[ أزمة الغذاء في اليمن تتفاقم مع صعوبة تحمّل تكاليف واردات القمح ]
"بدون اتخاذ اجراءات عاجلة فإن التطورات الأخيرة في المشهد العالمي ستدفع أزمة الأمن الغذائي المستمرة في اليمن إلى نقطة اللا عودة".. هذا ما ذكرته مجموعة شركات هايل سعيد أنعم أكبر مستورد للقمح في اليمن في أخر بيان صادر عنها.
تحذيرات متزايدة من حدوث ازمة وشيكه تمس الأمن الغذائي اليمني الذي ويصل إلى حد وصفها بالمجاعة الناجمة عن ارتفاع في أسعار القمح العالمية والاضطراب الكبير للإمدادات والتناقص السريع للمخزون بجميع انحاء البلاد.
مجموعه هائل سعيد أنعم أرجعت السبب إلى الصراع في أوكرانيا وحظر تصدير القمح الهندي، مما قد يلقي بظلاله على الوضع في البلاد المتضررة اصلا من انقلاب الحوثيين واستمرار الحر ب منذ سنوات وما خلفه من ازمة إنسانية وصفت بالأسوأ على مستوى العالم.
ووفقا للبيان فإن "الصراع في أوكرانيا تسبب في حدوث صدمة هائلة عبر أسواق السلع العالمية وأبرزها التأثيرات من امدادات القمح، حيث وصلت أسعار القمح العالمية مؤخرا إلى أعلى مستور لها منذ 14 عاما الامر الذي كان له بالفعل عواقب خطيرة على الموردين في جميع انحاء العالم".
وتستورد اليمن من روسيا وأوكرانيا ما يقارب 33% من اجمالي القمح المستورد من الخارج علما بان نسبه الانتاج المحلي لا تتجاوز 10% وفق احصاءات رسميه.
تداعيات الازمة
المحلل الاقتصادي محمد الجماعي، لا يرى في الحرب الروسية الأوكرانية والقرار الهندي بحظر تصدير القمح السبب الرئيسي للازمه ارجع السبب الرئيسي في الأزمة إلى العوامل الداخلية الدائرة في البلاد
وقال الجماعي لـ "الموقع بوست "بالنسبة لأزمه القمح في اليمن هي ليست ناشئة بسبب القرار الهندي يحظر تصدير القمح ، ولا بسبب الحرب الروسية الأوكرانية فحسيب؛ بل الازمة وليده الحرب الداخلية أولا وضعف الأداء الحكومي ثانيا وحرب الخدمات التي تشنها المليشيا الحوثية ثالثا ورابعا وخامسا .. الخ"
وأضاف الجماعي "مصر، العراق، ليبيا، وربع دول العالم تعيش حالة قلق شديد بسبب تعرضها فعلا لخطر النقص الحاد في امدادات الغذاء وعلى راسها القمح، غير ان الضرر الذي سيلحق باليمن هو من جراء الزيادة التي ستتسبب بها الهند اذا رفعت اسعار القمح وانعكس ذلك على الاسعار العالمية وتشمل اليمن بعد ذلك".
وتابع "تستورد اليمن القمح بنسيه 97% من عدة مناشئ تصدير حول العالم (روسيا، اكرانيا، أمريكا، إستراليان ودول أخرى _ ليس من بينها الهند حاليا) المادة وأن واجهت تساهلا وفسادا حكوميا منذ البداية، حيث لا تزرع هذه المادة في اليمن إلا بنسبة ضئيلة جدا إلى جانب الذرة وبعض الحبوب".
ولفت إلى أن تحذير مجموعة هايل سعيد أنعم مؤخرا قرع ناقوس الخطر مبكرا وهو ما قد يدفع الحكومة إلى اتخاذ تدابير مبكرة ازاء هذه الأزمة التي تعد واحدة من عشرات الأزمات التي تمر بها البلاد جراء الحرب، وشلل الاجراءات التمويلية التي يعاني منها موردوا القمح اليمنيون وعلى رأسهم مجموعة هائل سعيد أنعم التي تساهم بأكثر من مجموعة ما تستوره اليمن في العام والذي يتراوح ما بين 3.7_4مليون طن سنويا".
