[ الطفل عمار بن ياسر فقد أحد أطرافه نتيجة الحرب ]
تغير كل شيء إلى الأسوأ في حياة الطفل عمار ياسر (10 سنوات) بعد فقدانه إحدى ساقيه نتيجة هجوم صاروخي حوثي استهدف حيّه السكني في مدينة مأرب.
يجد الطفل عمار مشقة في الذهاب إلى المدرسة هذا العام خشية من وصمة قد تطاله بسبب قدمه المبتورة، ويتوق لتغيير عكازاته بقدم صناعي لإخفاء إعاقته أمام أصدقائه الصغار.
يخطو عمار بتعثر على عكازاته التي تحمل جسده الصغير بينما يمضي لزيارة مركز الأطراف الصناعية لتغيير طرفه الصناعي كل 6 أشهر.
طفولة مُرهقة
"عام دراسي جديد وكتب جديدة وحقيبة جديدة ولا بد أن أستبدل ساقًا جديدة"، يتحدث عمار ببراءة طفولية وهو يغطي ما تبقى من ساقه بدافع الخجل.
فقد الطفل عمار ساقه الأيمن وأصيب ساقه الآخر بهجوم صاروخي أطلقه الحوثيون على حيّه السكني في مدينة مأرب قبل أشهر، حيث كان الطفل الوحيد الذي نجا من المذبحة بينما توفي 8 أطفال آخرين.
يقول والد عمار إن جماعة الحوثي أطلقت الصاروخ من اتجاه جبل هيلان وسقط في حيّ الزراعة السكني وحصد 8 أطفال وجريحا واحدا هو عمار بن ياسر.
يتذكر عمار بعض تفاصيل الحادثة، يقول: "كنت أمضي مع أصدقائي عائدًا إلى المنزل ووقع الصاروخ بالقرب منا"، لم يعِ عمار بعد تلك اللحظة شيئا حتى اليوم الثاني وكان على سرير مستشفى الهيئة بمأرب التي ظل فيها لمدة شهرين متتاليين.
يوضح والد الطفل الذي كان بجوار المكان الذي وقعت فيه الحادثة، أن عمار لم يستوعب فكرة بتر ساقه حين حاول النهوض من سريره بهدف الخروج من المستشفى، وحين حاول المشي بعد العملية أدرك الأمر بالتجربة فصرخ بأسى وانفجر بالأسئلة.
يؤكد ياسر الصبري (والد الطفل) والمنحدر من محافظة إب (وسط اليمن) والذي نزح بفعل الصراع الدائر في البلاد منذ خمسة أعوام، أن ولده عمار طفل شجاع وذكي، مشيرًا إلى أن تحصيله الدراسي متميز ولم تؤثر الإعاقة على مستواه الدراسي، ويذهب كل يوم إلى المدرسة متحديا كل الصعاب التي تواجهه في المدرسة والحي السكني.
تعليم دون وقاية
ومؤخرًا، انطلقت العملية التعليمية في مأرب في ظل تفشي فيروس كورونا دون أي إجراءات وقائية من الفيروس، حيث لا تزال المدينة تسجل كل يوم إصابات جديدة، الأمر الذي يهدد بتفش للفيروس في المدارس التي تشهد ازدحاما شديدا بفعل توافد الآلاف من الطلاب النازحين من مختلف المحافظات اليمنية بسبب الحرب.
تقول مديرة مدرسة الشهيد محمد هايل للبنات، فكرة نعمان، إن سبب غياب الإجراءات الوقائية في المدرسة يعود لصعوبة تطبيقها كون المدرسة تجمع نحو ثلاثة آلاف طالبة، حيث يحوي كل فصل من 80-100 طالبة، إضافة إلى غياب أدوات الوقاية اللازمة.
وترى نعمان ضرورة توفير فصول دراسية إضافية من أجل تطبيق إجراءات الوقاية من كورونا عبر التباعد الاجتماعي، أو تقسم العملية التعليمية اليومية إلى فترات مختلفة أو التخفيف من الازدحام الطلابي من خلال نقل الطلاب إلى مدارس أخرى.
