[ الشاب فؤاد الأحمدي ]
"لا أستطيع تغيير فارسة أحلامي التي طالما حلمت بها منذ دارسة الثانوية لأي سبب".. بهذه الكلمات يُلخّص الشاب فؤاد الأحمدي معاناته جراء الحرب والانقسامات المصرفية بين المناطق المحررة وجماعة الحوثي، مع فارق سعر الصرف بين العملة الوطنية الجديدة والقديمة، حيث تتجاوز رسوم عمولة التحويلات في بعض الأحيان 100 بالمئة.
فؤاد الأحمدي (21 عاما) المنحدر من محافظة إب (وسط اليمن) الخاضعة لسيطرة الحوثيين يعمل بائعا متجولا في مدينة مأرب، منذ ثلاث سنوات، لا يزال حاطا قلبه لدى حبيبته هناك، في الأولى، التي لم يسمع صوتها خلال سنوات عمله بمأرب الواقعة ضمن سيطرة الشرعية، وبينه وبين حبيبته مسافات أقل من سبع ساعات إلا أن الحرب باعدت بين أسفارهما وجعلت البعد أكثر من ثلاثة أعوام حتى يصل إليها.
حب فؤاد لفتاته يسبقه بالحديث وعيناه تشير إلى ذلك ببساطة، تحمّل فؤاد عاما آخر للعمل من أجل الوصول إلى مبتغى قناعته وحبه البريء الذي ربط قلبه بفتاة جبلية ريفية في أقصى محافظة إب.
ليست وعورة الطريق ولا خشية الموت أو انعدام الفتيات في مناطق عمله التي تُحمٌله كل هذا العناء، بل حب وقع فيه وصراع اقتصادي أوقع به في وحل لن يستطيع الوصول إلى مبتغاه دون المرور به، ورغم العناء اختار طريقه الصعب لإرضاء قلبه وليرسم لوحة حب في زمن الحرب والمعاناة ليرشد بها العالم، أن اليمني مهما طالته التعاسة سيكابر للتغلب عليها، وأن الحب لا يختل بفعل المتغيرات ولا يمنع الشاب اليمني منه إلا الموت، الموت وحسب.
معاناة وحرمان
يقول الأحمدي البائع المتجول الذي يعمل في بيع الخردوات على بسطة متنقلة وسط الشارع العام بمدينة مأرب لـ"الموقع بوست"، إنه منذ ثلاث سنوات يؤجل موعد زواجه عله يحظى بمناسبة تعادل أسعار الصرف بين صنعاء ومأرب وكي لا يتحمل تكاليف التحويل مقابل دفع مهر زواجه بالطبعة القديمة، مشيراً إلى أن أهل خطيبته رفضوا قبول شرط زواجه بالطبعة الجديدة التي رفض استعمالها الحوثيون في مناطق سيطرتهم.
يضيف الأحمدي أن أهل خطيبته طالبوه بدفع الشرط المحدد بمبلغ مليون ونصف ريال يمني من الطبعة القديمة أو بالريال السعودي، وأنهم رفضوا أن يأتوا إلى مأرب لإقامة عرسه فيها تجنبا لدفع فارق الصرف التي قد تصل إلى أكثر من نصف المبلغ المرسل.
وتحدث الشاب بعفوية أن موعد زاوجه كان محددا إقامته خلال أواخر العام الماضي إلا أنه اضطر لتأجيله بسبب ارتفاع فارق الصرف بين مناطق سيطرة الحوثيين ومناط الشرعية، وأنه مضطر لتوفير مزيد من المال لدفع تكاليف التحويل، وينوي العمل لعام آخر لتوفير مبلغ إضافي سيدفعه كفارق الصرف ومقابل تحويل المبلغ المحدد عليه كشرط زواجه، متمنيا ألا يضطر إلى تأجيل آخر لموعد فرحة العمر.
امتنع الأحمدي -نحيف البنية- عن الحديث عن إمكانية تغيير زوجة بديلة من مناطق سيطرة الشرعية لتجنب كل تلك الخسائر كما يفعل عدد من الشاب في مناطق نزوحهم بمأرب، متمتما والابتسامة تخالط كلماته "لا أستطيع تغيير من حلمت بها منذ دارسة الثانوية لأي سبب".
وشهدت مدينة مأرب التي تحتضن ملايين النازحين من محافظات مختلفة هربا من الحرب حفلات لشباب آخرين أقبلوا على الزواج في مناطق نزوحهم وتزوجوا بشريكات من محافظات أخرى ليكسروا تقاليد اعتادت عليها الأسر اليمنية وخاصة الريفية لتشكيل خليط اجتماعي متجانس، لكنهم لا يشبهون الأحمدي بإصراره على حب تربى داخلهم منذ سنوات ماضية رغم صعوبة تحقيقه.
لكن تبقى المعاناة واحدة لكل اليمنيين التي ضربت بهم الانقسامات المصرفية والسعرية للسلع الغذائية أو أسعار الصرف بين مناطق سيطرة الحوثيين والشرعية ليبقى الألم في جسد فئة من الناس ويبقى المتسبب طرف حوثي لا يقوى إلا على إذلال أبناء اليمن لينتصر لنفسه، وحسب.
مستثمرون يفقدون رؤوس أموالهم
ولذات الأسباب الانقسامية يفقد المستثمرون والتجار ذوو الرؤوس المالية الصغيرة رؤوس أموالهم في مأرب بسبب ارتفاع فوارق أسعار العملات الأجنبية وقيمة الريال اليمني بين مأرب وصنعاء، حيث وصل ارتفاع فارق الصرف بين مأرب وصنعاء والذي يتحمله المواطن والمستثمر في دفع مقابل التحويل إلى مناطق سيطرة الحوثيين ما يقارب 70 بالمئة كرسوم حوالة.