الباحث والمحلل الاقتصادي، فارس النجار، تطرق أيضا الى دور العوامل الداخلية التي تضاعف الازمة في اليمن حيث قال في حديث لـ الموقع بوست " هناك عوامل داخلية تضاعف المشكلة في اليمن تتمثل في: حجم الانتاج، الحرب الدائرة في البلاد، ارتفاع اسعار المشتقات النفطية التي عرضت الكثير من الاراضي الزراعية للمشاكل، وضعف القدرة الشرائية، تدني أو انقطاع الاجور، وبالتالي أي زياده وان كانت طفيفة في اسعار المواد الغذائية فان المواطن البسيط اصبح ينظر لها بانها عائق يقسم ظهره".
وأضاف "العوامل الداخلية والاضطرابات السياسية والوضع الاقتصادي الهش هو بحد ذاته يشكل كارثه امام المجتمع".
وعن دور الحرب الروسية الاكرانية في الأزمة يقول النجار "بسبب الحرب الأكرانية الروسية فقدت بعض الدول ومنها اليمن منطقه أساسية لاستيراد القمح الذي يتميز بانه ذو نوعيه ممتازة وأسعار جيده تتناسب مع وضع الشارع اليمني خاصه في ظل ظروف الحرب وظروف الازمة الحالية في البلاد".
وأضاف "قد تكون هناك بدائل للاستيراد لكنها قد تكون ذو أسعار اعلى من سعر القمح الذي يحصل عليه من روسيا واوكرانيا، فالقمح الهندي مثلا جيد ولكنه ليس بجوده القمح الاكراني والروسي وسعره أعلى منه"
وكانت الهند مؤخرا قد أصدرت قرارا بقضي بتوقف تصدير القمح للخارج وبعد مناشدات استثنت من هذا القرار اليمن وبعض الدول النامية.
الاجراءات والحلول
وفي الحديث عن الحلول يقول النجار "مسؤولية "أزمة القمح ليست مسؤولية القطاع الخاص فحسب، بل هي مسئولية مشتركة، يجب أن تلعب الحكومة دورا كبيرا بوضع حد لها، بالإضافة إلى القطاع الخاص، ومؤسسات التمويل الدولية".
وأضاف "من الحلول البحث عن بدائل للاستيراد من بلدان اخرى كالهند والبرازيل واستراليا وغيرها".
وعن دور الحكومة أكد النجار على ضرورة أن تقوم الحكومة بوضع الخطط الاستراتيجية ما من شانها زيادة الإنتاج المحلي بزياده الهكتارات التي تعمل على زراعه القمح، وتشجيع المزارعين، وأن تعمل على وتوفير النقد الاجنبي لرجال الاعمال لمساعدتهم على استيراد السلع الأساسية وعلى راسها القمح.
وأشار النجار إلى أن هناك اتفاقية وقعت بين مؤسسة الملك سلمان للأعمال الإغاثية والإنسانية ومنظمة الأغذية العالمية تهدف إلى دعم المزارعين في اليمن وتوسيع رقعة زراعة القمح، وهناك أكثر من 31 الف أسرة ستستفيد من هذا المشروع، وهناك توجه حكومي لزيادة عدد الهكتارات التي يمكن بناءها لزياده انتاج القمح.
وتابع "اليوم نتيجة ارتفاع الاسعار هناك طلبات زادت عن النقد الاجنبي وبالتالي هناك الان مشروع لتوجه نحو عمل خطة تمويل تشترك فيه المنظمات المانحة والقطاع الخاص والحكومة اليمنية تهدف أيضا الى مساعده رجال الاعمال للتمويل الازم للنقد الاجنبي الذي يساعدهم على استيراد السلع الأساسية وعلى راسها القمح".
