[ طفلة مصابة بحمى الضنك تتلقى العلاج بأحد مشافي الحديدة ]
دفع اليمنيون ثمنا باهظا جراء الحرب التي يعيشونها منذ مارس/آذار 2015، تحمل الثقل الأكبر منه الأطفال، برغم أنهم لم يتسببوا بإشعال فتيل الصراع.
عانى أطفال اليمن طوال سنوات الحرب وحتى الآن من مختلف أشكال العنف، وتعرضوا لتجارب مريرة نسي الكثير منهم معها طفولتهم، ومن لم تقتله الحرب اختطفته الأوبئة.
الموت قتلا
منذ بدء الحرب وحتى اليوم، سقط المئات من الأطفال في اليمن بين قتيل وجريح، إما بسبب استهداف الحوثيين للمدنيين، أو صواريخ التحالف العربي التي تضرر بسبب بعضها السكان.
تقول الأمم المتحدة في تقريرها الأخير، إن أكثر من نصف قتلى الصراع في اليمن من الأطفال والنساء.
بينما أكدت منظمة الصحة العالمية، أن الحرب أوقعت، على مدار الأربع السنوات الماضية، حوالي 10 آلاف قتيل غالبيتهم من المدنيين بينما أصيب أكثر من 60 ألف شخص، في حين تقول منظمات حقوقية مستقلة إن عدد القتلى الفعلي قد يبلغ خمسة أضعاف ذلك.
خلال سبتمبر/أيلول الماضي فقط، قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة والأمومة "يونيسيف"، إن 22 طفلاً قتلوا وأصيب 39 آخرون على أيدي "أطراف النزاع المختلفة" في اليمن.
وتتهم الشبكة اليمنية للحقوق والحريات الحوثيين بقتل أكثر من 3 آلاف و800 طفل منذ مطلع 2015، وحتى نهاية أغسطس/آب الماضي.
وحسب البيان، تسببت الجماعة بإصابة 5 آلاف و357 طفلا، وإعاقة 164 طفلا إعاقة دائمة جراء المقذوفات العشوائية على الأحياء السكنية المكتظة بالأطفال.
وبحسب وزيرة الشؤون الاجتماعية ابتهاج الكمال، فقد أدت الألغام التي زرعتها جماعة الحوثي بشكل عشوائي، إلى مقتل وإصابة حوالي 800 طفل.
من جهتها، تحمل وزارة الصحة في حكومة الحوثيين التحالف العربي بالتسبب في قتل وجرح 7200 طفل، وأكثر من 800 آخر معاق نتيجة القصف المباشر لطيرانهم.
تجنيد
يُشكل تجنيد الأطفال أحد أبرز الملفات المؤرقة، كونه ما زال مستمرا حتى اليوم. وثق التحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الإنسان (تحالف رصد) 5113 حالة تجنيد للأطفال خلال الأربع السنوات الماضية.
وبحسب المدير التنفيذي للتحالف مطهر البذيجي، فإن أولئك المجندين يتعرضون للعديد من الانتهاكات الجسيمة كالاختطاف والعنف والتجنيد الإجباري من قبل الحوثيين.
الشبكة اليمنية للحقوق والحريات قالت إن الحوثيين جندوا نحو 12 ألفا و341 طفلا، وزجوا بهم في جبهات القتال.
وتم فرض التجنيد الإجباري، وهو ما حذرت منه الحكومة التي قالت إن خطوة الحوثيين تلك التي تستهدف طلاب المدارس الثانوية والجامعات، هو مخطط تجريف العملية التعليمية، وتخريج جيل من الأميين يسهل السيطرة والتأثير عليهم، وفق وزير الإعلام معمر الإرياني.
نزوح
نزح طوال فترة الحرب آلاف اليمنيين من مناطق الصراع إلى أخرى داخل البلاد أو خارجها، بحثا عن الأمان والاستقرار.
تكرر نزوح الكثير من الأسر مرارا، بسبب اختلاف وتوسع رقعة الصراع من حين لآخر، ما أدى إلى مضاعفة معاناة النازحين الذين واجهوا ظروفا غاية في الصعوبة، خاصة الأطفال الذين حرموا بسبب ذلك من التعليم.
وأجبرت كثير من الأسر على النزوح، وتقول الشبكة اليمنية للحقوق والحريات، إن الحوثيين تسببوا بتهجير 43 ألفا و608 أطفال آخرين.
ويقدر عدد الأطفال النازحين، وفق المدير الإقليمي لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تيد شيبان، أن حوالي مليوني طفل نزحوا من اليمن إلى جزء آخر في البلاد.
حرمان من التعليم
تعددت أسباب حرمان الأطفال من التعليم، إما بسبب التجنيد، أو الإصابات البالغة، أو النزوح، وتدمير عشرات المدارس، فضلا عن البيئة التي خلقها الصراع في بعض المناطق ما جعلها غير آمنة.
