزرية التي جعلتهم مكتوفي الأيادي، لا يستطيعون تخفيف الألم عن فلذة كبدهم، يرفعون أياديهم إلى السماء وأعينهم غارقة بالدموع، لعل الله يخفف عن طفلهم الألم.
الطفل البالغ من العمر خمس سنوات من أبناء منطقة شرعب محافظة تعز خُلق بعيب خُلقي في القلب فهو يعاني من ثقب بين البطينين ويسبب هذا الثقب عرقلة في التنفس ويجد صعوبة بالغة في الشهيق والزفير وفي بعض الأحيان يفقد وعيه.
يقول مصطفى الحسامي والد الطفل في حديثه لـ "الموقع بوست" اكتشفت حالة أحمد عندما كان يبلغ من العمر عشرين يوم حين ذهبت لإجراء له عملية الختان ظهرت عليه أعراض ومضاعفات شديدة، ظننتُ بأني سوف أفقد طفلي الوحيد من شدة التشنجات وصعوبة التنفس عنده.
ويضيف بصوت متقطع والدموع تملأ عيناه "عرضت حالته على دكتور أطفال من أجل معرفة سبب تلك التشنجات وتقطع أنفاسه، حينها أخبرني الطبيب بأنه يعاني من ثقب في القلب وبسبب بنيتهُ الهزيلة والضعيفة لن نستطع إجراء له العملية إلا عندما يبلغ من العمر سنة".
وأردف قائلاً :" في معظم الأيام الباردة يفقد وعيه ويصاب بتشنجات في الجهاز التنفسي، وأخبرني الطبيب عندما يفقد وعيه بأن نقوم بعمل كمادات بارده وندلكها على جبهته من أجل أن يفيق من تلك النوبات التي يتعرض لها".
تكاليف باهظة
بعد مرور العام الأول وهو يعيش تحت رحمة الأدوية، أستبشر الأب خيراً بأنه سيكون قادراً على إجراء العملية ظنا منه أن تكاليفها منخفضة وليس العكس، يقول : "عرضته على الطبيب حينها أخبرني بأن ولدي يحتاج إلى تدخل جراحي من أجل سد ذلك الثقب وأن العملية ستكلف 4 آلاف دولار أي ما يقارب أربعه مليون يمني، أصابني الحزن الشديد لعدم قدرتي على توفير تكاليف العملية".
أنفق والد الطفل كل ما يملك وحاول أن يستدين من أقاربه، إلا أنه لم يتمكن من علاج ولده، يضيف والد الطفل :"بعد أن اُغلقت الأبواب أمامي وانقطع الأمل، إلا أن إفتتاح مركز القلب في مستشفى الجمهوري بعث لي أملاً كبيراً في علاج ولدي، توجهت إلى المركز وعرضت حالته على الطبيب وأخبرني بأنه يحتاج إلى تدخل جراحي في أسرع وقت، وأن حالته قد تتفاقم مع مرور الوقت".
ويضيف "سرعان ما تلاشى ذلك الأمل حين اخبروني بأن تكاليف إجراء العملية ثلاثة آلاف دولار بعد الخصم والتخفيض اي ما يقارب ثلاثة مليون يمني حينها تقطعت بي السبل وأصبت بالإحباط".
الفقر يقف حاجزاً أمام العلاج
وبنبرة محروقة وبنظرة مكسورة يقول: "دخلي بسيط يكاد يكفي قوتنا اليومي ومدخرات ضئيلة أحاول جمعها عندما تسنح لي الفرصة من أجل شراء العلاج، وفي بعض الأحيان لا استطيع ادخار أي شيء وأكون غير قادر على شراء الأدوية له، حتى".
الطفل أحمد من الحالات التي تعاني من العيوب الخلقية الذي لم تجد فرصة لتلقي العلاج، وإجراء العملية بشكل سلس وميسر لأن مثل هذه الحالات لابد أن تجرى لهم العملية في السنوات الأولى، يقول الدكتور أحمد علي عبد العزيز استشاري جراحة القلب والأوعية الدموية في مركز القلب بمحافظة تعز : "إن الطفل يعاني من ثقب في البطينين، ومشكلة الفتحة بين البطينين تؤثر على الضغط الرئوي، قد يصل الطفل في مرحلة من المراحل بأنه تكون العملية غير متاحة طبياً بسبب حالة المريض نفسه".
التشوهات الخلقية اكثر انتشاراً
يقول الدكتور أمين الحذيفي أخصائي أطفال في المستشفى السويدي: "تعتبر تشوهات القلب الخلقية النوع الأكثر انتشاراً من التشوهات الخلقية، ومع تطور الرعاية الطبية والعلاجات، أصبح بإمكان الأطفال الذين يولدون بتشوهات خلقية في القلب العيش لمدة أطول وبصحة أفضل".
