[ نقابة الصحفيين اليمنيين أصابها ما أصاب الكثير من النقابات في اليمن وفق صحفيين ]
يوما بعد آخر تزداد حدة المخاطر أمام الصحفيين اليمنيين، وتتحول بيئتهم الصحفية إلى بيئة غير آمنة، وغير صالحة للاستمرار في العمل، ليس في المناطق الواقعة تحت سيطرة الانقلابيين فقط، بل في مناطق الشرعية وبعض المناطق المحررة.
ففي المحافظات الجنوبية هناك صحفيون يعتقلون وآخرون يتعرضون للاعتداءات المتكررة، في حين مكاتب وسائل إعلام تحرق وتغلق من قبل أطراف سياسية البعض منها تتلقى توجيهات من قبل أطراف إقليمية تعمل في إطار التحالف العربي، وتحديدا دولة الإمارات التي صارت تعطي توجيهات للقوات العسكرية التي تعتبر جناحها في اليمن باعتقال واختطاف صحفيين وناشطين مناهضين لها.
وفي الوقت الذي ترتفع فيه حدة الحرب على الصحفيين، يتراجع دور نقابة الصحفيين عن القيام بدورها المفترض، فالنقابة هي المعنية بدرجة رئيسية في الدفاع عن الصحفيين، والمعنية بحمايتهم ومواجهة الجماعات المسلحة والجماعات التي تقوم بملاحقة الصحفيين والتضييق على حرياتهم، وإخضاعهم لواقع مر.
أسئلة كثيرة يطرحها الصحفيون اليمنيون، وخاصة تلك التي تتعلق بنقابة الصحفيين، وأعضاء مجلس النقابة الذين تركوا النقابة وذهبوا لممارسة مهام خارج إطار النقابة، بل تخلوا عن مسؤوليتهم التي يفترض أن تحضر في مثل هذه الظروف الصعبة.
إن استعراضا سريعا لأسماء أعضاء الهيئة الإدارية للنقابة، وفق المهام الموزعة عليهم يظهر حجم الغياب الذي تعانيه النقابة، فهناك من أعضاء المجلس، من عين ملحقا ثقافيا لدى دولة ما، وآخر ملحقا إعلاميا، وثالث عين وزيرا في حكومة بن دغر، ورابع يمارس عمله الصحفي من خارج أسوار الوطن، وآخرون انخرطوا في وظائفهم الإعلامية متوزعين على عدة وسائل، بينما قلة قليلة من أعضاء المجلس الذين ما زالوا في اليمن، ولكنهم التزموا الصمت نوعا ما، ولم يستطيعون ممارسة أعمالهم، سواء في صنعاء أو عدن أو غيرها من المدن اليمنية.
حالة من الاستياء، يتحدث عنها بعض الصحفيين اليمنيين وبلغة قاسية، وحادة، هاجموا النقابة وعبروا عن غيابها بأشكال مختلفة، في حين البعض الآخر دافعوا عن النقابة واعتبروا غيابها مبررا وخارجا عن الإرادة.
"الموقع بوست" تحدث إلى عدد من الصحفيين اليمنيين ووضعهم في الصورة، مستفسرا إياهم عن نقابتهم وعما إذا كانوا يلتمسون منها دورا معلنا أو غير معلن.
الحرب كسارة أقلام ونقابة غائبة
يقول الصحفي نبيل الشرعبي، في حديثه لـ "الموقع بوست": " منذ أكثر من ثلاثة أعوام من الصراع القائم لفظت نقابة الصحفيين اليمنيين آخر أنفاسها ولم يعد منها قائم سوى الاسم ومبنى في أحد شوارع العاصمة صنعاء، وصوتها لم يعد يتجاوز أسوار المقر".