وطالبت مديرة المدرسة مكتبي التربية والصحة بالمحافظة بتوفير معقمات وكمامات وأجهزة لقياس الحرارة وتوزيعها على المدارس في مأرب.
وذكرت أن حالة إصابة واحدة بكورونا في المدرسة قد يصل عدواها إلى كل بيت في محافظة مأرب، مؤكدة أن الكثافة السكانية تعيق وضع حلول للوقاية من الفيروس المنتشر عالميا.
وحول التوعية بالوقاية من فيروس كورونا داخل المدرسة تقول نعمان إن الجانب التوعوي يتم العمل عليه بشكل مستمر بدعم من منظمة محلية تقوم حاليا بتدريب عدد من الطالبات، إضافة إلى تخصيص برامج توعوية عبر الإذاعات الصباحية بالمدرسة.
وأوضحت أن الإجراء الأنسب الذي ستعتمده المدرسة حاليا هو إلزام كل طالبة بشراء معقم شخصي على أن تستخدمه خلال فترات الدراسة.
وتؤكد فكرة نعمان أن المخاوف تعتري آباء الطالبات بخصوص انتقال العدوى، لكنهم لا ينفذون أي إجراءات وقائية تتمثل في إلزام فتياتهم بالمعقمات والكمامات.
تداعيات الحرب
بالتزامن، يشن الحوثيون حملة عسكرية على محافظة مأرب بهدف إسقاطها، الأمر الذي يفاقم الضغوط النفسية لدى المدنيين خصوصًا النازحين.
وفقد المئات من المدنيين في محافظة مأرب أطرافهم نتيجة الألغام التي زرعتها جماعة الحوثي، إضافة إلى القصف العشوائي للمدينة.
في السياق، يقول مدير مستشفى الهيئة بمأرب محمد قباطي لـ"الموقع بوست"، إن مركز الأطراف الصناعية الذي تموله منظمة الأمين لرعاية ضحايا الحروب والكوارث (دولية) أنتج حتى الآن 1220 طرفا صناعيا، بينما سيتم إنتاج وتعديل 828 طرفا صناعيا خلال المرحلة المقبلة.
وقال إن المركز ينتج ثلاثة أطراف صناعية كل يوم، وغدا بديلا لفكرة السفر للخارج لدى الكثير من المعاقين.
من جهته يوضح الوكيل الإداري لمحافظة مأرب عبد الله الباكري، أن المركز تأسس في مرحلة حساسة من أجل مساعدة ضحايا الحرب المستعرة التي تشهدها البلاد بشكل عام ومأرب بشكل خاص.
إلى ذلك، قال مدير مركز الأطراف الصناعية بمأرب عبد الكريم الوتيري، إن القسم الجديد الذي تم افتتاحه مؤخرًا والخاص بالأطفال والنساء جاء استجابة لتزايد أعداد الضحايا المدنيين جراء استمرار الحرب في البلد واستهداف الحوثيين لمحافظة مأرب.
مأساة
الطفل المعاق عمار بن ياسر ليس الوحيد الذي تسبب القصف العشوائي على مدينة مأرب بإعاقته، حيث يوجد المئات من الأطفال والنساء الآخرين الذين تعرضوا للإعاقة وتضاعفت المعاناة في حياتهم.
ولا يجد المعاقون الصغار وسائل مساعدة خاصة في مدراسهم لتعمل على تسهيل تلقيهم المعلومات الدراسية وإدماجهم بشكل طبيعي ضمن المجموع دون الشعور بالوصمة.
يتحدث الطفل عمار بحرقة: "كنت أستطيع المشي والجري والسباق مع أصدقائي والذهاب إلى المدرسة دون مساعدة من أحد، أما الآن كل ما أفعله هو مشاهدة أصدقائي وهم يفعلون كل ذلك بينما أكون ماكثًا في مكاني".
سبق عمار إلى إعاقته الكثير من الأطفال الصغار وسيلحق به الكثير ما دامت الحرب مستمرة حول مدينة مأرب، وطالما استمر الحوثيون بتنفيذ هجمات ضد المدينة.