[ الأمين العام للمجلس المحلي في إب يضع حجر الأساس للمشروع مع مسؤول الهجرة الدولية ]
رفض شعبي عارم تجاه قرارات جماعة الحوثي بمحافظة إب (وسط اليمن) توطين الأفارقة، في الوقت الذي تعاني فيه المحافظة من تردٍّ وانهيار الخدمات العامة بشكل لم يعرفه المواطنون في مختلف المديريات، وباتت مشكلة انعدام المياه وبيعها في السوق السوداء بمبالغ خيالية هما يؤرق السكان وتثقل كاهلهم، بينما ذهبت جماعة الحوثي بعيدا عن حل مشاكل المواطنين وهمومهم، واستجلبت مشكلة تتعلق بتوطين الأفارقة في عاصمة المحافظة، حيث يعتبرها أبناء إب خطرا يهدد الحاضر والمستقبل.
في العاشر من يوليو الجاري، وضع الأمين العام للمجلس المحلي بمحافظة إب أمين علي الورافي، ومعه مسؤولون من جماعة الحوثي وبمعية رئيس منظمة الهجرة الدولية ديفيد بيركت، حجر الأساس لمشروع إيواء الأفارقة بمدينة إب بعد لقاء عقد بمبنى المحافظة لمناقشة تنفيذ المشروع.
رفض واسع
وقوبل المشروع الذي تعتزم منظمة الهجرة الدولية تنفيذه برعاية سلطات الحوثي بمحافظة إب برفض مجتمعي واسع عقب تداول الخبر عبر وسائل الإعلام الحوثية ومواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، وأثار المشروع غضبا واستياءً محليا، نظرا لما يعتبره الأهالي تبعات كارثية لمثل هكذا مشاريع.
وبحسب مصادر محلية استطلع رأيها "الموقع بوست"، فإن كلفة المشروع والأرض التي سيقام فيها وما جرى خلف الكواليس تقف خلفه مساعٍ حثيثة بهدف التربح المادي والمتاجرة بقضية الأفارقة، فضلا عن مكاسب أخرى.
أراضٍ وأموال باهظة
وأكدت المصادر بأن مساحة أرضية المشروع المزمع تنفيذه في منطقة "عسم" شمال مدينة إب تبلغ 20 ألف متر مربع، وتقدر قيمتها بعشرة ملايين دولار، بينما بلغت تكلفة المشروع أربعة ملايين دولار، وتلك مبالغ فتحت شهية القيادات الحوثية والسلطات المحلية للموافقة على المشروع، في حين تسعى قيادات حوثية أخرى لتحقيق أجندات أخرى من المشروع ليست مالية.
لوحة حجر الأساس للمشروع بعد هدمها عقب الرفض الشعبي
استقطاب مقاتلين
وكشفت المصادر عن بعض تلك الأهداف الخفية للمشروع، وذلك من خلال سعي الحوثيين لجلب المهاجرين الأفارقة إلى مدينة إب من المحافظات الجنوبية والتي يتدفق إليها اللاجئون الأفارقة بشكل كبير، ومن ثم استقطاب مقاتلين منهم وتدريبهم والزج بهم إلى جبهات القتال الحوثية، خصوصا مع الخسائر البشرية التي تتلقاها الجماعة في مختلف جبهات القتال، وباتت عمليات التحشيد لتلك الجبهات أصعب من أي وقت مضى.
احتجاز أفارقة ورفض ترحيلهم
وتواصل جماعة الحوثي احتجاز أكثر من 130 مهاجرا غير شرعي قدموا من أثيوبيا والصومال بهدف الوصول إلى بلدان الخليج عبر اليمن، وتم إيداعهم السجن المركزي بمدينة إب.
وكشفت مصادر في إصلاحية السجن المركزي عن احتجاز العديد من الإفريقيات في السجن المركزي، ويبلغ عددهن أكثر من 80 سجينة، ويعشن ظروفا وأوضاع صعبة داخل السجن، وبعضهن يعانين من أمراض مزمنة.
وقالت المصادر لـ"الموقع بوست" إن استمرار احتجاز المهاجرين الأفارقة ورفض الإفراج عنهم منذ أشهر عدة بهدف الضغط على المنظمات الدولية لافتتاح مخيم للاجئين الأفارقة، والتكسب المادي من خلال المشروع الذي تسعى السلطات المحلية الخاضعة لسيطرة الحوثيين للتكسب من خلاله، وتحقيق أهداف عدة لجماعة الحوثي التي تحكم قبضتها على المحافظة منذ قرابة خمسة أعوام.
