[ يمنيون يحيون في تعز الذكرى السابعة لثورة نوفمبر (الأناضول) ]
كغيرها من ثورات الربيع العربي تمثل ثورة 11فبراير/شباط 2011 الشبابية الشعبية السلمية محطة تحول تاريخية مهمة في تاريخ الشعب اليمني وكفاحه المضني في تحقيق تطلعاته وبلوغ دولته المدنية الديمقراطية العصرية، وحقه في العيش الآمن الكريم تحت مظلة دولة جامعة، تتكافأ فيها الفرص للجميع دون تفاضل عشائري أو مناطقي او جهوي ودون احتكار للثروة والسلطة لحزب سياسي أو عائلة بعينها.
في الذكرى الحادية عشر لانطلاقتها وفي ظل هيمنة قوى الثورة المضادة المدعومة من قوى خارجية على المشهد السياسي اليمني بقوة السلاح والذي ما فتئت أبواقها الإعلامية تحمل تلك الثورة الحضارية السلمية كل المآلات الكارثية المدمرة التي تمزق اليمن، يحتفل شباب الثورة بحماس وإصرار فشلت كل المؤامرات في النيل من ثقته بعدالة تلك الثورة ومشروعية مطالبها.
ثورة من أجل الكرامة
كان الباحث اليمني "نبيل البكيري" أول من طرح عليه السؤال البديهي الأبرز الذي تدور حوله نقاشات وحوارات وتتباين الإجابات عنه مع حلول ذكرى الثورة التي تصادف غدا الجمعة.
عن المكاسب التي حققتها ثورة 11 فبراير ليتم الإحتفاء بها، يقول نبيل "أولا أشكر "الموقع بوست" المتميز والمهني والذي استطاع في مدة وجيزة من كسب ثقة الباحثين عن الحقيقة والمصداقية بإتاحة الفرصة لي للحديث عن مناسبة عظيمة كثورة فبراير السلمية في ذكراها الحادية عشرة وفي ظل سبع سنوات من الحرب المدمرة والجوع والإنهيار الاقتصادي الذي يحاول أعداء الثورة القفز فوق الحقائق وتغذية المزاج الشعبي المتذمر بجرعات زيف بغية تحقيق مآرب سياسية أقلها تحميل الثورة وشبابها كل المآسي التي نعاني منها".
في حديثه لـ"الموقع بوست" يرى البكيري أن أهمية ثورة فبراير تكمن في مشروعية مطالبها أولا، وفي فرادة نهجها وسلوكها ثانياً، وانتهاءً بالمكاسب الكبيرة التي حققتها دون أن يلجأ الثوار لانتهاج العنف أو الصدام المسلح.
وتابع "ثورة 11فبراير كغيرها من ثورات الربيع العربي في تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن قامت ضد أنظمة استبدادية فاسدة عتيقة مضى عليها على كرسي السلطة عقود طويلة، حكمت شعوبها بوسائل وأجهزة قمع وحشية ونكلت بالمعارضين وكممت الأفواه ووظفت الثروة والسلطة في سبيل الاحتفاظ بكرسي الحكم للرئيس القائد وتوريثه لأبنائه وعشيرته، كانت أساليب جميع أنظمة دول الربيع العربي متطابقة إلى حد كبير في الفساد والتشبث بكرسي السلطة مهما كلف الأمر وفي الاستبداد والقمع والعمالة للخارج أيضاً".
وأضاف البكيري"بالنسبة لنا في اليمن كان على عبدالله صالح يدلف إلى العقد الرابع متربعاً على كرسي السلطة وهي مدة زمنية ليست بالهينة، توفرت له فيها كل العوامل والإمكانيات سياسيا واقتصادياً وأمنيا ودعماً خارجياً وكل ما يلزم لتحقيق نهضة تنموية ورفاه معيشي واقتصادي وبناء دولة حديثة متطورة، لكنه لم يفعل، ظل مسكوناً دائما بنزعة الحفاظ على الكرسي والتنكيل بمعارضيه، وزرع بذور الصراع والتناحر بينهم عملاً بالمقولة الشهيرة(فرق تسد)".
واستدرك الباحث اليمني بالقول "على الذين يحاولون تحميل ثورة فبراير الواقع الدموي والمأساوي الذي نعيشه اليوم عبر المقارنة بين يمن ما قبل الثورة ويمن ما بعدها العودة إلى تقارير جميع منظمات الأمم المتحدة والمنظمات الدولة التي أجمعت في كل تقاريرها الموثقة بالأرقام على أن اليمن دولة فاشلة يعاني شعبها ظروف معيشية قاسية وشللاً في وظيفة الدولة وواجباتها وفساداً ينخر كيانها الهش، في ظل فقدان الأمل نهائياً في إمكانية حدوث تغيير ديمقراطي عبر صناديق الإقتراع، لأن صالح وحزبه الحاكم قد سدوا كل منافذ التغيير الديمقراطي وأفرغوا العملية الديمقراطية من فاعليتها وحولوها إلى وسيلة تجميل لنظام فاسد قبيح، وليس ذلك فحسب بل بنى جيشاً ولائه المطلق له ولعائلته وشرع في تلميع نجله الأكبر أحمد ليكون وريثه في الحكم".