يقول حسين قائد (40 عاما) المستثمر في المقاولات بمأرب لـ"الموقع بوست"، إن له أهل في مناطق سيطرة الحوثيين وأن عليه أن يرسل بين الحين والآخر لأسرته مبالغ مالية لمساعدتهم في العيش، لكن ما يؤرقه هو المبالغ المهولة التي يدفعها مقابل حوالاته المستمرة والتي تنهك رأس ماله، فكيف بالمواطن والعامل بالأجر اليومي الذي يتحمل تكاليف لا يقدر على حملها.
وأشار قائد إلى أنه أرسل مبلغ 160 ألف ريال فيما دفع مقابل التحويل مبلغ 108 آلاف ريال وهو ما يهدد بقاء رأس ماله في محل استقراره الاستثماري الذي يفقد منه أجزاء باستمرار.
وطالب الجهات المعنية بإحداث تغيير فعلي وجذري لمعاناة الناس وأن طباعة الأوراق النقدية القديمة التي قام بها البنك المركزي بعدن كانت حلولا واهية ولم تجدِ نفعا، حسب وصفه.
ويضيف المقاول حسن قائد أنه من خلال استخدام الطبعة الجديدة فئة ألف ريال (الحجم القديم) التي أصدرها مركزي عدن قام بإيجاد مبلغ محدد منها وإرسالها عبر أحد معارفه، إلا أنها وقعت بيد عناصر الحوثيين في إحدى نقاط تفتيشهم في منطقة رداع بمحافظة البيضاء الخاضعة لسيطرة الجماعة ومن ثم صادرتها، مشيرا إلى أن تلك الطبعة لم تكن حلا بل ربما مشكلة أكثر تعقيدا "وبدل أن تحتفظ بـ30 في المئة أثناء تحويل مبلغ عبر محال الصرافة قد تفقد المبلغ بأكمله إذا ما استخدمت أسلوب التحويل عبر المركبات الذاهبة إلى مناطق سيطرة الحوثيين"، حسب تعبيره.
طبعة نقدية جديدة لا تحل مشكلة
وكانت السلطات الشرعية المعترف بها دوليا قد طبعت مبالغ مالية من العملة الوطنية لكنها بحجم مخالف لشكل الطبعات القديمة ما قبل 2017 بحجمها الكبير لأسباب لا يعلمها أحد، حتى الآن أدى ذلك كفرصة انتهزتها جماعة الحوثي الانقلابية لكي تمنع استخدام تلك الطبعات من العملة المحلية الجديدة في مناطق سيطرتها وفرضت أمرا واقعا على أسعار الصرف محددة سعرا واحدا فرضته بقوتها في الوقت الذي تركت السلطات الشرعية أسعار الصرف للعرض والطلب، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع كبير في أسعار الصرف في مناطق الشرعية، بينما استقر سعر الصرف في مناطق الحوثيين.
أدى ذلك إلى ارتفاع جنوني في أسعار السلع الغذائية وغيرها في مناطق سيطرة الشرعية وتحمل المواطن فارق الصرف بين مناطق الشرعية والحوثيين لتتحول تلك المماحكات الاقتصادية بين طرفي الصراع إلى مشكلة تؤرق المواطن فقط.
استجابت الشرعية لدعوات المواطنين من ارتفاع الأسعار وفوارق الصرف وقدمت تنازلا بسحب الطبعة الجديدة من العملة بعد مرور أربع سنوات من طباعتها والتعامل بها وطبعت طبعة أخرى تشبه الطبعات القديمة للعملة المحلية ما قبل 2017، ورغم محاولات الحوثيين لمنع استخدامها في مناطق سيطرتها إلا أنها دخلت ولكنها لم تحل المشكلة التي جاءت من أجلها وهو كسر فارق الصرف بين مناطق الحوثيين ومناطق سيطرة الشرعية.
وحتى اليوم ورغم عدم اكتمال خطة الحكومة الشرعية التي لم تكتمل بعد والتي أعلنت عنها عبر بيان البنك المركزي بأنها ستمر بمراحل سحب الطبعة الجديدة وضخ الطبعة القديمة إلى السوق بشكل كبير لمحاولة كسر الفارق بين صنعاء وعدن، إلا أن الحوثيين قد سبقوا ذلك بخطة مصادرة أي طبعات قادمة من مناطق سيطرة الشرعية من الطبعات القديمة فئة ألف ريال من العام المؤرخ بتأريخ 2017 وعليها رمز "د" وذلك يؤدي باستمرار إلى هبوط دائم ومستمر للريال اليمني مقابل العملات الأجنبية دون توقف.
وكان البنك المركزي بعدن قد أعلن عن إضافة مبلغ 665 مليون دولار إلى حسابه لدى صندوق النقد الدولي، مشيرا إلى أن ذلك سيسهم في تعزيز الاحتياطي الخارجي من النقد الأجنبي وسيحقق استقرارا في أسعار الصرف محليا، لكن ذلك لم يبدأ بعد تأثره على سوق الصرف في مناطق الشرعية التي تضيق ذرعا من الغلاء والاستغلال وعدم قدرة السلطات المعنية بالمحافظات المحررة على السيطرة على أسعار الصرف والتلاعبات الواسعة من قبل محال الصرافة التي تعد مشكلة أكبر من حل.