[ رسومات لمعتقلين بسجون سرية تشرف عليها الامارات بعدن - أسوشيتد برس ]
أثارت قضية السجون السرية التي تقف وراءها الإمارات العربية المتحدة، الكثير من علامات الاستفهام، خاصة بعد صدور عديد من التصريحات المتناقضة من قِبل بعض المسؤولين.
وكانت منظمة سام الحقوقية قد اتهمت الإمارات، بإنشاء سجون ومعتقلات سرية مارست فيها الانتهاكات بحق المدنيين الذين تعرضوا لأقسى أنواع التعذيب الجسدي والنفسي.
وتقول منظمات دولية حقوقية، ومنها "هيومن رايتس ووتش" و"العفو الدولية" إن "العديد من مرافق الاحتجاز غير الرسمية والسجون السرية (لم تحدد عددها) توجد بمحافظة عدن"، وهو ما أكدته تحقيقات وكالة وكالة أسوشيتد برس الأمريكية.
فيما خرجت طوال الفترة الماضية العديد من المظاهرات لأهالي المختطفين والمخفيين قسرا بأيدي القوات التابعة للإمارات، ولكن دون أن تجدي مطالبهم تلك.
نفي مفاجئ
تحول فجأة مسار ذلك الملف، بعد تصريحات نائب وزير الداخلية اللواء علي ناصر لخشع، الذي نفى وجود سجون سرية في محافظتي عدن وحضرموت، مطالبا المواطنين بتسجيل أسماء المختطفين لدى مكتب إدارة أمن محافظة عدن، ليتم البحث عنهم. وهو ما ورد كذلك في وقت سابق على لسان وزير حقوق الإنسان محمد عسكري، الذي قال إن تلك الأنباء غير صحيحة.
ويبدو أن ملف السجون السرية أوشك أن يُغلق، بعد تصريحات وزير الداخلية أحمد الميسري، الذي أعلن أن جميع السجون المركزية في المحافظات المحررة، باتت حاليا تحت السلطة المباشرة للنائب العام ومن يمثله، وتحت إدارة مصلحة السجون التابعة لوزارة الداخلية.
وقال الميسري، في بيان نشر على موقع الوزارة، إنه "لم يعد هناك أي سجون بعد اليوم خارج سلطات النيابة والقضاء ووزارة الداخلية، ولم يعد لأي جهة أخرى أي سلطة أو تدخل في هذا الملف بأي شكل من الأشكال".
في ظل الاهتمام الإعلامي والحقوقي بقضية السجون السرية التي تديرها الإمارات، يبدو أن أبوظبي أرادت إغلاق ذلك الملف، وبدأت بالإفراج بشكل متعاقب عن عدد من المعتقلين بحجة عدم توفر الأدلة الكافية لإدانتهم بقضايا تتعلق بـ"الإرهاب"، في السجون التي تديرها.
وأثارت تلك التصريحات امتعاض اليمنيين، ونفذت رابطة أمهات المعتقلين وقفة احتجاجية مؤخرا أمام منزل وزير الداخلية أحمد الميسري في عدن، للتنديد بتصريحات اللواء ناصر لخشع.
مصدر مسؤول بوزارة الداخلية بيَّن لـ"الموقع بوست" أن التصريح المتعلق بنفي وجود سجون سرية في عدن كان ضمن التفاهمات التي اتفق عليها الجانب الإماراتي مع الميسري، خلال زيارته لأبوظبي الشهر الفائت.
وذكر أن الجانب الإماراتي تعهد برفع السجون السرية وتحويل من فيها لسجن بئر أحمد الجديد والذي تعمل فيه النيابة العامة، على أن يتم الإفراج عن من لم تثبت عليه أي تهمة وتحويل الباقين للمحاكمة، فيما لم يتم الاتفاق حول مصير السجن الواقع في معسكر التحالف والذي تديره دولة الإمارات.
