[ وحدات من اللواء 35 مدرع بتعز - أرشيف ]
لم يكن الصحفي كمال البنا يتوقع أن مصيره سيكون السجن، حين قرر قبل شهر مغادرة صنعاء متجهًا صوب تعز، المحافظة التي ينتمي لها، من أجل تنفيذ مجموعة أفكار لتقارير مصورة، كان ينوي إنجازها من مناطق متعددة في ريف تعز، لصالح "العربي الجديد"، الموقع الإخباري الذي يساهم فيه البنا بمواد مرئية من اليمن.
ملاحقة الصحفيين
باشر البنا، بعد أيام قليلة من وصوله، أولى جولات التصوير في منتزة العين بمديرية المواسط، جنوب تعز، وهي ذات المنطقة التي ينتمي لها. ولم يشعر وهو يشهر عدسته لالتقاط بعض المشاهد داخل المنتزه بالقلق الذي كان يعتريه أثناء قيامه بالتصوير خلسة في صنعاء، فقد ظن أنه سيحظي بالأمان الكافي أثناء مزاولته لمهنته في ريف تعز الجنوبي، الخاضع لسلطة الحكومة الشرعية، لكنه فوجئ بمشهد لثلاثة جنود وهم يهرعون إليه، وفي لحظة مباغتة، ودون تساولات، انتزعوا منه الكاميرا، وكبلّوا يديه، ثم ألقوه في الطقم (عربة عسكرية)، وأخذوه مغادرين صوب مقر معسكر اللواء 35 في منطقة العين بمديرية المواسط.
عرضه الجنود على مدير الموقع، الذي وجّه بإيداعه السجن، بعد أن أخبروه بأن كمال كان يقوم بالتصوير لصالح الحوثيين، ألصقوا له هذه التهمة اعتباطًا دون تحقيق معه، ودون أن يطّلعوا على محتوى المادة المحفوظة بالكاميرا خاصته، ولم يسمحوا له بالكلام أو الدفاع عن نفسه.
اعتقال تعسفي
أودعه الجنود في زنزانة ضيقة، داخل سجن اللواء بمنطقة العين، بعد أن جردوه من كل مقتنياته. ظل البنا معتقلاً ثلاثة أيام دون علم عائلته، وفي اليوم الرابع سمحوا له بالاتصال، ليفرجوا عنه بوساطة وتعهد خطي التزم به بألا يعود للتصوير ثانية. احتجزوا الكاميرا مدة أسبوع بعد خروجه. أعادت قيادة المعسكر الكاميرا للصحفي البنا بعد ضغوطات من أعيان عزلته، الذين نزلوا محتجين إلى مقر معسكر اللواء في منطقة العين.
"لا فرق بينهم وبين الحوثيين، كلهم مليشيات"، يبدي كمال خيبته بهذه الكلمات، فهو لم يكن يتوقع هذا المصير في تعز، المحافظة الخاضعة للجيش الوطني، وسلطة الدولة الشرعية. يستدل البنا بالموقف الذي تعرض له كصحفي، في مناطق الشرعية، ليؤكد أن الحرب ستطول. ويقول إن تعز لن تتحرر طالما أن جيشها ينتهج سلوكا غير مسؤول، ومشابها لما يقوم به الحوثيون في ملاحقة الصحفيين.
تعسف وابتزاز
ويشكو الكثير من المواطنين، في الحجرية والشمايتين والمواسط، من استفزازات عناصر اللواء 35 الذي يسيطر على هذه المناطق وأجزاء واسعة من الريف الجنوبي والغربي لتعز، فالممارسات التي يقوم بها أفراد اللواء في النقاط والمداخل الجنوبية لتعز لا تختلف كثيرًا عن السلوكات التي تقوم بها مليشيات الحوثي في مناطق سيطرتها شرقي المدينة، بحسب إفادة المواطن عبد الغني عارف، المنتمي لمنطقة الجبزية، مديرية المعافر.
يشكو عارف من تعسف النقاط التابعة للّواء 35 مدرع، والمرابطة في مداخل المحافظة، ويشير إلى سوء الإجراءات المتبعة في التفتيش بتلك النقاط، ذلك أنهم يجبرون المسافرين على إنزال "العفش" (المقتنيات) من السيارات، وإفراغ المحتويات ثم إعادة ترتيبها وموضعتها من جديد، الأمر الذي يكلف المسافرين مشقة بالغة، ويأخذ من وقتهم الكثير، ويعرضهم للإذلال سيما النساء اللاتي يضطررن إلى النزول والانتظار في العراء ريثما تنتهي عملية التفتيش التي تأخذ وقتا أطول.
"لا يختلف هذا الأسلوب عن نهج الحوثيين كثيرًا" يقول عارف بسخط، وعلى الرغم من ولائه للجيش الوطني وللدولة بتعز، فإنه يعترض على ممارسات الجيش التي لا تختلف عن سلوك المليشيات في شيء. يقول إن عناصر اللواء 35 مدرع، منّا، لكنهم باتوا يمارسون البطش أكثر من الحوثيين، ويشير إلى أنه لا يمتدح الحوثيين بقوله هذا، لكنه غاضب لتشابه سلوك الجيش الوطني مع سلوك الحوثيين في البلطجة والابتزاز.