في حديثه لـ "الموقع بوست" يوضح الحذيفي أن "تشوه القلب الخلقي يكون نتيجة مشكلة في بنية القلب، ويكون هذا التشوه موجوداً مند الولادة. يمكن أن تشمل التشوهات جدران القلب، وصمامات القلب، والشرايين والأوردة بالقرب من القلب ويمكن لهذه التشوهات تعطيل التدفق الطبيعي للدم عبر القلب، حيث يمكن أن يتباطأ تدفق الدم أو يجري في الاتجاه الخاطئ أو في المكان الخاطئ، أو قد يكون مسدوداً تماماً".
يشير "الى أنها تتراوح تشوهات القلب الخلقية من تشوهات بسيطة (مثل وجود فتحة صغيرة في القلب) إلى شديدة (مثل أجزاء مفقودة أو سيئة التكوين)، ويعاني واحد من بين كل أربعة أطفال ممن يولدون بتشوه خلقي في القلب من تشوه خلقي حرج ويحتاج هؤلاء الأطفال إلى إجراء عملية جراحية خلال السنة الأولى من حياتهم".
للوراثة والبيئة دوراً بالإصابة
تقول الدكتورة سيناء قاسم أخصائية أمراض نساء والولادة :"بأنه يولد الطفل بتشوه خلقي في القلب نتيجة لتكوين غير طبيعي للقلب أثناء النمو في الرحم ، فإنه لا يوجد سبب محدد و معروف".
وتضيف :"يمكن ربط بعض أنواع تشوهات القلب الخلقية بخلل في عدد الكروموسومات في خلايا الطفل، أو بخلل في جين معين، بسبب العوامل الوراثية، أو قد تكون التشوهات مرتبطة بعوامل بيئية وفي معظم الحالات، لا يوجد سبب واضح ومحدد يمكن ربطه بحدوث التشوه، وغالباً ما يعتقد أن سببه مجموعة من العوامل مجتمعة وغالباً ما تكون هذه العوامل جينية وبيئية".
وعن الأسباب المرتبطة بالأم تقول الدكتورة سيناء :"تحدث بعض أنواع تشوهات القلب الخلقية نتيجة لتعرض الأم لبعض أنواع المواد في الأسابيع الأولى من الحمل، وهذا هو الوقت الذي ينمو فيه قلب الطفل كما أن بعض الأمراض التي قد تصاب بها الأم أو الأدوية التي تتناولها لعلاج هذه الأمراض يمكن أن تؤثر على نمو قلب الجنين.
يعد مرض القلب من اخطر الأمراض الفتاكة التي تؤدي بحياة الاشخاص بشكل مفاجئ وبسبب نقص الوعي بخطورة هذا المرض وماهي المسببات له تشير التقارير الصادرة من منظمة الصحة العالمية أن معدل الوفيات السنوي بأمراض القلب تبلغ حوالي 3 ملايين و300> الف حالة وفاة منها 80% في الدول النامية
الحرب كفيلة بجلب أخطر الأمراض
"الحرب أهلكتني وجعلت مني كومة من الأمراض".. هكذا قال المهندس نبيل سلام بحرقة والدموع تنسال من خديه، المهندس نبيل ذو الخمسة عقود أصيب بمرض القلب مؤخراً، ويرجع سبب إصابته بالمرض إلى الأوضاع الاقتصادية المزرية التي واجهها.
يقول المهندس نبيل في تصريح لـ "الموقع بوست": "بدأت تظهر آثار المرض عليّ في مايو 2021، بداية الأمر كنت أشعر بكتمة وضيق بالتنفس، وفي بعض الأحيان كنت أدخل في غيبوبة لا أعلم ما الذي كان يصيبني، قلقت كثيراً من هذه النوبات التي لا أعلم سببها".
تشخيص خاطئ
اللغط في تشخيص المرض قد يسبب في تفاقم حالة المرضى يقول نبيل:" توجهت إلى الطبيب الأول فاخبرني بأنني مصاب بمرض المعدة، هي التي تسبب لي كل هذا أعطاني بعض الأدوية، ولكنني لم أستفد منها شيء وكانت حالتي تتفاقم كل ليلة أكثر من سابقتها".
ويتابع حديثi: "عندما شعرت بحالتي تزداد سوء يوماً بعد يوم، بحثت عن طبيب آخر من أجل تشخيص حالتي، أخبرني الطبيب بأني مصاب بمرض القلب وأمرني بالتوجه إلى مركز القلب في مستشفى الجمهوري، توجهت إلى هناك وكان الألم منتشر في كل انحاء صدري، ويمتد إلى ظهري، كنت أشاهد الموت في كل لحظة".
ويضيف :"عندما تم نقلي إلى مركز القلب قاموا بتشخيص حالتي، وكان عندي انسداد في الشرايين وصمامات القلب، قررت لي عملية من أجل فتح الانسدادات وكانت بشكل مستعجل، كنت لا أمتلك المبلغ من أجل إجراء العملية".
ويوضح بأن ثمن إجراء العملية كبير جداً حيث أنها وصلت إلى أكثر من ثمانية مليون لقد تعانوا معي رجال الخير وأيضاً شركة هائل سعيد، لأنني كنت موظف معهم فتكفلوا بجزء من المبلغ وابن عمي تكفل ببقية المبلغ".
