[ مقاتلون من الجيش اليمني في الحديدة - أرشيف ]
مع كل فشل جديد لمحاولات العودة إلى طاولة المفاوضات التي تقوم بها الأمم المتحدة سواء تلك التي تمت من قبل المبعوث الأممي السابق إسماعيل ولد الشيخ أو هذه المحاولة الأخيرة التي قام بها المبعوث الأممي الجديد مارتن جريفيث، يكون الميدان هو الخيار الذي تلجأ إليه الشرعية وتحديدا التحالف العربي، وذلك بهدف الضغط على الحوثيين للذهاب نحو التفاوض.
ولكن في العادة وخلال الفترات الماضية كانت تلك الخيارات تصل إلى طريق مسدود، ربما لتعنت جماعة الحوثي أكثر أو لعدم قدرة التحالف على تحقيق نصر يكون بمثابة الضغط، وربما هناك خيارات وعوامل كثيرة تبدو محشورة بهذا الشأن.
اليوم وبعد فشل جنيف بنسخته الثالثة الذي كان من المفترض أن يعقد في الـ 6 من سبتمبر الجاري، كان الهدف الرئيسي من هذه الجولة بناء الثقة بين الأطراف المتحاربة اليمنية، ونقاط تتعلق بمسألة الإفراج عن المعتقلين والأسرى السياسيين.
لم ينعقد اللقاء بسبب عدم وصول الحوثيين إلى جنيف، وهو الوصول الذي تحول إلى نقطة جدل، وإلى مساحة لتبادل الاتهامات، بدأت باتهام الشرعية مليشيات الحوثيين بمساعيها لإفشال المفاوضات وتأخرها عن الوصول وتعنتها في ذلك، وامتدت تلك الاتهامات لتطال المبعوث الأممي مارتن جريفيث من قبل الشرعية التي اتهمته بمراضاة الحوثيين في حديثه في مؤتمره الصحفي الذي عقده في جنيف، وأنه لم يشر إلى الحوثيين مباشرة واعتبارهم الطرف المعرقل.
بعد هذا التطور، أعلن المبعوث الأممي أنه سيعود بجولة سياسية إلى المنطقة بهدف النقاش والاتفاق على استئناف التفاوض غير محدد بزمان ومكان التفاوض القادم.
التحالف والخيار العسكري
أما التحالف العربي، فقد قرر خيار التصعيد العسكري، معلنا استئناف معركة الحديدة، وبدأ التحالف باستئناف عملياته العسكرية بشكل مكثف ومرعب، ومنذ أسبوع تشن طائرات التحالف غاراتها على مناطق عدة في الحديدة وصعدة، مخلفة ضحايا أغلبهم مدنيون.
على مدى الأسبوع ظل البعض يطرح بأن يكون تجدد القتال في الحديدة بمثابة ورقة ضغط على الحوثيين، للعودة إلى المفاوضات، ولكن السؤال الذي قرر "الموقع بوست" البحث عن إجابات له هو: هل فعلا معركة الحديدة هي بمثابة ورقة ضغط على الحوثيين وهل ستنجح هذه المحاولة مرة أخرى بعد أن فشلت في نهم مرات عدة وفشلت أيضا في الحديدة خلال الفترات الماضية القريبة؟
اقرأ أيضا: محللون لـ "الموقع بوست": عوامل عديدة وراء فشل مشاورات جنيف (تقرير خاص)
الاعتقادات التي ترى أن تكون معركة الحديدة هي ورقة ضغط وليس عملية تحرير من أجلها إضعاف الحوثيين وكسر شوكتهم تدور حولها أفكار وتقف خلفها أهداف تؤكد بحسب بعض الشواهد أن المعركة ليست كذلك وإنما هناك أهداف أخرى في إطار التحالف العربي، وخصوصا لدولة الإمارات التي ظهرت أهدافها بشكل واضح والتي تؤكد أن عيونها على البحر وعلى الموانئ، ولذا قد تكون عودة معركة الحديدة في هذا السياق لا أقل ولا أكثر.
رسالة أبو ظبي .. بعد آخر
الاعتقادات التي تشير إلى أن الحديدة ورقة ضغط، أكدتها اليوم دولة الإمارات في رسالة وجهتها إلى مجلس الأمن الدولي، حيث أكدت الإمارات في الرسالة على مضي التحالف في دعم جهود المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن، تماشياً مع القرارات الأممية والمبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني.
وأكدت الرسالة على إيمان التحالف بأهمية الانخراط في العملية التفاوضية السياسية لإحراز السلام والأمن في اليمن، وشددت على أن الإجراءات العسكرية يجب أن تكون آخر الخيارات من وجهة نظر التحالف، إلا أن تحرير الحديدة أصبح أمراً ضرورياً من أجل ضمان انخراط الحوثيين ثانية في محادثات السلام.
وعما إذا كان هذا التقدير صائب وستنجح هذه المحاولة من جديد، يبدو أولا من خلال خطاب الحوثيين أنهم سيواصلون صراع الإرادات مع التحالف، وأنه لا يمكن لهم أن يخضعوا للذهاب إلى الطاولة عبر الحديدة، ولكن ولأن الرسالة هذه موجهة من قبل الإمارات فإنها تؤكد مساعي أبو ظبي نحو البحر والموانئ وتريد استغلال المعركة والفشل للمفاوضات بما يضمن لها أهدافها الخارجة عن إطار التحرير والخارجة عن الشرعية.
الناطق باسم الحوثيين: لا استسلام
في تغريدة له كتب محمد عبد السلام، الناطق الرسمي باسم جماعة الحوثيين، قال فيها: "خلاصة لقاء مسقط مع المبعوث الدولي مسار سلام متعثر وقيود اقتصادية وأزمة إنسانية متفاقمة، وأسرى ومعتقلون، وأمّم متحدة عاجزة عن فعل شيء بسبب الغطاء الأمريكي الداعم لاستمرار العدوان والحصار باعتبار حرب اليمن بنظر واشنطن سلعة تجارية لتوفير المال وتمرير صفقة القرن".