ضغوط ومغالطات
وتعقيبا على موقف الحكومة من ملف السجون السرية، رأى الصحفي عدنان الراجحي أنها تواجه تحديات وضغوطات كبيرة من التحالف وتحديدا الرياض وأبو ظبي في ذلك الملف وغيره، مطالبا الشرعية أن تمسك زمام الأمور في المحافظات الجنوبية، وتغلق تلك المعتقلات أو أقل تقدير تشرف عليها.
وفي تصريحه لـ"الموقع بوست" يعتقد أن وجود واستمرار السجون السرية التي تشرف عليها الإمارات في المحافظات الجنوبية، واحدة من أهم التدخلات التي تمارسها أبو ظبي في الشأن الداخلي اليمني، ويخالف الأهداف التي أعلنها التحالف العربي بقيادة السعودية، كما أن الانتهاكات التي تمارسها بحث المعتقلين جسيمة وتتنافى مع القوانين الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان.
وأشار الراجحي إلى تصاعد التوتر بين الحكومة وأبوظبي بعد التقارير التي أصدرتها المنظمات الدولية عن وجود انتهاكات بحق من اعتقلتهم الإمارات وقوات الحزام الامني التابعة لها.
وتابع "الضغط الإعلامي وحده هو من أربك مخططات الإمارات بشأن السجون وتصفية من يعارضها أو يعارض الفصائل الموالية لها".
وحول سبب البدء بإخراج المعتقلين، قال إن إجبارهم على التحدث عن عدم وجود انتهاكات في السجون هو امتصاص لحالة الغضب في الشارع اليمني تجاه ممارسات الإمارات والقوى التابعة لها، والتي هي تجاوز واضح لسلطة الشرعية بالمناطق المحررة.
ورأى أن أبوظبي وحلفاءها المحليين غير جادين في إنهاء أو إغلاق ملف السجون السرية التي تعرض فيها المعتقلون لشتى أنواع التعذيب الذي أدانته منظمات حقوقية محلية ودولية.
طريق ملتوٍ
من جهته لم يستغرب الكاتب الصحفي أحمد الشلفي من بيان وزير الخارجية اليمني، كونه جاء في ظل السعار الإماراتي والقلق من الحشد الحقوقي والدولي العالمي في مسألة السجون السرية الإماراتية في عدن وحضرموت ومدن الجنوب والخطف والإخفاء والقتل والتعذيب والاغتصاب الذي تعرض له المعتقلون.
وانتقد في مقال له عدم أي توضيحات من قِبل الميسري حول السجون السرية، فبدا وكأن هناك صفقة جرت بين الوزير وأبوظبي لتبييض صفحة الإمارات، لافتا إلى أن هذه القضية هي ملف حرب ويحتاج للجان تحقيق وتقديم المتسببين للمحاكمة وتعويض الضحايا.
وتطرق إلى حديث الميسري عن السجون المركزية وإغفاله لثمانية عشر سجنا غير مركزي، مؤكدا أن هذا الملف ليس من اختصاص وزارة الداخلية وإنما القضاء والنيابة العامة والمحكمة العليا.
وتساءل الشلفي "لماذا لم تقم اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بدورها وتعقد مؤتمرا صحفيا لتوضيح المسألة"، واستطرد "كيف يمكن القول إن السجون أصبحت تحت سيطرة الداخلية وهناك فصائل ومليشيات عسكرية بعشرات الآلاف من الحزام الأمني وغيره وكذلك قوات الإمارات ليست تحت سيطرة الحكومة".
وأكد في ختام مقاله، أن الجهل بالقانون وحقوق المواطنين هو بطل هذه القصة، وأن حقوق الناس لا تسقط ببيان تبرئة بموقع وزارة الداخلية، وجرائم الإمارات ستلاحقها اليوم وغدا وبعد غد كوصمة عار لبلد استجار به هادي فجاء يقتل أبناءه وينصب لهم المشانق والسجون ويعيث في أرضهم فسادا.
وكان الميسري والرئيس عبدربه منصور هادي قد زاروا قبل أسابيع دولة، وتمكن هادي من العودة إلى عدن بعد بقائه بالمملكة أكثر من عام.