[ فساد الحوثيين في مؤسسة الثورة للصحافة وتحويلها إلى صحيفة ناطقة باسم الحزب ]
إذا ما كنت في صنعاء، وقمت بشراء صحيفة الثورة الرسمية، ستشعر بالصدمة منذ أول نظرة عليها، وستشعر إلى أي مدى أوصلت مليشيا الحوثي مؤسسات الدولة بكافة مستوياتها إلى الانهيار، ومن تلك المؤسسات مؤسسات الصحافة الرسمية، وعلى رأسها مؤسسة الثورة والمطبوعات.
"الموقع بوست" سلط الضوء على ما تعرضت له المؤسسة والصحيفة معا، واستقرأ عددين من الصحيفة، من كل الزوايا، أولا من ناحية الحجم، فلم تعد صحيفة الثورة 38 صفحة كما كانت، بل صارت 12 صفحة، ثلاث صفحات واجهتين، وغياب تام للملاحق التي ميزت صحيفة الثورة، أما المضمون، فحكاية أخرى، فالترويسة تم تغييرها بما يخدم جماعة الحوثي، وعليها وضعت الجماعة صورة صالح الصماد، مرفقة بشعارات طائفية، وفي الترويسة تدخلت الجماعة أيضا وقامت بإعادة صياغة أهداف ثورة سبتمبر، كما هو واضح في الصورة.
العدد 19553، الذي أخذه "الموقع بوست" كنموذج، تبدو في الصفحة الأولى، أخبار كلها تتعلق بما تقوم به الجماعة من نشاطات وتزييف الوعي وتقوم بتقديم إعلام غير صادق ودقيق، ولا علاقة للمواطن اليمني به.
المضمون يبدو طائفيا وسيئا بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، في كل صفحات العدد. وبقية كل الأعداد الأخرى، لا كتاب ولا صحفيون، يكتبون أو يعملون، وهناك كتاب وأسماء غريبة لا علاقة لهم بالصحافة هم من يسيطرون على الصحيفة ويكتبون ما يشاؤون ويبثون خطابا وينشرون كتابات لا علاقة لها بالإعلام.
استبدال الصحفيين
"الموقع بوست" تواصل مع أحد الصحفيين البارزين الذين كانوا يعملون في الصحيفة والمؤسسة، وطرح عليه استفسارات عدة، فيما يتعلق بواقع الصحيفة والمؤسسة، وعما إذا كان لا زال يعمل، وعن المصير الذي حل بالصحيفة والمؤسسة.
وفي إجابته على بعض استفساراتنا، يقول هذا الصحفي الذي فضل عدم ذكر اسمه بحكم أنه ما زال متواجدا في صنعاء ويقعد في منزله اليوم دون عمل: "منذ سيطرة الحوثيين على صحيفة الثورة بدأت مرحلة التدهور المهني سواء من حيث المضامين التي تخضع بشكل كامل لأيدولوجية الجماعة، وتخدم أهدافها وتحولها أحيانا إلى شبه منشور لخطاب ديني وطائفي وحتى الإخراج والجانب الفني تدخلت فيه وتغير شكل الصحيفة أكثر من مرة".
وأضاف: "لقد توالت على الصحيفة قيادات لا علاقة لها بالصحافة وأدى تدخلها في عمل الصحفيين والفنيين إلى تدهور كبير في مستوى الصحفية التي كانت تعد الصحيفة الأولى في اليمن، كما كان لهذه الشخصيات دور كبير في تردي وضع الموظفين المادي، حيث حرمت الموظفين من كافة الحقوق رغم وجود بعض إيرادات الإعلان وعملت على الاستحواذ على كل الإيرادات".
ومن ناحية التوظيف، وطبقا للمتحدث، قام الحوثيون بتوظيف العشرات من المحسوبين عليهم ومن الذين ينتسبون إلى الأسر الهاشمية بشكل خاص وعينوهم في مناصب إدارية عليا وتقاسموا معهم الإيرادات في حين قاموا بتطفيش كوادر المؤسسة والاستغناء عنهم".
ويتابع: "كانت الصحيفة قبل الحوثيين تطبع ملاحق أسبوعية بالإضافة إلى صفحات متخصصة، وكانت صفحاتها العدد الرئيسي بدون الملاحق تصل إلى 38 وأحيانا أكثر بكثير ويكتب فيها كثير من الكتاب والأقلام الوطنية المعروفة وبعد سيطرة الحوثيين صار كل الذين يكتبون فيها من جماعتهم ولا علاقة لهم بالكتابة أو الصحافة وصارت معظم الكتابات تمجيدا للسيد وللجماعة وما تزال الصحيفة تسير من سيئ إلى أسوأ ولولا وجود كميات كبيرة من الورق في محازن المؤسسة من عهد القيادات السابقة لربما كانت قد توقفت عن الإصدار".