وعن دور مجلس القيادة الرئاسي في الأزمة يقول النجار "كان لمشاورات الرياض الفريق الاقتصادي المنبثق منها والمكون من 14 عضوا الذي أكد بدرجة أساسية أن من أهم أولوياته: تعزيز الأمن الغذائي وتحسين مستوى العملة الوطنية، وتعزيز مستوى الشفافية والنزاهة، وتحسين مستوى الخدمات العامة، والآن يجب أن يرى الشعب كل ذلك على أرض الواقع".
محمد الجماعي بدوره يقول "إن تراجع الهند عن قرار حظر تصدير القمح باستثناء اليمن وعدد من دول شرق آسيا خطوة أولى يجب أن تتبعها خطوات أخرى على رأسها ما ورد من مطالب في بيان المجموعة التجارية الأكبر في اليمن، والتي لا تعد عن كونها تسهيلات فقط وتيسير لعمليات التمويل وتسريع اجراءاتها ، وانشاء صندوق خاص لذلك، وغيرها من المطالب التي ذكرها البيان"
وأشار الجماعي إلى ضرورة أن تقوم الحكومة بدورها في الرقابة على عمل المنظمات الأممية والمؤتمرات المانحة بخصوص المساعدات والمنح التي تقدم لليمن بهذا الشأن، حيث قال "يجب على الحكومة ان تضع في اهتمامها من حيث الرقابة على عمل هذه الاجهزة حتى لا تذهب اصواتنا او اصوات الموردين لصالح منظمات الامم المتحدة المستفيد الاول من خطورة الوضع الغذائي والدوائي ولإيوائي في اليمن وهو ما تترجمه عاده المؤتمرات المتتالية للمانحين والتي تذهب نتائجها بالمليارات الى جيوب المنظمات الدولية ومشاريعها التي تذهب بالريع الأكبر لصالح مليشيا الحوثي وما يترتب على ذلك من بيع تلك المواد في الأسواق السوداء!"
عواقب خيمة
وتابع "هنا يمكن أن نتحدث عن كارثتين: أحداهما نقص امدادات الحبوب وثانيهما إغراق السوق اليمنية عبر أدوات الإغاثة والحوثيين بالمواد الغذائية الأممية التي قد تكون اما فاسدة او محطمة لتجار الغذاء اليمنيين".
وقال وكيل وزارة الزراعة والري واستصلاح الاراضي أحمد الزامكي في مقابلة تلفزيونية "إن الوزارة في الفترة الأخيرة قامت بإعداد وثائق مهمة متعلقة بالأمن الغذائي عرضت في مشاورات الرياض".
وأضاف الزامكي "تم إنشاء لجان تخصصية في مجال الامن الغذائي لمناقشة مثل هذا الوضع وامكانية تدخل الجانب الحكومي في ما يخص بالإنتاج المحلى".
وتابع "عكفت الوزارة مع كافة الجهات المرتبطة بها من قطاعات الوزارة المختلفة خلال الايام الماضية في كيفية تقليل الفجوة وزيادة الانتاج المحلى من القمح والحبوب الاخرى وخرجت بتوصيات أبرزها: التوسع في زيارة القمح بحوالي 150الف هكتار يهدف زيادة الانتاج، والاهتمام بالبحوث الزراعية، وتقديم الحوافز المشجعة على الاستثمار، ووضع الخطط للحد من التوسع في زراعة القات، وتوصيات اخرى في هذا الجانب" ـ حسب تعبيره.
وكانت روسيا قد أعلنت الحرب على أوكرانيا في 24فيراير الماضي لأهداف توسعية واقتصادية في تحد صارخ للقوانين والأعراف الدولية.
ويشهد اليمن منذ أكثر سبع سنوات حرباً طاحنة بين القوات الحكومية بدعم من السعودية، التي تدخلت في مارس 2015 بحجة إعادة الحكومة الشرعية، وبين جماعة الحوثي التي انقلبت على الحكومة في سبتمبر 2014.
وقد أدت هذه الحرب لمقتل ما يقارب 400 ألف شخص، وخلفت أسوأ أزمة إنسانية في العالم، بعد أن أصبح أكثر من 23 مليون شخص بحاجة للمساعدات الإنسانية منهم 16 مليون بحاجة لمساعدات غذائية ـ بحسب الأمم المتحدة .