لاجئات أفارقة في محافظة إب
وما بين مبالغات العدد الذي يحتويه المركز والتي تحدثت عن مئة ألف لاجئ، وما بين التقليل منه يبقى العدد الحقيقي غير معروف، لكن مصادر مطلعة أكدت بأن الآلاف من اللاجئين يعتقد بأن المركز يمكن أن يحتويهم، ولم تتحدث السلطات المحلية عن أي عدد يمكن أن يستهدفهم المشروع.
أسباب ومخاوف
الأسباب الرئيسية التي دفعت الأهالي لرفض المشروع هي مخاوفهم المتصلة بالجانب الأمني الذي يعاني في أساسه من الهشاشة وغياب الدولة، فضلا عن تخوف الأهالي من الأعداد الكبيرة للاجئين وتحولهم لبيادق ومرتزقة تستخدمها أي أطراف وتجر الحرب إلى المحافظة التي تحاول تجنب تبعات الحرب التي تشهدها محافظات أخرى.
ويتخوف المواطنون من زيادة الضغط على المحافظة في الجانب الخدماتي والذي يتدهور بشكل متسارع خصوصا في مشاريع المياه، وفي حال تواجد مركز إيواء للأفارقة وتوطين لهم سيشكل ضغطا إضافيا يفاقم المعاناة التي يكتوي بها أبناء مدينة إب.
ردود غاضبة
وضجت مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة بردود غاضبة ورافضة تنفيذ المشروع، وأغلبها جاء من أبناء المحافظة، وقالت الكاتبة الصحفية والروائية اليمنية فكرية شحرة إن إقامة معسكر إيواء للاجئين الأفارقة في إب يعكس تستر الحوثيين تحت لافتة إنسانية باقامة معسكر بعد أن انتهى شباب إب بين قتيل وطريد وشريد.
وأضافت: "المدينة المسالمة في غنى عن هذا المستقبل الأشد سوادا مع قلة الموارد وشحة المياه والغلاء الفاحش".
جماعة الحوثي وافقت على افتتاح المشروع بالتنسيق مع الهجرة الدولية
رئيس التحالف الشبابي لقوى الثورة بإب سابقا وليد الجعور قال بأن قرار افتتاح مراكز إيواء للأفارقة بالمحافظة يعد قرار إبادة بحق أبناء المحافظة، ومتاجرة بحياتهم، وتعريضهم لأخطار بالغة السوء في ظل هشاشة المنظومة الأمنية والاستخباراتية والتعليمية والصحية وسوء الإدارة المحلية وبدائية المنظمات المحلية، وارتفاع نسبة الأمية في المحافظة، ناهيك عن غياب الدولة، وحالة اللاستقرار في الدولة، وإدارتها عبر مليشيات مسلحة، وتدهور الاقتصاد وغياب الرواتب وانعدام الخدمات، ورداءة البنية التحتية، وارتفاع نسبة الفقر.
وأضاف الجعور بالقول: "إن هذا القرار تقف خلفه أيادي مرتزقة فاسدة، تقتات من حياة الناس وتغتيال مستقبلهم، وهذا القرار يمثل جريمة غير مسبوقة بحق أبناء محافظة إب بكل أطيافهم".
أبعاد خطيرة
وعن أبعاد قرار توطين وأيواء الأفارقة قال الجعور: "هذا التوجه نحو بناء مخيمات للاجئين الأفارقة في محافظة إب له أبعاد خطيرة ونتائج كارثية على أمن المحافظة وسلامة أبنائها".
واعتبر أن إقامة مشاريع توطين الأفارقة موضوع أخطر من أن يعالج برفض إعلامي أو تعليق عابر، ويتطلب وقفة جادة من كل المجتمع ونخبه بعيدا عن المكايدات السياسية والمصالح الضيقة، فمحافظة كمحافظة إب ليست ساحلية ولا حدودية، وموضوع الأفارقة يطوي في طياته على مؤشرات فساد أكبر مما نتوقعه، وفق حديثه.
معسكر للحصول على مرتزقة
الكاتب الصحفي محمود ياسين اعتبر المشروع إقامة معسكر للحصول على مرتزقة، حيث قال: "لا يتطلب الأمر دهاء لإدراك الدافع الحوثي في توطين الأفارقة بإب، ولا شأن للجانب الإنساني هنا بقدر ما هو إجراء وقائي أمني عسكري، الحصول وبتمويل أممي على مرتزقة وأداة لترويع المجتمع المحلي وهذا ليس مخيما للاجئين، إنه معسكر في منطقة التماس".
