[ انعقاد قمة العلا في السعودية للمصالحة الخليجية ]
تشهد العلاقة بين المملكة العربية السعودية وقطر تقاربا واضحا، بعد أزمة حدثت بين البلدين منتصف 2017، أثرت بشكل سلبي على اليمن التي تدخل فيها التحالف العربي في مارس/آذار 2015، وكانت الدولتان مشاركتين فيه.
وتم الاتفاق على إعادة فتح الأجواء والحدود البرية والبحرية بين الرياض والدوحة أمس الاثنين (4 يناير/كانون الثاني)، بعد حصار تم فرضه على الأخيرة من قبل المملكة إلى جانب الإمارات ومصر والبحرين، بذريعة دعم الإرهاب، وشاركت اليوم قطر كذلك في القمة الخليجية الحادية والأربعين التي تقام بالمملكة.
ذوبان الجليد بين الرياض والدوحة، من المتوقع كذلك أن يكون له انعكاسات عديدة على ملف اليمن، التي أصبحت تغوص في كثير من التعقيدات، مثلما ألقى الخلاف بينهما بظلاله على المشهد اليمني بشكل مباشر.
فقد استغلت الإمارات العربية المتحدة الخلاف الحاصل، وتمكنت من توسيع نفوذها حتى على حساب السعودية، واستطاعت فرض ما يُعرف بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي" كطرف أصبح مشاركا في الحكومة، ولاعبا رئيسيا بدعم منها في الجنوب.
وبرغم تفاؤل البعض بالمصالحة وترحيب الحكومة بها، إلا أن هناك مخاوف من استمرار بقاء الوضع على ما هو عليه الآن في اليمن، وهيمنة دول التحالف وأذرعها على المشهد، وتقاسمه سواء بالمهرة أو السواحل اليمنية وسقطرى وغيرها.
وبدأت تظهر ملامح ذلك التقارب الذي تم بدعم أمريكي وكويتي، منذ مطلع ديسمبر/كانون الأول الفائت، وبدت واضحة رغبة السعودية بتعزيز العلاقة بين دول مجلس التعاون الخليجي، في الوقت الذي تواجه فيه المنطقة تحديات مختلفة، بسبب تزايد النفوذ الإيراني، وضعف أغلب الدول العربية التي تعيش في حالة حروب وصراعات، فضلا عن التوجه نحو التطبيع مع إسرائيل الذي بدأته أبوظبي.
تأثير متوقع على اليمن
وعاشت اليمن خلال فترة الصراع ذاك بين الرياض والدوحة، في ظل استقطابات عديدة، وضغوط مارسها كل طرف على الآخر بمختلف الوسائل، نتج عنها ظهور قوى مختلفة تم تغذيتها من قِبل أطراف عدة، تقاسمت النفوذ في كل البلاد، وتفكك التحالف العربي الذي أصبح سعوديا إماراتيا فقط.
فقد أصبحت اليوم سقطرى والساحل الغربي وعدن بيد قوات تابعة للإمارات، وهناك تقاسم للنفوذ في حضرموت بين المملكة وأبوظبي، إضافة إلى سيطرة الرياض نفسها كذلك على المهرة، بينما تستمر جماعة الحوثي بإحكام قبضتها على أغلب محافظات الشمال.
وبرغم ما يجري، يرى المحلل السياسي ياسين التميمي أن المصالحة السعودية القطرية ستُنهي سنوات من الصراع المكلف لأطراف الصراع، والذي نال منه اليمن ما ناله من آثار سلبية على كافة المستويات.
وفي حديث له مع "الموقع بوست" توقع التميمي ألا يكون للمصالحة تأُثيرا فوريا على الوضع في اليمن، وعلى مستوى دعم الحكومة الجديدة، وذلك يعود من وجهة نظره إلى وجود لاعب إقليمي (يقصد الإمارات) لم يُظهر حسن نواياه تجاه ما يحدث، ويمكنه أن يسعى إلى تعقيد المشهد اليمني أكثر.
وفي حال جاءت هذه المصالحة في إطار تسوية حقيقية تستهدف مصلحة البلدين، وليس وفقا لإملاءات إقليمية ودولية، فلا يستبعد المحلل السياسي اليمني أن تنعكس إيجابيا على الوضع في اليمن في المدى المنظور.
انعكاسات مختلفة
تدفع السعودية اليوم تكلفة باهظة، نتيجة لعدم استغلالها فرصة تدخلها في اليمن لمنع نفوذ إيران الذي يستهدفها، ويبدو أن خطره بات يقترب أكثر منها، خاصة بعد وصول السفير الإيراني لدى جماعة الحوثي حسن إيرلو إلى صنعاء، وتعامله كحاكم هناك.