ما قاله الباحث اليمني البكيري هو لمحة خاطفة عن وضع بائس لليمن نتيجة ثلاثة عقود من حكم صالح (تولى السلطة عام(1978)، لذلك كان لا مناص من قيام ثورة شعبية عارمة تعيد للشعب كرامته المهدورة وحقه في العيش بكرامة في ظل دولة مساواة وعدالة.
حضارية النهج
من جهته أكد الأكاديمي اليمني "عبدالواحد نعمان" أن ثورة فبراير الشبابية السلمية اليمنية لم تكن ركوباً لموجة ثورات الربيع العربي ولا تقلدياً له كما كان يتبجح صالح وأركان نظامه، لكنها جاءت كنتيجة طبيعية لتراكمات ثلاثة عقود من الفساد والإقصاء والتدهور الاقتصادي والأمني والاستبداد السياسي وتسخير مقدرات الدولة ونفوذها لخدمة صالح وأفراد أسرته.
وأضاف الأكاديمي نعمان في حديثه لـ"الموقع بوست" أن ثورة فبراير كانت فعلاً شعبياً بحتاً لا نخبوياً ولا رمز ثوري لها ولا مطامع سلطوية أو سياسية وراءها، إنطلقت من براثن الفقر والمعاناة ومن الأحياء الشعبية.
وأشار إلى أن تلك الثورة بحضارتها وسلميتها حصدت إعجاب وتأييد كل أحرار العالم الذين توقعوا أن تنزلق البلاد إلى مربع العنف كون الشعب اليمني يمثل السلاح أهم ملامح شخصيته ومكون ثقافته، بالإضافة لتجذر القبيلة وسطوتها إنتماءً وأعراف في أوساط الشعب اليمني.
وأردف "نعمان" النهج المدني السلمي والزخم الشعبي ونبل المطالب تعد أبرز عوامل نجاح ثورة11فبراير اليمنية التي ذهبت بسلميتها وتسامحها لأن منحت الحصانة صالح وعائلته وأبرز أركان نظامه على الرغم من الجرائم التي ارتكبوها بحق شباب الثورة، وهذا من وجهة نظري الشخصية كان خطأ فادحاً دفع صالح للتمادي في غيه ووفرت له الفرصة الكافية للإنقلاب على الثورة بدعم سعودي إماراتي طبعاً.
مكاسب الثورة
وبشأن التساؤل عن المكاسب التي حققتها الثورة، يؤكد "نعمان" أن الثورة نجحت في تحقيق جميع أهدافها بغض النظر عن حجم الأموال الضخمة والدعم اللا محدود الذي قدمه أعداء تلك الثورة المحليين والإقليميين لقوى الثورة المضادة من أجل قمعها واجهاضها، فالثورة -بنظره- أولا أعادت صياغة العلاقة بين الحاكم والشعب وفق قاعدة أن الشعب هو مالك السلطة ومصدرها، وحطمت هالة القداسة التي كانت مضروبة حول الحاكم بإعتباره فوق النقد وصاحب حق مطلق.
ولفت إلى أن الثورة أفشلت مخطط توريث الحكم للأبناء وأجبرت صالح على التنحي ونقل السلطة لنائبه بمقتضى المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة، وفتحت الباب على مصراعيه لجميع مكونات الشعب بمختلف أطيافه وقواه وأحزابه بما فيهم حزب المؤتمر الشعبي للجلوس في مؤتمر حوار وطني جامع استمر قرابة عام، تمخض عن وثيقة حوار وطني جامعة كانت بمثابة حلاً ناجعاً لكل مشاكل اليمن السياسية والاقتصادية، وحددت بوضوح ملامح الدولة اليمنية الإتحادية الحديثة التي ظل ينشدها اليمنيون ويناضلون لبلوغها منذ قيام ثورة 26سبتمبر/أيلول 1962م وأوصلتهم ثورة11فبراير السلمية إليها لولا التآمر الإقليمي عليها.
وبحسب الأكاديمي "نعمان" فإن الثورة المضادة وإن نجحت شكليا في الحيلولة دون وصول ثورة فبراير إلى مبتغاها بأمان وأدخلت اليمن في سعير حرب دموية مدمرة، إلا أنها فشلت في إخماد وهج الثورة نهائياً فالعودة لما قبل ثورة11فبراير2011 بات مستحيلاً والشعوب قد تمرض لكنها لا تموت، حسب وصفه.
