[ شكوك حول مصير معركة تحرير الحديدة - أرشيفية ]
بالأمس نهم، واليوم الحديدة، الأولى كانت وما زالت معركة جبل، والأخرى معركة ساحل، وعلى الرغم من أن معركة الحديدة كانت تبدو سهلة جغرافيا وعسكريا إلا أنه أريد لها أن تتحول إلى نسخة أخرى من معركة الجبل.
كم مرة تحركت جبهة نهم؟ وكم مرة توقفت؟ وكم مرة استخدمت كورقة ضغط من أجل الذهاب نحو المفاوضات السياسية؟ حتى تحولت الجبهات العسكرية إلى عملية نزيف وتجارة وارتزاق على حساب الملايين من المدنيين من اليمنيين.
تحركت جبهة الحديدة في ظرف زمني استثنائي، وفي فترة مبعوث جديد، وكانت كل الخطط العسكرية تتحدث عن قرارات حسم دون رجعة، ولكن اليوم وبدعوة المبعوث الأممي مارتن جريفيث الأطراف اليمنية إلى حوار في الـ6 من سبتمبر القادم، فإن هناك شكوكا بأن تكون معركة الحديدة نسخة أخرى من جبهة نهم، وما بين هذا وذاك يتساءل يمنيون هل الحوار سينجح هذه المرة، ليكون مصير جبهة الحديدة غير المصير الذي حل بنهم، أم أن الأمور تسير بذات الوتيرة وذات السيناريو.
ما وراء التعثر العسكري؟
يذهب الكاتب والصحافي اليمني عبدالعزيز المجيدي، في حديثه لـ "الموقع بوست" للقول بأن: "وراء كل تعثر عسكري قرار سياسي ينسجم مع الطريقة والأهداف غير المعلنة التي يسعى لها التحالف أو القسم المؤثر فيه وصاحب القرار على الأرض، ومنذ الأيام الأولى لوصول الجيش الوطني إلى مديرية نهم على تخوم صنعاء خرج الإعلام السعودي والإماراتي متحدثا عن ضرورة وقف الحرب والبحث عن تسوية باعتبار أن الحرب قد حققت أهدافها!".
وبحسب المجيدي فإن "الأطراف اليمنية للأسف ليست صاحبة قرار في المعركة، وقرار التسخين والتبريد للجبهات يصدر من غرفة عمليات قيادة التحالف، وهي صدى لتفكير البلاط السعودي وقبله الإماراتي، بينما المقاتلون في كل الجبهات يضحون بالغالي والنفيس لاستعادة بلدهم من قبضة مليشيا الحوثي، ويتعرضون للقصف مرارا من طيران التحالف عندما يقررون بشكل منفرد التقدم أو تنفيذ عملية عسكرية".
ويتابع المجيدي: "أجاد التحالف التلاعب بالمعركة، مصحوبة بحملة دعائية، ليس على الحوثي بل على الجيش الوطني في بعض المناطق، باعتباره سبب مشكلة تأخر الحسم العسكري، رغم أن الوقائع والأحداث تقول بما في ذلك معركة الحديدة أن القرار سياسي ومرتبط بمجموعات مصالح ورؤى وحسابات متضاربة إقليمية ودولية وحتى داخل التحالف نفسه".
يبدو أن التحالف العربي صارت جميع أهدافه التي يسعى إليها محل جدل ومحل إقرار على أنها لا تخدم لا اليمن ولا اليمنيين، من جبهة نهم إلى جبهة تعز إلى جبهات أخرى كثيرة لم يقدم التحالف العربي فيها أي دعم عسكري أو غيره، وبشكل يثبت فيه مصداقيته.