دماج يشرح تفاصيل هجوم أول ليلة للمليشيات على المؤسسات الإعلامية في صنعاء
إلى وزير الثقافة مروان دماج، ومدير تحرير صحيفة الثورة حتى انقلاب 21 سبتمبر، توجه الموقع بوست بسؤال: ما الذي حدث؟ ما القصة؟
أجاب دماج: "نحن كنا نعرف طبيعة الحركة من أول لحظة من قبل دخولهم صنعاء وقبل اقتحامهم نعرف الحركة وطبيعته وأهدافه والمروق الثقافي والفكري وتنشئتها، ولهذا كان الموقف واضح لا يمكن التعامل مع هذه الحركة لا يمكن القبول بها لا يمكن القبول ان تسيطر على المؤسسات لكن كانت المسالة هناك تحالف جديد كهنوتي عموما وأتذكر عند اقتحامهم صنعاء وهم يقصفوا التلفزيون كان وقتها الزميل المناوب وليد البكس اتصل بي وقال لي إنه هناك قصف على التلفزيون وكان يقدم النشرة جميل عزالدين فأنا اتصلت بالاتحاد الدولي للصحفيين وحملناهم مسؤولية وحملنا هذه المليشيات مسؤولية سلامة الصحفيين وكان هناك قصف شديد طبعا، وصدر بيان الاتحاد الدولي في نفس اللحظة يمكن كانت الساعة العاشرة بالضبط، واتصل بي جميل عزالدين وطلعت على الهواء في التلفزيون، فالبيان صدر في نفس اللحظة اتصلت برئيس الاتحاد الدولي أبو ملحة وبعض الأعضاء الآخرين، وأصدرنا بيانا وحملناهم مسؤولية أرواح زملائنا في التلفزيون".
وأضاف: "اتصل بي في تلك الليلة الزميل عبد الكريم الخيواني وقال لا يوجد قصف على التلفزيون وهذه كلها إشاعات ويبدو، فقلت له اتركني أتأكد أخذت سيارتي وخرجت إلى التقاطع الذي يؤدي إلى حي النهضة وكان ليل حينها الساعة العاشرة تقريبا، وفي التقاطع الذي يؤدي إلى يمن موبايل وكانت المعركة شديدة جدا وقصف على التلفزيون واضح، وأنا عائد جلست أقول لنفسي ما الذي صنف لي أخرج، في هذا الوضع، لقد كانت أيام صعبة جدا على الصحفيين حقيقة".
البدايات الأولى للسيطرة على مؤسسة الثورة وكيف بدأوا التدخل
وبعد استعراض الزميل الصحفي دماج لـ "الموقع بوست" هذه البدايات الأولى لاقتحام مليشيات الحوثي لصنعاء والبدء في هجومها على المؤسسات الحكومية كانت أولاها مؤسسة التلفزيون ومن ثم مؤسسة الثورة، يذهب دماج نحو الحديث عن مؤسسة الثورة، فيقول: "فيما يتعلق بمؤسسة الثورة درسوا هم وضع مؤسسة الثورة وكان لديهم ملفات كاملة لها، وجاءت أكثر من فرقة من تلك التي يسموها اللجان الشعبية إلى المؤسسة، وقلنا لهم ما الذي تريدونه؟ قالوا نشتي نشوف الملفات المعلقة، فقلنا لهم روحوا الشؤون المالية لكننا تفاجأت بإدارة التحرير وحاولوا أن يفرضوا عليها مواد كانوا ينشرون مسلحين داخل اقسام صحيفة ومؤسسة الثورة وهم لم يكونوا محتاجين لذلك".
ويتابع دماج شرح القصة: "كان لديهم أفراد داخل المؤسسة وعندما طلبنا من كل الصحفيين أن يغادروا المؤسسة الصحفية قاموا بتهديد عمال المطابع ....".
وفي حين قال دماج بالإمكان أن تعودوا إلى تسجيل مصور لي بشان ما تعرضت له صحيفة ومؤسسة الثورة، وكيف سيطروا عليها بطريقة القوة، أضاف لـ "الموقع بوست": "مليشيا الحوثي ظلوا يصدروا صحيفة الثورة لمدة ستة اشهر واسماءنا عليها وانا كنت اتصلهم وأقول لهم يا اخوان رجاءا نزلوا اسمي من الترويسة وبعضهم من زملاءنا عادهم كانوا لا يزالون يشتغلون مع مليشيات الحوثي، واستمر اصدار الصحيفة لمدة ستة اشهر، وذات مره اتصلوا بي وطلبوا أن يضعوا اسمي رئيس تحرير واتصل لي واحد اسمه جميل وكان مدير التحرير حينها واتصل لي وقال بنفعلك رئيسها وانا مانعت وقلت له اقسم بالله لو تفعلوا اسمي رئيس تحرير لنتخذ إجراءات من النقابة فهذه الجماعة كانت تتصرف بهذا الشكل".
