[ احتفالية بعيد الورد في تعز ]
تعد "المشاقر" من أهم الموروثات الثقافية التي اعتاد عليها أبناء اليمن بشكل عام، والمناطق الوسطى بشكل خاص، لما لها من رمزية خاصة ودلالة فنية يتوارثها الأجيال جيلا بعد جيل.
لمحة عن المشاقر
تختلف أنواع "المشاقر" وتسميتها من منطقة إلى أخرى من مناطق اليمن وذلك حسب المتداول عليه والمعروف لدى أبناء المنطقة، ومن التسميات الشائعة والمعروفة لبعض الأصناف: الشذاب والريحان والحُمحم والأوزاب والقُرنفل وورد الربيع وإكليل الجبل والأبيض والأسود، وغيرها من التسميات والأصناف.
دلالتها
تعبر "المشاقر" عن قيمة فنية وعشق يتجسد لدى محبي "المشاقر" كما يصفها أحمد خالد، أحد محبي وعشاق المشاقر، والذي عبر لـ"الموقع بوست" قائلا: "منذ أكثر من ثلاثين عاماً وأنا أنتظر المشاقر القادمة من جبل صبر لدى النساء البائعات في السوق المركزي لآخذ المشقر وأضعه على رأسي في كل صباح".
وأضاف خالد: "لقد أصبحت المشاقر جزءا من اهتماماتي ولها مكانة عالية لديّ ووجودها ورائحتها تبعث الشعور بالسعادة والاطمئنان".
فعالية وذكرى
من طقوس يومية وعشق متبادل بين المشاقر والورد ومحبيه إلى يوم ذكرى يحتفل به اليمنيون، فيوم 9 سبتمبر من كل عام هو يوم يحافظ فيه اليمنيون على تراثهم الحسي والثقافي والمعنوي بأشكال عدة.
فقد نظم مجموعة من الشباب يوم الأربعاء، 9 سبتمبر، فعالية عيد المشاقر بطريقة جميلة، لاقت الترحيب من قبل الجميع وفازت بالتفاعل المذهل لدى رواد مواقع التواصل الاجتماعي، فقد تبادل رواد مواقع التواصل لقطات للأطفال والشباب وهم يحملون المشاقر ويقومون بتوزيعها بشكل يبعث السعادة والانشراح ويعيد الحياة بلون آخر وبنكهة الورد والمشاقر في مدينة أنهكتها الحرب والحصار.
أشخاص وأماكن
انطلقت المبادرة الشبابية بتوزيع "المشاقر" على العامة في شوارع وأحياء مدينة تعز، بحسب الدعوة التي قدمها الناشط الإعلامي والحقوقي "سام البحيري" صاحب المبادرة والاهتمام، وبرفقته مجموعة من شباب كلية الآداب ولفيف رائع من الإعلاميين والإعلاميات في قسم الإعلام بجامعة تعز، رافقهم نخبة من الأدباء والشعراء وعشاق المشاقر في مدينة تعز.
الشباب قاموا بالتنسيق المسبق مع بائعات الورد والمشاقر لإحضار أكبر كمية من المشاقر وتجميعها صبيحة 9 سبتمبر، ومن ثم التوجه نحو كلية الآداب في جامعة تعز، لتكون الانطلاقة منها، وقام الشباب بتوزيع المشاقر لكل من يجدونهم في طريقهم وفي الشوارع العامة، راسمين بذلك لوحة فنية ثقافية برائحة الورد وعبق المشاقر.
صاحب المبادرة
الشاب سام البحيري عبر في حديثه لـ"الموقع بوست" عن هذه المناسبة قائلا إن "المشاقر تعني لنا أبناء اليمن عامة وتعز على وجه الخصوص موروثا ثقافيا ورمزا من رموز المحبة والتعايش والسلام".
وأضاف سام أن "الورد منذ قديم الزمان تغنى بها الفنانون وكتب عنها الشعراء، كما أنها تعد وسيلة للتعبير عن الحب والسلام الداخلي تجاه الآخر".
واستطرد سام البحيري قائلا: "أما بالنسبة للمشاقر فهي سلاحنا في زمن الحرب والدمار الذي نواجه به بؤس الحياة ونلوح به لنطرد عن يمننا الحبيب ومدينتنا الحالمة تعز رائحة البارود ونمحو بها غبار الخراب في زمن الحرب".
وتابع سام البحيري حديثه قائلا: "انطلقنا نوزع المشاقر ونرسم البهجة في ملامح المجتمع وندع المكان يفوح برائحة المشاقر الزكية، هذه المشاقر التي لنا معها حكاية عشق منذ الطفولة منذ كنا نراها تغفو على خدود الأمهات وتقف شاخصة منتشية كل صباح على رؤوس الآباء والأجداد، فالمشاقر هي رسالة محبة وسلام نعبر بها عن سلامنا الداخلي وعشقنا المتوارث ونتنفس من خلالها عبق الأرض الطيبة ونلبي نداء الشعور الداخلي تجاه هذه النبتة التي تسحرنا برائحتها وتترك الأثر السامي في نفوس عشاقها ومحبيها".
الثقافة في سطور
مدير مكتب الثقافة في تعز عبد الخالق سيف عبر عن المشاهد الجميلة التي رسمت لون الحياة والجمال بهذه المبادرة الطيبة وبهذا العيد الذي يتجلى بصورة زاهية بلغة المشاقر، معربا عن شكره لكل الشباب الذين يحبون مدينتهم ويعطرون ملامحها وأجوائها برائحة المشاقر والحياة.
الشعر والمشاقر
الشاعر الشاب محمد المهدي رأى أن يخلد هذا اليوم بقصيدة، فالنثر لا يسعفه عن التعبير بروعة هذه المناسبة وقد نشرها على صفحته بفيسبوك، وهذا نص القصيدة:
عيدٌ خرافيٌ وجوٌ شاعري
وأنا أفوحُ بعطرِهِ كمشاقري
إني رأيتُ تعزَّ ترقصُ بيننا
بالعيدِ باسِمةً، بوجهٍ ناضِرِ
يا سام إن الزهرَ صاغَ بسحرِهِ
وجهَ الصباحِ سَناً بلونٍ آخرِ
للوردِ دهشتُهُ التي تمشي بنا
سحراً جميلاً في جمالٍ ساحرِ
ما أكرمَ الريحانُ ينفثُ روحَهُ
عطـراً نبياً فـوقَ جمعٍ عابـرِ
وتأتي مبادرة توزيع المشاقر في تعز ضمن فعاليات إعادة الروح والحياة لمدينة تنهشها الحرب، حيث باتت تعز بأمس الحاجة لمثل هذه الفعاليات التي تعيد ترميم الأرواح وبذر الود والمحبة بين الناس.