[ بائعا عود الأراك في مأرب الطفل عبد الله ورفيقه إبراهيم ]
يستغل الطفل إبراهيم الزبيدي، ورفيقه عبد الله، موسم الشهر الكريم لبيع سلعتهم من تلك الحزم الملفوفة على أحضانهم وينادون الناس بأنها "مرضاة للرب مطهرة للفم"، لتدر لهم بالمال البسيط كبساطهم وبساطة بيئة أهل الحديدة الطيبين وبساطة المهنة التي اتخذها الطفلان للبحث عن الرزق من خلالها.
عود "الأراك" سواك الطبيعة تنتشر أسواقه وتجاره وزبائنه هنا في أسواق مأرب يباع جملة وتجزئة خلال شهر رمضان، حيث يحمل عبد الله ورفيقه الصغير بين أذرعهم حزمة أعواد الأراك، قادمة من محافظة شبوة، واشتروها ليربحا من بيعها ويطهرا أفواه الصائمين اتباعا للسنة.
الطفل الذي ينتمي إلى مدينة زبيد بالحديدة إبراهيم (13 عاما) ورفيقه عبد الله يحكيان قصصهم في بيع "المساويك" والسير في أزقة وشوارع المحافظة بحثا عمن يريد سواك "الأراك" الذي تروج تجارته ويزداد زبائنه خلال الشهر الكريم.
إيراهيم وعبد الله لا يفترقان ويتفقان في طريق البيع لترويج سلعتهم ويدلون بها على الناس طوال اليوم، والقليل من الليل ليسدوا من خلال عملهم الفراغ الذي يتركه آباؤهم بدخلهم الضعيف لتعيش الأسرة مستورة الحال على الأقل.
موسم ذهبي للرزق
ويعتبر بائعو "المساويك"، شهر رمضان موسماً ذهبياً يسعون لاستغلاله والخروج منه بأوفر غلة، حيث يزداد الطلب عليها أكثر من غيرها من الشهور، فهم يعرضون بضاعتهم على أبواب الجوامع والمستشفيات، وفي الشوارع الرئيسية وأمام الأسواق والأماكن المزدحمة.
عبد الله ورفيقه إبراهيم هم من مجمل خمسين طفلا آخرين من أبناء الحديدة يستغلون موسم رمضان الذي يقبل الناس فيه على شراء واستخدام السواك بشكل واسع، يتوزعون على شوارع المحافظة وأسواقها المختلفة ومساجدها.
يقول إبراهيم لـ"الموقع بوست" إنه يبيع المساويك في رمضان ويجمع في اليوم بين 7 آلاف إلى 10 آلاف ريال "لأن في رمضان شغل كثير وبركة ونروح نفطر في المطعم ونرجع في الليل نبيع قليل".
يضيف إبراهيم وهو يلوك عود "الأراك" الذي يبيعه ويحمل حزمة في حضنه: "معنا أصحاب يروحوا يحفروا بعد المساويك في حريب بشبوة ونحن نبيع في السوق".
وعن أنواع المساويك التي يبيعها إبراهيم قال بلكنته الحديدية الجميلة: "نبيع القطم نبيع المطول ونبيع الحنش وهو أكثر ما يطلبه الزبائن".
وحسب إبراهيم فإن أسعار المساويك تختلف باختلاف جودتها وحجمها وطولها وتتنوع أسعارها بين 100 و 300 و500 وفي من ألف يكون بطول 30 سم، مشيرا إلى أن نوع "الحنش" هو أجود أنواع المساويك الأكثر طلباً والأغلى سعراً لحرارته المرتفعة ودقة عوده ونحافته، وفق تعبيره.
فهذه الأعمال الهامشية تنعش آمال الفقراء الكثير في البلاد خلال شهر رمضان وفي ظل ما تشهده البلاد عامة ومأرب خاصة من معيشة قاسية وسط الأسر النازحة التي لا يملك غالبيتها قوت يومها وسط ارتفاع جنوني لأسعار المواد الغذائية الأساسية.
شبوة.. الموطن الأصلي لعود الأراك
ويؤتى عود الأراك من الحفر في الأرض لقلع جذور شجرة الأراك من محافظة شبوة لتمر إلى تاجر الجملة الذي بدوره يبيعها بالتجزئة لتجاره الأطفال والباعة في الشوارع.
في حين قال الطفل عبد الله، وهو رفيق إبراهيم ومن قرية واحدة، لـ"الموقع بوست"، إنه يشتري الحزمة الواحدة التي تحتوي على خمسين عود سواك طويل بسبعة آلاف ريال من تجار الجملة للمساويك ويبيعها بقرابة 15 ألفا إلى 20 ألف ريال.
ويضيف عبد الله: "في رمضان أبيع أكثر من حزمة في اليوم بينما في الفطر أبيع الحزمة خلال 5 أيام وأكثر".
يشير عبد الله إلى أنه يجمع ربحه خلال الشهر ويرسل فلوسه التي تصل إلى 30 ألف إلى الحديدة لإعالة أسرته التي لا يكفيها دخل والده من الدراجة النارية التي يعمل عليها في الحديدة والتي تعد المحافظة الأكثر فقرا في اليمن.
تأثير كورونا
ولم يترك فيروس كورونا هذه التجارة رغم بساطتها خاصة بعد إغلاق منافذ البلد التي كانت تدخل عبرها المساويك إلى دول الجوار ويضطر البائعون اليوم إلى بيعها هنا في الداخل رغم ضعف المكاسب مقابل ما كان سيدخره التاجر من خلال البيع في السعودية، وأن مساويك اليمن المشهورة تتعدى العديد من الدول ويزيد الطلب عليها من دول كثيرة خاصة دول الخليج.
وفي هذا الشأن يتحدث محمد عبد الله، وهو تاجر المساويك بالجملة وأحد المنقبين عن جذور شجرة الأراك في شبوة، أن إغلاق المنافذ البرية بين اليمن والمملكة السعودية أثر على تجارته وخاصة في رمضان الذي يعد موسما زاهرا لتصدير وتهريب المساويك إلى السعودية للربح من ورائها الكثير من المال بالريال السعودي.
وأكد محمد أنه يضطر اليوم لبيع كل ما يحمله من مساويك في الداخل رغم قلة ما سيدخره مقابل مكاسبه من بيعها في السعودية "ولكنها الأوضاع تتقلب وكورونا أكمل الباقي"، حسب وصفه.
ويقول محمد عبد الله: "كنت أحصد الربح في السعودية 100 ريال سعودي إلى 150 ريال عن كل حزمة، بينما أبيعها في اليمن بعشرة آلاف ريال إلى سبعة آلاف".
ويضيف محمد أنه يضطر لبيع السواك في الطرق العامة بمأرب بعد أن يبيع للأطفال حزم السواك بالجملة، وذلك بسبب كورونا وإغلاق المنافذ لتوفير أكبر قدر من المال خلال الموسم المهم بالنسبة لتجار السواك، متابعا أن "هذا الموسم لن يتكرر إلا بعد عام ولزم عليهم الحركة بشكل أكبر لبيع ما يمكن بيعه".