[ حزب الإصلاح احتفل مؤخرا بذكرى تأسيسه ]
يحتفل حزب التجمع اليمني للإصلاح بالذكرى الـ28 لتأسيسه، غير آبه بكل ما يحاك ضده، حيث تتزايد التحديات التي يواجهها الحزب، من مكايد ومؤامرات وتربص به من قبل العديد من القوى السياسية وبعض دول المنطقة، في الوقت الذي يقدم فيه الحزب تضحيات كبيرة من أجل القضاء على الانقلاب واستعادة الدولة وبناء اليمن الاتحادي الجديد.
وعلى الرغم من حدة المعركة الإعلامية الشرسة التي تخوضها أطراف يمنية عدة ضد الحزب وما يتخللها من مكايدات وتحريض الداخل والخارج ضده، بالإضافة إلى المؤامرات التي تتبناها أطراف خارجية ضد الحزب، إلا أنه يبدو أكثر انشغالا بالحرب ضد الانقلاب، غير آبه بكل ما يحاك ضده، رغم خطورة ذلك على مستقبل الحزب ومستقبل الحياة السياسية في البلاد بشكل عام.
كما أثرت مختلف القضايا والتطورات وموقف القيادة العليا للحزب منها على العلاقة بين مختلف فئات الحزب، بسبب تباين الرؤى حول سياسة الحزب التي تتبناها قيادته العليا، دون أن يصل الأمر إلى مرحلة الانشقاق، وما زال الحزب متماسك تنظيميا وسط أمواج السياسة وعواصف الحرب، في وقت انشقت فيه مختلف الأحزاب وتفككت إلى عدة أجنحة متناقضة ومتصارعة.
تفاعلات العلاقة البينية
رغم صعوبة تقسيم حزب الإصلاح إلى أجنحة متباينة، لكن ذلك لا ينفي وجود خلافات بين فئات الحزب المختلفة، مثل فئتي الشيوخ والشباب، أو الفئة المدنية والفئة القبلية، أو الفئة المتشددة والفئة المعتدلة من الناحيتين السياسية والعقائدية. لكن الخلافات بين هذه الفئات من الصعب أن تصل إلى مرحلة الانشقاق، وهي في كل الأحوال تظل ظاهرة سياسية صحية، من شأنها إضفاء المزيد من الحيوية السياسية للحزب، ومنح قياداته العليا مساحة كبيرة للمناورة السياسية بحسب ما تقتضيه المواقف والظروف.
ويكمن عيب هذه الظاهرة في أنها غير قادرة على توجيه الحزب إلى مسارات جديدة تمكنه من الأخذ بزمام المبادرة وصناعة الأحداث أو المشاركة في صنعها، بدلا من البقاء في موقف المتلقي لضربات الآخرين والحرص فقط على التخفيف من أوجاعها وتقليل أضرارها على الحزب ومستقبله السياسي، بدون أن يكلف الحزب نفسه عناء البحث عن كيفية تجنب هذه الضربات أو توجيه ضربات مضادة لها، حفاظا على دوره الوطني ومكانته السياسية في الأوساط الشعبية.
مكايد الداخل
يعد حزب الإصلاح الأكثر تضررا من اختلال البيئة السياسية اليمنية، بسبب الانقلاب وتبعاته، والأهم من ذلك أن البيئة السياسية اليمنية غير ديمقراطية وتتسم بالجهل السياسي، ويزيد الطين بلة أن الثقافة السياسية السائدة هي تلك الثقافة التي رسخها الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، القائمة على الفساد والاستبداد والنهب واللصوصية والفيد والمماحكات وإثارة الفتن والنزاعات وهدم أبسط أسس الديمقراطية.
وبعد الانقلاب وتدخل التحالف العربي، بدأت ترد إلى البلاد ثقافة سياسية جديدة قادمة من السعودية والإمارات، وأخرى قادمة من بلاد فارس وسلطة الولي الفقيه. وهكذا يجد حزب الإصلاح نفسه يعمل وسط بيئة مضطربة ومختلة سياسيا تنهك الحزب وتشل قدراته وتستنزف إمكانياته، بدون أن يبذل الحزب جهودا تتناسب مع طبيعة المعركة ضده والمكايد التي يدبرها له الأصدقاء قبل الأعداء، فالأداء الإعلامي للحزب ما زال ضعيفا وبلا مشروع واضح الملامح، وكبار قادة الحزب أرغموا على الصمت السلبي وجعل السياسة أمرا أقل من "فن الممكن"، وهكذا.
تربص الخارج
أما علاقة حزب الإصلاح بالخارج، فهي -من ناحية- لا تختلف كثيرا عن علاقة دول الإقليم أو نظرتها إلى الأحزاب الإسلامية، مع استثناءات بسيطة. ومن ناحية أخرى، فعلاقة الحزب مع الدول الفاعلة في المشهد السياسي اليمني لا تختلف كثيرا عن علاقته بمختلف الأطراف الفاعلة في الداخل، فمثلا، تحالف الحزب مع السعودية يشبه تحالفه مع السلطة الشرعية للبلاد، وعلاقته ببعض الأحزاب والمكونات السياسية الأخرى التي تناصبه العداء هي نفس علاقته بدولة الإمارات.
يحاول الحزب أن يردم الفجوة بينه وبين مختلف الأطراف الأخرى سواء الخصوم أو الحلفاء، لكن جهوده في هذه الإطار لم تأتِ أكلها كونها ما زالت دون المستوى المطلوب، وغالبا ما تتم بشكل غير مدروس، ويفهمهما الآخرون بأنها مجرد تملق يفتقد للكياسة والسياسة، وتثير سخط جماهير الحزب وسخرية خصومه.
وأخيرا، يمكننا القول بأن المأزق الفعلي للحزب يكمن في أنه له خصوم واضحين وغير عاقلين، وحلفاء عاقلين ولكن غير واضحين، وعلاقته بهم تنقصها الثقة. وباختصار، فالخطر الحقيقي على حزب الإصلاح يأتي من السعودية وليس من دولة الإمارات، بصرف النظر عن موقف الدولتين منه في الوقت الحالي، فالعدو الواضح يظل أقل ضررا من الحليف المتربص. فهل سينجح الحزب في ترويض الأسد قبل أن يفترسه أم لا؟ هنا المأزق الحقيقي!