[ التعليم في مأرب بين استغلال المدارس الخاصة وعجز الحكومة ]
مع انطلاق العام التعليمي الجديد 2021 – 2022 في مأرب فرت أم محمد بأطفالها الثلاثة أحرق جيوبهم وأنهك قدراتها المالية منذ عامين في المدارس الأهلية إلى أن تجد الرحمة في قبول أطفال يتوقون للتعليم في زمن بات التعليم باهظ التكاليف أو صعب الوصول إليه في المدارس الحكومية الشحيحة التي ازدحمت بالنازحين من مختلف محافظات البلاد.
منذ مطلع الأسبوع الجاري تبحث أم محمد (35 عاما) عن مدرسة حكومية أساسية لتلحق أطفالها بالتعليم في العام الدراسي الجديد، حيث مسافات بعيدة للوصول إلى مدرسة الشهيد محمد هائل للبنات من منطقة سوق السلاح شرق مأرب إلى وسط المدينة، محاولة إلحاق أطفالها بالمدرسة التي تحججت كمثيلاتها من المدارس التي مرت بها أم محمد باكتمال طاقتها الاستيعابية من أعداد الطلبة الملتحقين بها خلال العام الجاري.
قالت أم محمد لـ"الموقع بوست" إنها مرت بأكثر من أربع مدارس حكومية محاولة بكل السبل إلحاق أطفالها بتلك المدارس دون فائدة وجمعيها رفضت ملفات أبنائها بسبب الازدحام الشديد الذي تشهده تلك المدارس جميعها ولا زالت تحاول إقناع مديرة مدرسة محمد هايل بقبول ملفات إحدى فتياتها حسب وصفها.
التعليم الخاص يثقل كاهل اليمنيين
تنوي أم محمد توزيع ملفات أطفالها الثلاثة على أكثر من مدرسة في خطة منها للنجاح بإلحاق أطفالها بالعام الدراسي دون أن يفقد أي منهم عامه التعليمي "كل المدارس ممتلئة وكلها ترفض الملفات الجديدة " .
وأوضحت أنها نقلت ملفات أطفالها من المدارس الأهلية التي بالغت بتكاليف رسوم التعليم فيها إلى أن وصل هذا العام نحو 200 ألف ريال كرسوم لطالب واحد للسنة، وهذا ما لا تستطيع دفعه أم محمد.
وأشارت إلى أن العام الفائت وما سبقه كانت تدفع 180 ألف ريال على كل طالب من أبنائها مضطرة لدفعها بسبب عدم قبول أطفالها في المدارس الحكومية التي تتحجج باستمرار بأنها غير قادرة على استيعاب المزيد من الطلاب بسبب الازدحام الشديد في صفوفها.
صعوبات
من جهتها تقول مديرة مدرسة الشهيد محمد هائل الأساسية للبنات فكرة نعمان لـ"الموقع بوست" إنها تواجه الكثير من الصعوبات مع بداية العام الدراسي الجديد 2021- 2022 منها كثرة الإقبال على التسجيل من قبل الطلاب النازحين الجدد بملفات جديدة من المدارس الأهلية فيما المدرسة لم تستطع كفاية طلابها الملتحقين من العام الماضي، حد وصفها.
وتشير نعمان إلى أنها اضطرت إلى تقسيم العمل التعليمي في المدرسة إلى فترتين المسائية من الصف الأول إلى الصف الخامس، وفترة صباحية من الصف السادس إلى الصف التاسع، بالإضافة إلى تقسيم الفصول إلى خمس شعب للفصل الواحد ورغم ذلك لا زالت الكثافة والازدحام داخل الفصول عالية جدا.
ولفتت نعمان إلى أن أعداد الطلاب زاد على العام الماضي بالضعف بسبب خروج الطلاب من المدارس الخاصة بسبب ارتفاع الرسوم مما سبب زيادة غير طبيعية في عدد الإقبال على التسجيل في المدارس الحكومية حيث إن الشعبة الواحدة تحتوي أكثر من 85 طالبة، فيما الصف التاسع مثلا عدد طلابه 400 طالبة، بينما الصف الثامن عدد طلابه 450 طالبة، فيما العام الماضي كان عدد طلاب الصف التاسع 340 طالبة والثامن 360 طالبة وهو ما يشكل ضغطا كبيرا على المعلمين والطلاب داخل المدرسة.
وقالت نعمان إن من ضمن الحلول الإصلاحية لاستيعاب أكبر قدر ممكن من الطلبة النازحين أنها أخلت الغرف المخصصة للمكاتب الإدارية وحولتها إلى فصول تعليمية ونقلت الإدارات إلى كانتيرات خارجية.
ولفتت إلى أن هناك نقصا كبيرا في الكتاب المدرسي وهذه معاناة إضافية -بحسب فكرة- لكنها مستمرة على مدى الأعوام الماضية وتلاحقنا حتى اليوم ومنذ بداية العام الدراسي بالإضافة إلى نقص كبير في المعلمين، بينما تسعى نعمان إلى إيجاد عقود تعاقد مع معلمين نازحين من محافظات أخرى.
معوقات
وتشير الإحصائيات الرسمية إلى أن القطاع التعليمي بمأرب يعمل بقدراته وبنيته التحتية ما قبل النزاع والنزوح الكبير إلى المحافظة، حيث إن عدد المدارس الأساسية الحكومية 308 مدارس بالمحافظة، بينما عدد المدارس الثانوية والأساسية الحكومية 90 مدرسة بحسب إحصائيات الأعوام التي سبقت الحرب الدائرة في البلاد، ولم يشهد قطاع التعليم الحكومي أي تطوير أو توسع رغم النزوح الكبير من قبل الطلاب والمعلمين إلى المحافظة.
ورغم الحاجة الملحة لبناء مدارس جديدة وتوسيع القطاعات التعليمية باختلافها، في الوقت الذي اتسعت فيه المدارس الخاصة بشكل كبير وتزايدت أعدادها، كما أنها تحظى بأعداد كبيرة من الطلاب النازحين من مراحل التعليم الثانوية والإعدادية والأساسية، وهو ما شجعها للبحث عن مطامع أكبر من حيث تدريج تصاعدي في رفع الرسوم المفروضة على الطلاب، في استغلال واضح للوضع الذي يشهده القطاع التعليمي الحكومي من زحام وصعوبة استيعاب الطلاب النازحين في مدارسها الحكومية.
الإشكاليات والصعوبات بالعشرات تصاحب افتتاح العام التعليمي الجديد بمحافظة مأرب التي استقبلت آلاف الأسر النازحة، بالإضافة إلى مشكلات الفرار الجماعي للطلاب من المدارس الخاصة إلى الحكومية التي تشكو الزحام الشديد والتي زادت من الطين بلة بسبب الارتفاع الجنوني لرسوم الطلاب فيها، تتحملها اليوم المنظومة التعليمية الركيكة في محافظة تعمل بقدرات ومدارس ما قبل النزاع الدائر في البلد منذ سبعة أعوام، كل هذا يرجح تسرب مزيد من الطلاب خارج أسوار المدارس والجنوح نحو الأمية.