حلفاء صنعاء والقضاء على الصحافة
طبقا لصحفيين يمنيين، حولت جماعة الحوثي السلطة الرابعة في اليمن إلى ديوان مقيل للقات، وطمست كل معالم هذه السلطة ليحل مكانها ملازم ومحاضرات وخطب مرشدي الجماعة التي تحرض على العنف وتبث روح الكراهية أواسط منتسبيها، وتدعو للموت على حساب الحياة السوية والتعايش الذي يقود للنهوض والتنمية والرقي.
يقول أحد الصحفيين المتواجدين في صنعاء، لـ "الموقع بوست" بعد سقوط العاصمة صنعاء في 21سبتمبر2014م، بيد تحالف صالح_ الحوثي_ هذا التحالف الذي انتهى في الأول من ديسمبر 2017 ومقتل الرئيس السابق علي عبدالله صالح، بعد هذا السقوط ذهب طرفي تحالف صالح_ الحوثي، إلى الإطباق على السلطة الرابعة وتضييق الخناق على الحريات الصحفية وغيرها، وتحولت العاصمة صنعاء إلى أكبر عاصمة على المستوى الاقليمي إن لم تكن على مستوى العالم، طاردة للصحافيين والاعلاميين والناشطين السياسيين.
ويذهب هذا الصحفي، الذي هو الاخر فضل عدم ذكر اسمه، بالقول "خلال الاعوام 2012_2013_ وحتى أواخر 2014 حققت السلطة الرابعة في اليمن قفزة نوعية في مجال تنوع الاصدارات الصحفية وبأسلوب يغلب عليه العمل الصحافي الملتزم بقواعد المهنة، ومنذ 21سبتمبر2014 بدء تلاشي هذه البصمة تدريجياً حتى انتهى ذلك الزخم كلياً.. حيث توجه تحالف صالح_ الحوثي، نحو طمس كل معالم النهوض الصحافي واختزاله في ثلاث قنوات تابعهم لهم إضافة إلى القنوات الرسمية والتي حولت هي الأخرى إلى قنوات ناطقة باسمهما، ونفس الحال حصل مع الصحف حيث أختزل مشهد السلطة الرابعة في مجال الصحافة الورقية في صحيفتين تابعة لهما إضافة إلى بعض الصحف الرسمية_ الثورة_ سبتمبر_ الحارس_ الوحدة، وهي التي تقع في نطاق العاصمة صنعاء، هي الأخرى صارت ناطقة باسمهما".
وبعد فض تحالف صالح_ الحوثي، رسميا في 4ديسمبر 2017، زاد المشهد أكثر انحطاطاً... احتل الحوثيون وسائل الاعلام التابعة لحزب المؤتمر الشعبي العام وحولوها إلى تابعة لهم، تسبح بحمد زعيم الحركة، طبقا للمتحدث.
خسارة مؤلمة
وبشأن صحيفة الثورة، يقول المتحدث: "صحيفة الثورة الرسمية، وإن كانت ملتزمة بخطاب رسمي لكنها كانت تعكس نموذج ناجح للصحافة من خلال التزامها في حيز يصل إلى 30بالمائة بتناول قضايا المجتمع ونقد الممارسات السلبية في الأداء الحكومي، وكان يطل من خلالها نخبة المفكرين والسياسيين والمثقفين، وارتفع سقف النقد الهادف بعد ثورة 11فبراير2011 وحتى سقوط العاصمة صنعاء، ارتفع إلى ما يقارب الـ 60بالمائة، ثم هبط إلى الصفر بعد سقوط العاصمة قابله انهيار منظومة العمل المهني".
ويتابع: "كان يصدر عن صحيفة الثورة الرسمية خمسة ملاحق أسبوعية_ الثقافي_ الاقتصادي-الأسرة-الشريعة والحياة_ الرياضة. وكانت تقدم مواد مهنية غنية بالمحتوى، وجراء احتلال الحوثيون لها مثل غيرها من وسائل الاعلام الرسمية، توقفت الملاحق وصارت تنقل الصحيفة ما يشبه كتابات الجدران المكتوبة على جدران حمامات المساجد وجدران اللوكندات والحمامات العامة".
يجمع صحفيون كثيرون، الى جانب هذا الصحفي، على أنه لم يخسر الاعلام اليمني طوال نصف قرن الزمن ما خسره خلال ما يقارب الـ 4أعوام من سيطرة الحوثيين على مؤسسات الدولة كاملة وشن حرب التهمت اليمن كافة، ولم يكن الحرب فقط في جبهات القتال بل ايضا نال من الاعلام في مقتل، بعد أن كانت واجهات عرض الصحف والمجلات في أكشاك البيع لا تتسع لعرض الاصدارات الصحفية والتي كانت تصل إلى حوالي 200اصدار، صارت خالية إلا من خمسة اصدارات وفوق هذا لا يمكن أن نسميها صحف أبدأً فهي لا ترتقي حتى لتكون مطويات صادرة عن جمعيات، فمطويات الجمعيات والمدارس على أقل تقدير فيها ما يفيد، أما هذا الـ5 الاصدارات فليس فيها غير كم هائل من ثقافة الموت والقتل والتحريض واللغط.