المكاسب الاقتصادية
القيادي في ثورة 11 فبراير الناشط فايز الزريقي تحدث عن مكاسب الثورة في ذكراها الحادية عشرة قائلاً "ثورة 11 فبراير انتهت بالنتائج الآتية: مباردة خليجية، رئيساً منتخباً، لجنة حوار وطني، مخرجات الحوار الوطني الشامل، دستور الدولة الاتحادية، كل تلك المخرجات كانت كفيلة بأن يتحول اليمن إلى دولة حقيقية".
في حديثه لـ "الموقع بوست" يقول الزريقي "بالفعل من 2012 إلى 2014 المؤشرات الاقتصادية بحسب اقتصاديين ومؤسسات اقتصادية كبير تحدثت في تقاريرها عن أن اليمن انتقل اقتصاديًا إلى مرحلة أقوى من السابق (ما قبل 2010) عشرات المرات، لدرجة أن رواتب الموظفين باتت في صعود والدولة وظفت أكثر من 60 ألف موظف جديد، إضافة إلى أن التبادلات المحلية والخارجية ارتفعت خلال عام 2013 من 30 مليار في 2009 و2010 إلى 170 مليار خلال 2013".
وأختتم الزريقي حديثه بالقول "كل هذه الأمور أقلقت كل أصحاب الثورة المضادة في الداخل والخارج، فمولوا وخططوا للانقلاب على مخرجات الحوار وعلى المبادرة الخليجية وعلى مخرجات الحوار الوطني".
الناشط مازن عقلان هو الآخر يرى أن ممولي الثورات المضادة استخدموا واستثمروا نزعة صالح للانتقام من شباب الثورة ومطامح الأئمة المعروفين بجماعة الحوثي لاستعادة العرش السلالي للإنقلاب على الثورة ومحاولة إجهاضها.
وقال عقلان في تصريح لـ "الموقع بوس" تحاول اليوم أبواق الثورة المضادة التدليس على عقول البسطاء وتوظيف مظاهر الدمار والمآسي التدهور الاقتصادي الناجم عن إنقلاب تحالف (الحوثي – صالح) كقوى ثورة مضادة على مكاسب ثورة11 فبراير" مشيرا إلى أن ما يحصل اليوم هو بسبب تلك الثورة الشعبية وكأن شباب الثورة مجموعة عصابات وخارجين عن القانون، وليس شباب دفعت بهم المعاناة للخروج بصدور عارية للمطالبة بأبسط حقوقهم الإنسانية.
وأكد أن ما يحصل هو انقلاب على نتائج ثورة فبراير الإيجابية التي كانت ستدفن الانفصال للأبد وستدفن أحلام من يريد جعل اليمن أسواء دولة من الداخل والخارج إلى غير رجعة.
ويتفق الناشط الشبابي في ثورة 11فبراير2011 الشبابية السلمية بساحة الحرية بمحافظة تعز مازن عقلان مع رفيقه فائز الزريقي في استعراض بعض من مكاسب الثورة الإقتصادية قائلاً: "ثورة فبراير جاءت بـ 3 سنوات من الاستقرار والإصلاحات وثبات سعر العملة عند (214) ريالاً للدولار الواحد وتوفير الوظائف، وفتحت معها آفاق وبوادر للنهوض الاقتصادي والسياسي كما توصلت إلى أهم عقد اجتماعي اتفق حوله اليمنيين وهو مخرجات الحوار الوطني
وتابع "أما ما تعيشه بلادنا اليوم من حروب وكوارث ومعاناة وتمزق هي مخرجات نكبة 21 سبتمبر الإنقلابية التي جاءت محملة بالأحقاد الإمامية والعائلية، هذه الحقيقة لا يمكن طمسها وتغييرها.
إرادة شعب
ووفقاً لـ"سوسن الشيباني" أحد قيادات ثورة فبراير فإن تلك الثورة ليست نكبة إلا في عقول قوى الثورة المضادة وهواة العبودية.
تقول الشيباني في حديثها لـ "الموقع بوست" فبراير ثورة تغييرية وفق سنن التدافع والتي توفرت لها الأسباب بالتغيير، فليس من المعقول أن يحكم البلاد شخص بعينه وأسرة بعينها، ليس هذا فحسب بل مع مظاهر تردي الأوضاع سياسيا واقتصاديا واجتماعيا..وإنسانيا.
وتابعت "ثورة فبراير لم تذبح الوطن ومن تشبث بالسلطة واعتبرها إرث له وأولاده من بعده هو من دمر البلاد، ثم سلم مصيرها ومصير الوطن لجهلة يرون السلطة حق إلهي لهم مفصلة على سلالة بعينها.
وذكرت أن فبراير أعطت الحصانة لصالح بدل من محاكمته وحزبه ورموز نظامه واشراكهم في السلطة وفق اتفاقية كانت مخرجا للشعب من الوقوع في مهلكات الحرب والصراع، لكنه وحليفه من الإماميين أبو إلا أن يفخخوا السلطة والوطن".