نهج مليشيات
يشير عارف إلى أن عناصر النقطة التابعة للواء 35 مدرع، الواقعة في نقيل يافوق بمنطقة حورة، سامع، عندما كان مسافرًا إلى صنعاء، أجبروا سائق السيارة التي كان يستقلها عارف مع مسافرين آخرين على العودة بسبب وجود أربع "دباب" (عبوات 20 لترا)، تحتوي على مادة البترول، يملكها سائق السيارة الذي كان يخزّنها للاستخدام الاحتياطي، حد وصفه. اتهموا السائق بتهريب البترول لصالح الحوثيين، يقول عارف، حين علموا أن هناك أزمة بترول في صنعاء قبل أسبوعين من الآن.
اضطر السائق حينها للعودة، وقد لجأ إلى إيداع تلك العبوات لدى أحد معارفه. ويوضح عارف أنهم سلكوا طريقًا آخر للعبور صوب دمنة خدير، متجشمين عناءً مضاعفًا بعد تفاديهم العبور من ذات المكان تجنبًا لحدوث مشاكل إضافية مع عناصر النقطة.
متاجرة وارتزاق
من ناحية أخرى، كشف الرائد عبد الحكيم هزاع لـ"الموقع بوست" عن صفقات مالية تتخلل المعارك التي يخوضها اللواء 35 مدرع، ضد الحوثيين في جبهة الصلو.
وبحسب هزاع، المنتمي لذات اللواء، فإن قيادة الجبهة حين تقرر التقدم أو استعادة مواقع من يد الحوثيين، تقوم بعقد صفقات مالية مع مليشيات محلية غير تابعة للواء، وتجري العملية بالتفاوض مع تلك المليشيات على مبالغ مادية معينة تدفع لها مقابل قيامها بالاشتباك مع الحوثيين، واستعادة "تلال" خسرها اللواء، أو التوغل في مساحات جديدة كانت خاضعة لسيطرة الحوثيين. ويشير الرائد هزاع إلى أن المهمة تكون محددة بمدة زمنية، وفي مرات تأتي جماعة محلية أخرى لتواصل ما بدأته سابقتها، التي يكون قد انتهى التعاقد معها.
ويوضح هزاع أن هذه المليشيات، هي جماعات محلية مرتزقة، لا تتبع أي لواء رسمي، وتقاتل بسلاحها الخفيف، وهي محسوبة على المقاومة المحلية، ولا يتجاوز عدد أفرادها الخمسين، الذين غالبًا ما يتبعون قيادات شعبية معينة، يتسلمون منها أجورا مالية بقدر ما تتسلم هي من قيادة الجبهة التابعة للواء 35 مدرع.
جنود وهميون
يقول هزاع إن اللواء 35 مدرع لا يدفع بأفراده في مواجهة مباشرة مع الحوثيين، ويستعين بتلك الجماعات، وهذا ما يفسر حالة التأرجح في المواجهات، فالمناطق التي يستعيدها اللواء يخسرها في اليوم التالي، وهكذا تستمر المتوالية العبثية للكر والفر، وكل المعارك التي يخوضها اللواء في جبهة الصلو هي من هذا القبيل.
ويشير الرائد هزاع إلى ضلوع بعض القيادات في اللواء 35 في قضايا فساد، تتمثل في سماح هذه القيادات لبعض الجنود بالتغيّب، مقابل الحصول على نصف رواتبهم، بناءً على اتفاق بينهم، ويقول هزاع إن هذا الأمر تطور ليصبح ظاهرة، مؤكداً معرفته بالكثير من الجنود المنتسبين للّواء في الكشوفات فقط، بينما تصلهم الرواتب إلى البيوت.
احتقان وتوتر
وتشهد مناطق الريف الجنوبي لتعز توترا أمنيا وعسكريا، إذ تعتبرها قيادة اللواء 35، تابعة لها، وترفض أي تواجد عسكري لألوية أخرى في هذه المناطق، وقد سبق أن اعترضت قيادة اللواء 35 مدرع، على قرار قيادة محور تعز الذي قضى بإنشاء لواء عسكري جديد تابع لها في التربة تحت مسمى "اللواء الرابع مشاة جبلي"، وهي المدينة الواقعة ضمن نطاق سيطرة اللواء 35، وهو الأمر الذي حدا بقيادة الأخير إلى الرفض، وعلى خلفية ذلك وقعت أحداث التوتر بين اللواء 35، واللواء الرابع مشاة في سبتمبر من العام الماضي.
وتشهد أرياف الحجرية حاليًا موجة استقطاب حادة، وتحشيد تحت إشراف قيادات تنمي للحزب الناصري الذي يجد عمقه في تلك المناطق، ويمضي في التعبئة دون هوادة مستندًا إلى قوة اللواء 35 مدرع، على اعتبار هذا الأخير بمثابة الذراع العسكري لتكتل اليسار الناصري، ومن هذا المنطلق تُعدّ قيادة اللواء 35 مدرع لمواجهة محتملة مع ألوية محور تعز، التي تتهمها بالتبعية لحزب الإصلاح.