ضغط في حالة واحدة
وفي حين استبعدت الحاصلة على جائزة نوبل للسلام القيادية توكل كرمان في تصريحها لـ "الموقع بوست" أن تمثل معركة الحديدة ورقة ضغط على الحوثيين للذهاب نحو المفاوضات، يرد الباحث السياسي ماجد المذحجي، على سؤال "الموقع بوست" بالقول: "واضح أنه معركة الحديدة لم تنجح حتى الآن في إحداث أي فرق في الموقف السياسي للحوثيين"
اقرأ أيضا: هل معركة الحديدة رداً على فشل المشاورات؟
ويضيف: " بدون نتائج حاسمة سيظل موقف الحوثيين السياسي أكثر راديكالية لأنهم لا يريدون أن يبدو أي استجابة سياسية ناتجة عن ضغط عسكري، هذا سيؤسس قاعدة في عملهم السياسي لا يريدونها هم أن تكون ثابتة؛ أي أنهم يقدمون تنازلات سياسية نتيجة الضغوط العسكرية، ولكن بالتأكيد في حال استطاع التحالف إحداث فرق كبير في معركة الحديدة، هذا سيجعل الحوثيين بدون أوراق تفاوض قوية في يدهم، وبالتالي بناء على الأمر الواقع سيجعلونهم يخفضون سقفهم السياسي، ودون إحداث فرق في هذه المسألة من قبل قوات التحالف والقوات المشتركة لا فرصة أن تنتج هذه المعركة أي فرق سياسي".
الظروف لم تتوفر بعد
من جهته يستبعد الناشط السياسي همدان الحقب في حديثه لـ "الموقع بوست" نجاح معركة الحديدة في الضغط على الحوثيين نحو الذهاب نحو التفاوض، قائلا "لا لن تنجح هذه المحاولة وإن ذهب الحوثيون إلى مشاورات فلن يصلوا إلى اتفاق ينهي الحرب، ستكون ولا شك جولة مشاورات فاشلة".
وتابع: "لأنهم سيستاؤون جراء سقوط الحديدة، وسيعتبرون هذا جرى بضوء أخضر دولي، وإذا تلكؤوا والحديدة تحت أيديهم فأكيد أنهم سيتصلبوا عند موقفهم في عدم الذهاب بشكل أكبر، بعد أن تنتزع منهم.
ويضيف: "هذا طبعا إذا تحررت الحديدة أما إذا كانت المعركة مجرد مناورات ولا ترقى إلى مستوى دحر الحوثيين فهي معركة كر وفر اعتيادية لا يمكن حتى أن تشكل ضغط عليهم".
اقرأ أيضا: الدكتور محمد العامري: غريفيث محبط من تعنت الحوثيين (حوار)
ويقول الحقب: "عندي قناعة أن جولة المشاورات القادمة فاشلة أيّا كانت الأسباب ستوصل المتحاورين عليها، والظروف التي يمكن أن تضمن مشاورات تفضي إلى إيقاف الحرب لم تتوفر بعد".
وبحسب هذا الناشط، فإن طبيعية المعركة جاءت عندما رفض الحوثي المفاوضات فانفجرت الحرب، يعني المسألة ليست جدية في تغيير المعادلة عبر عملية عسكرية واسعة تشعر الحوثي أنه إذا لم يذهب باتجاه المشاورات الجادة فإنه سيفقد كل شيء وسيسقط، بالإضافة إلى أن معركة الحديدة على هذا النحو تؤكد أن الحرب باتت تدار من قبل الفاعلين الإقليميين، وأن اليمنيين فقدوا المبادرة في التحكم بها".
احتمالات واردة
وعلى العكس من ذلك، يرى الكاتب والصحفي اليمني عبد الحكيم هلال، في حديثه لـ "الموقع بوست" إمكانية أن تشكل معركة الحديدة ورقة ضغط على الحوثيين، للذهاب نحو التفاوض، معتبرا القصة كلها برأيه، ومن خلال تصريحات بعض القيادات الحوثية التي تشير إلى الانتظار يومين فقط لانتظار خبر سار: "محاولة تصبير، حتى يتفق الحوثيون مع المبعوث الأممي للضغط بإيقاف معركة الحديدة خلال هذه اليومين".
وبشأن كيفية أن ينجح الضغط يقول هلال: "سينجح الضغط على الحوثيين للذهاب إلى المشاورات، فهذه المرة لن يستطيعوا مواصلة المزيد من التلاعب، فمن جهة شرط إيقاف معركة الحديدة سيكون أحد شروطهم للذهاب إلى جنيف، ومن جهة اخرى، أن المبعوث الأممي هذه المرة جاء إلى صنعاء غاضبا ولن يعود إلا بتحديد برنامج واضح بكافة التفاصيل، يفترض ألا يترك لهم ثغرة للتلاعب.
لكن تظل كل الاحتمالات واردة، بما في ذلك عدم الرضوخ هذه المرة من قبل الشرعية بإيقاف معركة الحديدة بالمنتصف، وقد يحدث ذلك الموافقة على إيقاف المعركة، بعد أن يكونوا قد قطعوا شوطا كبيرا في مدينة الحديدة، وربما استعادة الميناء. الذي يعتبر هذه المرة هدفا رئيسيا لإرغام الحوثيين على الحوار، وهم في أشد ضعفهم"، وفق هلال.
اقرأ أيضا: ما خيارات الشرعية بعد عرقلة الحوثيين للمشاورات؟