خذلان التحالف للجيش الوطني
يقول الصحفي المجيدي "هناك معركة كبيرة في تعز تجري منذ بداية الحرب، وكان الحسم طوال الوقت متاحا لو توفرت الأسلحة والدعم المطلوب، وقد أطلق التحالف والحكومة الشرعية عديد عمليات لتحرير المحافظة المحاصرة آخرها مطلع العام الجاري على لسان محافظ تعز بإملاء إماراتي، ومع ذلك لو سألت ما الذي قدمه التحالف من أسلحة للجيش الوطني، وهل أقر الخطة العسكرية المقدمة له لإنجاز التحرير؟ فسيقال لك بأن التحالف وعد ومن ثم راح يتعاقد مع قيادات خارج الجيش، وسلمها كمية أسلحة خفيفة ومتوسطة وبضعة أطقم، وكان يريد إشعال فتنة داخلية بتعز نفسها بين مكونات الجيش من فصائل وتشكيلات".
ويلفت قائلا: "وأظنك تابعت تصريحات محافظ تعز السابق، وهو يتحدث كيف أن التحالف كان لا يمد الجيش في تعز إلا بكميات محدودة من السلاح تمكنه من الدفاع عن المناطق التي تحت سيطرته وليس للتحرير".
"النصر في اليمن غير مرغوب أصلا من التحالف، وهم لا يريدون القضاء على مليشيات الحوثي، بل يريدون إضعاف الجميع ليسهل ممارسة الوصاية على البلد والتحكم بموارده" يلخص المجيدي المشهد في اليمن، ويتابع متسائلا: "هل يمكن التصديق بأن التحالف يسعى لاستعادة ميناء الحديدة بينما هو يخنق موانئ عدن والمكلا والمخا وبقية الموانئ الواقعة تحت سيطرته، ويقيد تدفق السلع والمساعدات إلى هذه الموانئ مانحا المبررات الحوثية النفاذ لدى المنظمات الدولية التي تتحدث عن أن ميناء الحديدة يمثل شريانا لقرابة 70 في المئة من المساعدات والسلع لليمن بشكل عام؟".
يضيف المجيدي: "هذا لا يعني أنه لا توجد مشاكل متعلقة بفساد قيادات الجيش والحكومة، والحقيقة هو جزء من فساد التحالف نفسه، لكن الجبهات وتعثرها مرتبط بشكل رئيسي بأجندة وحسابات التحالف".
وفي سياق تشخيصه لما يجري، يقول المجيدي "هناك من يعرقل الحسم العسكري من داخل التحالف نفسه، ويمضي بالتلاعب بمسار الحرب وإطالة أمدها، لأنه يريد تحقيق أكثر من هدف: إبقاء الحوثي شوكة بحلق السعودية واليمنيين، ليسهل له الانفراد بمواقع حيوية في البلاد، وأظن أنه يعمل من أجل ضرب السعودية وإنهاكها على المدى المتوسط والبعيد لينتزع صدارة القوى الإقليمية في المشهد".
الخاسر الأكبر في هذه الحرب العبثية، بحسب المتحدث "هي اليمن وتليها السعودية لأنها مازالت مهددة بعد قرابة 4 سنوات من الحرب، ومثلما جرى التلاعب بمعارك محيط صنعاء وتعز من قبل التحالف الذي أوقف تقدم الجيش الوطني بضربات جوية، يقوم الآن بالعبث بمعارك الساحل الغربي محاولا فرض شروطه على شرعية الرئيس الضعيف".
وفي حين يعود هذا المتحدث ليتذكر قائلا: عندما تحدث رئيس هيئة أركان الجيش عن افتقاد الجيش للأسلحة والعتاد اللازم للمعركة سقط جريحا بعد أيام في انفجار عبوة ناسفة في مناطق يفترض أنها تحت سيطرة التحالف والشرعية! يؤكد "هذه حرب متعددة الأهداف والمعارك حد التضارب وهي مصممة بطريقة تفضي إلى إضعاف كل الأطراف اليمنية واقتسام النفوذ بين المتصارعين الإقليميين في البلاد والخاسر الأكبر هم اليمنيون وبلادهم".