وأضاف ياسين: "في حالات كثيرة ومشابهة تحولت الأداة لمخلب بوجه من استخدمه، وستتمكن أجهزة استخباراتية خارجية من اختراق هذه المجاميع وتوظيفها في معركة يحتاج كل طرف فيها لأداة من خارج المجتمع المحلي، وسيتم توزيع الأسلحة مع الأدوية والطعام، ولقد أفصح هذا الإجراء عن عقل مريض لا يزال يتعامل مع إب بوصفها الكتلة السكانية التي يجب ضمان خضوعها بسلاح قطاع الطرق ومنحهم إقطاعيات يدافعون عنها ويظلون في انتظار الأوامر القادمة من صنعاء".
المعاملة بإنسانية
ودعا ياسين في مقال له نشره على صفحته في موقع فيسبوك لمعاملتهم بإنسانية بعيدا عن المتاجرة بمعاناتهم، وقال: "إنهم لاجئون وحقهم التواجد في اليمن والحصول على مساندة أممية والبقاء بكامل حقوقهم وحسهم بالكرامة وحتى فرصة العمل فلسنا خليجيين على أية حال، لكن في اليمن، وليس تجميعهم في منطقة واحدة بهدف إعدادهم واستغلال ظروفهم السيئة وهربهم من الموت ليتحولوا لموت يلاحق ما تبقى من حياة المدينة".
واعتبر المشروع وإجراءته والمبلغ التمويلي الكبير يفصح عن الإعداد لمعسكر يضم قطيعا من الذئاب الجريحة والمطاردة والقابلة للتوجيه، وفي حالة كهذه سيتوجه الأفارقة لاحقا بأوامر من يدفع أكثر، حد قوله.
وختم ياسين بالقول: "العقل الشرير هو من يجعل الضحايا شرورا كامنة في أكباد الأوطان وعبوات مفخخة في مستقبله، وأنت لا تبدو مفهوما أمميا ولا محليا إذ تعمد لتوطين هذا الحشد الهائل في وطن غير مستقر أصلا ويصدر اللاجئين، ثمة ما هو مريب وقد يكون فخا أمميا اجتذبوا إليه الحوثيين بغواية التحكم بعدد كبير من المقاتلين وأيضا إغراء الأرباح المالية من الإشراف على عملية التوطين بينما هو في الحقيقة زراعة جيش في خاصرتك".
الأمين العام للمجلس المحلي في إب مع ممثل الهجرة الدولية
تجميد للقرار ومراوغة
وبعد الضجة التي قوبل بها مشروع توطين الأفارقة، لجأت السلطات المحلية الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي للإعلان عن تجميد القرار، بينما اعتبره الأهالي مراوغة جديدة لمطالب أبناء إب بإلغاء القرار.
وقال الصحفي إبراهيم البعداني إنه تم تجميد القرار الخاص بإنشاء مخيم إيواء اللاجئين الأفارقة والمطلوب إصدار قرار إلغاء وليس تجميد، بينما طالب الناشط سمير حسن أبلان بكشف نص الاتفاقية التي وقعت مع المنظمة الدولية للهجرة، وهل بنودها تتوافق مع الدستور والقوانين اليمنية، معبرا عن رفضه للمشروع جملة وتفصيلا.
مدير مكتب مدير البحث الجنائى بمحافظة إب قال بأن "غضبا عارما اجتاح محافظة إب عقب ساعات من نشر خبر عن وضع حجر الأساس لبناء دار إيواء في مدينة إب للمهاجرين الأفارقة الغير شرعيين وإعادتهم لبلدانهم طواعية والتي تمت برعاية محلية ورسمية وبدعم منها فيما ما يخص الأرض، بينما منظمة الهجرة الدولية تعهدت بمبلغ البناء وقدرت تكلفة الأرض والبناء بملايين الدولارات، وهذا ما آثار وعزز من غضب الجميع ورفض المشروع جملة وتفصيلا.
استفتاء شعبي
واعتبر إسكندر ذلك الغضب وردود الأفعال الساخطة والرافضة والساخرة والمستنكرة لتلك الخطوة استفتاءً شعبيا كبيرا رافضا لذلك المشروع، مطالبا بإعادة النظر بشأنه والاستفادة من المنحة المالية ممثلة بالدعم الدولي لهذا المشروع الذي اعتبره بالغير موفق.