القهر كاد يؤدي بحياته
تتعدد الأسباب التي تؤدي إلى إصابة الأشخاص بمرض القلب يقول نبيل: "السبب الرئيسي هو الأوضاع المعيشية التي مررت بها، وقسوة الحياة عليّ لأنني ذو طبيعة حساسة، وتعرضت أيضا إلى القهر والظلم من قبل أحد المسلحين تقطع أثناء عودتي إلى منزلي، وأخذ مني المال وضربني وهددني بالسلاح، دون أن أعرف من هو أو ماذا فعلت به، أيضا القهر الذي كان يواجهني عندما أشاهد أناس يتعرضون للظلم أمام عيني ولا أستطيع أن اتكلم عن هذا الظلم بسبب غياب الأمن، كل هذه كانت سبب في معاناتي وإصابتي بالمرض".
ويواصل حديثه :"تهديد مالك المنزل الذي أقطن فيه بإخراجي من منزله، إذ لم أوافق على رفع الإيجار، هذا الشيء سبب لي ضغط نفسي كبير، عندما رفضت زيادة الإيجار، قدم شكوى إلى المحكمة وما تزال القضية قائمة حتى اللحظة".
للحرب والظروف الاقتصادية والضغوطات النفسية دوراً كبيراً في ارتفاع نسبة أمراض القلب، يقول الطبيب أبو ذر الجندي مدير مركز القلب في مستشفى الجمهوري: "نحن لا نستطيع أن نقول بأن أعداد المصابين بأمراض القلب زادت أثناء فترة الحرب من الناحية العلمية، بسبب عدم وجود إحصائية رسمية بعدد المرضى المصابين قبل وبعد الحرب، أما من الناحية الاحتمالية فإن الحرب سببت الكثير من الضغوطات النفسية، والتوتر والقلق فهذه العوامل تزيد من احتمالية تعرض كبار السن للجلطات والنوبات القلبية".
صعوبات تواجه مرضى القلب
في حديثه لـ"الموقع بوست" يقول أبو ذر : إن "جميع الصعوبات التي تواجههم تتمثل في تكاليف العلاج وتكاليف إجراء العمليات، فهم بحاجة إلى تعيين ميزانية داعمة مستمرة للمرضى، لأن المريض ما زال يساهم في العلاج ونحن نتمنى بأن يكون المريض لا يساهم بأي مبلغ".
ولفت :"نحن استطعنا أن نقوم بتخفيض سعر العمليات مقارنة ببقية المحافظات مثلاً في صنعاء يصل مبلغ العملية إلى ثمانية الف دولار بينما هنا تصل إلى ثلاثة الف دولار". مبيناً :" بأن الحالات التي لا تستطيع عمل العمليات نقوم برفع تقارير لها إلى جمعية هائل سعيد و هي تقوم بالتكفل بنصف المبلغ، وأيضا نقوم بتقديم ملفاتهم إلى أهل الخير والمنظمات إلى أن نجد داعم يساندهم".
وعن مصير أمراض القلب يقول: "مصيرهم هو العلاج بإذن الله نحن سوف نبذل قصار جهدنا وسوف نسخر كل طاقتنا من أجل علاجهم و لن نبخل عليهم بشيء في متناولنا، ونأمل من الدولة أن تخصص ميزانية من أجل هؤلاء المرضى، ومعاملتهم مثل مرضى السرطان".
خدمات وتطلعات المركز
يقول أبو ذر :"نقوم بإجراء عمليات القلب المفتوح كاملة وفي المستقبل سوف نقوم بعمليه زراعة الكلى، والقسطرة كدعامات تشخيصيه حين وصولها، ستأتي خلال الثلاثة الأشهر القادمة كدعم مقدم من جمعية قطر الخيرية".
وبشأن عدد العمليات التي أجرها المركز منذ افتتاحه وكم نسبة الشفاء في هذه العمليات التي أجريت يقول: "200عملية قلب مفتوح، 400 للأوعية الدموية عملية زراعة شرايين وصمام ، منها 200 عملية قلب مفتوح وصمامات للأطفال ، 95% من هذه العمليات كانت ناجحة و تمثلت بالشفاء رغم الإمكانات الضئيلة لدينا و سنجعل من هذا المركز كوحدة احصائية لمرضى القلب".
أما من ناحية الصعوبات التي تواجه المركز يقول: "من حيث العلاج نحتاج إلى فريق محلي متكامل، ونحتاج إلى عودة الكادر الطبي إلى أرض الوطن، حيث أننا نفتقر الكادر المتخصص وما يزال فريق التخدير الخاص بنا هو فريق أجنبى، أيضا نحتاج إلى توفير الأجهزة المتكاملة لنا من أجل أن نستطيع إجراء جميع العمليات الخاصة بأمراض القلب ومن أجل أن لا يضطر أي أحد للسفر إلى الخارج من أجل العلاج".