هدف واحد
من جهته يرى الكاتب وضاح الجليل، وفي حديثه لـ "الموقع بوست" بأن "القوى الغربية أوقفت العمليات العسكرية في الحديدة بالضغط على التحالف العربي، لأنها لا ترغب في حدوث هزيمة وانحسار لنفوذ الحوثيين باعتبارهم ورقة ابتزاز طائفية وأمنية في المنطقة، بينما أن القوة العسكرية عدة وعتادا وأفرادا لقوات الجيش الوطني والمقاومة الشعبية والتشكيلات المرافقة لها تستطيع حسم المعارك مع المتمردين الحوثيين في فترة زمنية وجيزة، إلا أن سر وقوة الحوثيين يكمنان في رغبة القوى الكبرى في استمرار نفوذهم وسيطرتهم لما يوفرونه من مجال للتدخل وإثارة النزاعات الطائفية وابتزاز القوى الإقليمية في المنطقة، وهو أيضاً ما يجعل المنطقة سوقا للسلاح".
وكان الرئيس عبدربه منصور هادي، أعلن بعد مقتل الرئيس السابق علي عبد الله صالح، عن عملية عسكرية، أطلق عنها صنعاء العروبة، وهي عملية الغرض منها استعادة صنعاء، بحسب هادي الذي ظهر في خطابه، بعد مقتل صالح بساعات ملوحا بالحسم العسكري، وداعيا كافة الأطراف والقوى السياسية اليمنية إلى التكاتف إلى جانب الشرعية في مواجهة الحوثيين.
تبادل الأدوار
وكانت الشرعية قد اعتبرت بأن ذلك التحرك الجديد، يكون هو الأول من نوعه في تاريخ المواجهات والمعارك العسكرية التي شهدتها نهم طوال الفترة الماضية. وأن الجبهة والمناطق المحيطة بنهم تشهد وصول تعزيزات كبيرة من المقاتلين ومن السلاح، خصوصا الثقيل.
واعتبرت تلك التحركات حينها البدايات الأولى، للعملية العسكرية المعروفة بـ "صنعاء العروبة"، والتي كانت قد جرى تأخيرها واتفقت الشرعية مع التحالف على البدء بمعركة الحديدة، ولكن تأخر التقدم الذي حصل في معارك الساحل حينها ربما دفع بقوات الشرعية باستئناف المعركة على أبواب صنعاء.
لقد ظلت جبهة نهم، هي اللغز العسكري، طوال فترة الحرب، ودار حولها جدلا كبيرا، فقد ظلت قوات الرئيس هادي بعيدا عن التقدم الملفت، وغالبا ما كان التقدم بطيئا، ولا يعبر عن نوايا وعن جدية في حسم المعركة، وتعود هذه الأمور لعدة أسباب، لعل بعضها، تلك التي أفصح عنها مسؤولون عسكريون في سياق تجدد وتوقف المعارك في نهم، وتشير إلى أن قرار حسم المعركة في نهم والتقدم الذي يفترض كان يحدث، تتحكم به قوات التحالف بدرجة رئيسية، وهناك مقترحات ظلت تطرح بشأن جبهة نهم، والتي يعتبر أمر حسمها دخول صنعاء، ودخول صنعاء في أذهان صانع القرار الإقليمي وقيادة التحالف العربي له عدة حسابات سياسية وعسكرية.
استخدمت جبهة نهم ربما، كورقة ضغط من قبل الشرعية، وذلك كلما حصل ضغط عليها من قبل الأمم المتحدة ومن قبل المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ، واليوم تستخدم الحديدة كورقة ضغط من قبل المبعوث الأممي الجديد مارتن جريفيث.
وما بين الجبهتين تظل اليمن معلقة كما لو أنها بين سماء وأرض، وما بين سلام وحرب. نزيف ودمار وحصار وجوع وفقر هو النتيجة النهائية لهذه المعادلة البائسة.