ولذلك، يرى الصحافي كمال السلامي أن الرياض أصبحت بحاجة إلى تغيير إستراتيجياتها السياسية، وكذا تعاملها مع الملفات الشائكة المحيطة بها وتلك التي هي في القلب منها، وباتت ترغب بإطفاء الحرائق من حولها، بعدما فشلت في استعادة الشرعية أو هزيمة الحوثيين، وحتى تثبيت الأمن والاستقرار في المناطق المحررة.
وبشأن كيفية انعكاس المصالحة على اليمن، توقع السلامي في تصريحه لـ"الموقع بوست"، أن تحاول الرياض الإبقاء على ملف المهرة كما هو عليه الآن، أما ملف أطراف الشرعية ومنها حزب التجمع اليمني للإصلاح، والوضع جنوبا وفي الساحل الغربي، فالأمر مرتبط بالتحالف الإستراتيجي بين المملكة والإمارات.
وأوضح أن الأمر مرتبط باستعداد الرياض لتغيير إستراتيجية تحالفها مع أبو ظبي، وذلك سيكون له ثمن أيضا، فقد أصبحت الأخيرة تملك أوراقا على الأرض في الجنوب والساحل الغربي، أكبر بكثير مما تملكه المملكة، منتقدا إهمالها لحلفائها وتسليمها زمام الأمور في المحافظات المحررة وسقطرى والساحل للإمارات.
وفي المحصلة، يقول السلامي إن "الرياض غير مستعدة لطي صفحة الخلاف مع قطر، وفتح صفحة خلاف مع الإمارات، لأن الأخيرة ستكون معقدة وثمنها ثقيل أيضا".
وما هو أكيد، بالنسبة للسلامي، أن الرياض تسعى للخروج من المأزق اليمني بأي شكل من الأشكال، وهي بحاجة الآن لتخفيف حدة الضغط الإعلامي عليها من قِبل قطر، وكذا الضغط الإنساني.
أما بخصوص توقيت المصالحة، فالأمر من وجهة نظره مرتبط بما يحدث في البيت الأبيض، ورغبة دونالد ترامب بالمغادرة وفي رصيده نقاط حسنة، فضلا عن اختلاف الهاجس الذي أصاب المملكة ودول أخرى بعد وصول الديمقراطيين إلى الحكم في أمريكا، كون إستراتيجتهم فيما يتعلق بالشرق مختلفة، إذ إن جو بايدن لم يخفِ رفضه لحرب اليمن وانتقاده لسياسات الرياض، فضلا عن عدم واقعية قائمة مطالب الدول التي فرضت الحصار على قطر.
كسر الجمود
ونظرا لعدم فاعلية السلطة اليمنية وعدم امتلاكها قرارها بسبب تأثير التحالف السعودي الإماراتي عليها ومحاولة حشرها في زاوية ضيقة بالتزامن مع إضعافها، والاقتراب من دخول الحرب عامها السابع التي يعاني المواطنون منها كثيرا، يحث التميمي على أهمية تأكيد اليمنيين بعد حدوث المصالحة على معركة استعادة الدولة والتي هي هدفهم المصيري والحتمي.
وعن متطلبات ذلك، لفت إلى أهمية تفعيل السلك الدبلوماسي المهم في إسناد معركة استعادة الدولة، وذلك بعد إصابته بشلل تام، نتيجة انقطاع تمويل ميزانيته من قطر.
كما انتقد التميمي الفرز الذي حدث بين اليمنيين نتيجة الصراع السعودي القطري، مؤكدا على أهمية أن يبقى معيار تفاعل اليمنيين مع اللاعبين الإقليميين هو مدى احترامهم لبلدنا ووحدته واستقراره، وإلا فإن أي تدخل لا يخدم المعركة الأساسية فهو اعتداء، حسب تعبيره.
بينما ذكر الصحافي السلامي أنه لا يوجد خلاف دائم ولا مصالحة دائمة في السياسية، ومن الذكاء تجنب التطرف في الانحياز لهذا أو ذاك، مؤكدا أن اليمنيين دفعوا خلال الفترة الماضية ثمنا باهظا لما جرى بين الدولتين بانقسامهم، وسيظل ذلك جرحا بينهم إلى أمد بعيد.
ومن غير الواضح حتى الآن كيفية تأثير المصالحة على الملف اليمني وما إذا كانت إيجابية أم سلبية، لكن المواطنين أصبحوا يدعون إلى ضرورة تخليص البلاد مما هي فيه، وقيام السلطة بدورها، وعدم السماح بحدوث مزيد من العبث، بعد أن حصدت الحرب منهم 233 ألف شخص وآلاف الجرحى، واستمرار الانهيار الاقتصادي الذي يضاعف المعاناة وتعطيل موانئ البلاد.