تؤكد وزيرة الشؤون الاجتماعية ابتهاج الكمال إن 4.5 ملايين طفل تسربوا وحرموا من التعليم منذ انقلاب مليشيات الحوثي أواخر العام 2014 بسبب قصفها للمدارس وتحويلها إلى ثكنات عسكرية.
وتتهم الكمال الحوثيين، بالسعي إلى تعطيل العملية التعليمية والاستفادة من الأطفال في التجنيد والزج بهم في جبهات القتال، إضافة إلى وضع مناهج تدعو للطائفية والكراهية وتهدد النسيج الاجتماعي.
وأشارت إلى أن الحوثيين انتهجوا أساليب إرهابية ومارسوا أبشع الانتهاكات بحق الأطفال في اليمن، وعملوا على حرمانهم من كافة الخدمات التي كفلتها القوانين والمبادئ الدولية وزجوا بهم في المعارك وأجبروهم على التجنيد وحالوا دون التحاقهم بالتعليم.
الجوع والأوبئة
تذكر منظمة الصحة العالمية أن أربعة ملايين طفل يمني ولدوا خلال سنوات الحرب، وهم لا يعرفون كيف تبدو الحياة بدون صراع.
وانتشرت خلال فترة الحرب بسبب تدهور الأوضاع الإنسانية والصحية المختلفة، الكثير من الأمراض والأوبئة أبرزها الكوليرا وحمى الضنك والحميات التي حصدت أرواح العشرات.
وبحسب اليونسيف، فإن حوالي مليوني طفل في اليمن يعانون من سوء التغذية الحاد، من ضمنهم نحوَ 360 ألفاً دون سن الـ5 سنوات يعانون من سوء التغذية الحاد جدّاً، وهم يصارعون من أجل البقاء على قيد الحياة.
أخيم شتاينر، ممثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن، أعلن عن موت طفل تحت سن الخامسة كل 12 دقيقة في بلادنا، بسبب الأزمة الإنسانية الناجمة عن الحرب.
وتؤكد اليونسيف أن هناك أكثر من 12 مليون طفل في اليمن، بحاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة.
عمالة الأطفال
تزايدت حالات عمالة الأطفال في اليمن عقب اندلاع الحرب بشكل كبير، خاصة مع وفاة عائل الأسرة، وزيادة الضغوط المادية بسبب ارتفاع الأسعار والتدهور الاقتصادي المستمر.
بحسب وزيرة الشؤون الاجتماعية ابتهاج الكمال، فإن الحرب التي سببتها مليشيات الانقلاب وفقدان معظم الأسر لعائلها وانهيار الأوضاع الاقتصادية حول أكثر من مليوني طفل إلى سوق العمل ويقومون بالأشغال الشاقة لإعالة أسرهم.
أما تحالف رصد، فيتحدث عن تسرب حوالي مليوني طفل من التعليم، ليذهبوا إلى العمل بسبب الظروف الاقتصادية التي تسبب بها انقلاب الحوثيين عام 2014.
فرص محدودة للمساعدة
يعيش الأطفال في ظل واقع نفسي مرير وحرمان من مختلف حقوقهم، ما جعل الناشطين غير قادرين على تخفيف معاناتهم بشكل كبير، جراء استمرار الحرب التي تلقي بظلالها على تلك الشريحة المهمة في المجتمع.
تقول الناشطة المجتمعية إيمان عبد القادر إنهم يحاولون استغلال المناسبات المتعلقة بالأطفال كيومهم العالمي الذي صادف العشرين من الشهر الجاري، لكن ذلك لا يفي بالغرض.
وأوضحت لـ"الموقع بوست" أن المناسبات ليست كافية لحل مشكلة ملايين الأطفال في اليمن، فهناك أولويات أخرى كثيرة تنافس.
وبحسب إيمان فإن محاولاتهم القيام ببرامج لحل مشكلات الأطفال النفسية لا تكفي ولا تطبق أغلبها، بسبب استمرار الظروف الصعبة التي فرضتها الحرب.
وأكدت أن الحل لإنهاء معاناة كل أولئك الأطفال، هو توفير بيئة آمنة ومستقرة يعيشون فيها، وهو ما يعني عدم وجود حرب، ووجود أسرة متماسكة تحرص على أبنائها، ودولة تسعى لتوفير حقوقهم.
يُذكر أن المدير الإقليمي لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تيد شيبان، أعلن مؤخرا بمناسبة مرور 30 عاما على اتفاقية حقوق الطفل، أن 80% من إجمالي سكان اليمن البالغ عددهم 30 مليون نسمة، هناك 12.3 مليون طفل يفتقدون حاجة من الحاجات الأساسية نتيجة الصراع القائم.
وهناك اتهامات عديدة لمختلف الأطراف في اليمن بعدم الالتزام بوعودهم تجاه الأطفال. وفي الوقت ذاته تؤكد الحكومة على أهمية توحيد الجهود والعمل الجماعي لدعم أطفال بلادنا، داعية لمنظمات الدولية الخاصة بحقوق الطفل إلى تكثيف الجهود ودعم البرامج والمشاريع الخاصة بالأطفال ومساندة جهودها في هذا المجال.