ويتابع الشرعبي: " إن تحول الساحة اليمنية إلى كسارة أقلام ومقصلة فرم الحريات، لم تكن لتحدث لو لم يهدم أعضاء ومسؤولون بنقابة الصحفيين كل قيم الأمانة والمسؤولية النقابية في سبيل تحقيق مآرب شخصية وخدمة أطراف سياسية، ولذلك يتحمل هؤلاء مسؤولية تشييع جنازة نقابة الصحفيين اليمنيين، لا يقبل منهم أي تبرير أو أعذار عما قاموا به من نحر للنقابة، فالنقابي لا يعادي أحدا بل يكون قريبا من الجميع، فيما أعضاء ومسؤولون بنقابة الصحفيين اليمنيين داسوا على هذه القاعدة النقابية الرئيسية، ومعها داسوا على حقوق وحريات الصحفي والإعلامي اليمني، بل وأباحوا للمتصارعين، وشرعوا لهم التنكيل بمنتسبي المهنة، وهنا أقصد الذين لزموا الحياد ولم يقفوا في صف أي طرف من أطراف الصراع".
وأضاف الشرعبي: "يلج العام الرابع ونحن الصحفيين الذين أقصوا من أعمالهم وطالتهم انتهاكات ملاك وسائل الإعلام، ونحن نطالب بتدخل النقابة دون جدوى، بل يحدث العكس حيث تذهب النقابة للتضامن مع ممارسي الانتهاكات وسالبي الحقوق، حتى وصل الحال إلى عدم قدرة الصحفي على استصدار بيان من النقابة عما يتعرض له من انتهاكات إلا بإذن من ملاك وسائل الإعلام والذين لا يقلون في ممارساتهم التعسفية والانتهاكات عن مكونات أطراف الصراع المسلح".
ويستدل الشرعبي، غياب النقابة عن دورها المفترض، بقضية شقيقه وليد المحرر في صحيفة أخبار اليوم التي تعرض مكتبها للإحراق في العاصمة المؤقتة عدن قبل أيام، وكان وليد ضحية عملية الاعتداء التي تمت.
الشرعبي، وهو يتحدث بلغة صحفي منهك وملاحق لم يجد من ينتصر لقضايا الصحفيين بينهم شقيقه الذي ما زال يرقد في أحد مستشفيات عدن، أشار قائلا: "بمصداقية لم تعد النقابة غير شخص واحد وهو الزميل أشرف الريفي سكرتير لجنة الحقوق والحريات، والذي يكافح وحيدا لتوثيق الانتهاكات ضد الصحفيين، أما قوامها الفعلي فقد حزم أمتعته قبل الجميع وتخلى عن النقابة وأسقط الواجب عن نفسه في الداخل ليعيش من صفتها في الخارج، وغدت وسيلة ناجعة يمتطيها من تخلوا عن دورهم والأمانة المهنية".
نقابة هشة
من جهته يقول الصحفي، عضو نقابة الصحفيين اليمنيين، رشاد علي الشرعبي، لـ "الموقع بوست": "نقابة الصحفيين هي مكون يمني يمثل الصحفيين اليمنيين، ومهما كان ضعف أدائها وقيادتها التي صارت في الشتات لتأخر انعقاد المؤتمر العام لأسباب عدة أهمها الوضع العام في اليمن خاصة بعد انقلاب ميليشيا الحوثي على الشرعية واختطافها لمؤسسات الدولة، من الصعب تقييم أداء نقابة هشة في وضع صار استثنائيا وتلاشت فيه الدولة وفي حالة حرب لم تتوقف منذ ثلاث سنوات".
ويضيف الشرعبي "الصحفيون اليمنيون هم أكثر الضحايا في هذه الحرب حيث فقدوا حياتهم وأعمالهم ومصادر دخلهم وفقدوا وطنهم وحريتهم وحقوقهم وصار العشرات منهم في الشتات أو تركوا مهنة الصحافة وتلقفهم وأسرهم الفقر والجوع والمرض وظهر طارئون على المهنة".
وبحسب رشاد، فإن نقابة الصحفيين دورها المفترض ليس حاضرا للأسباب العامة والضعف الداخلي وغياب القيادة، لكن لا زال صوتها الوحيد المرتفع ضد جزء مما يتعرض له الصحفيون من انتهاكات وجرائم من مختلف الأطراف، ورغم ذلك نطالب قيادة النقابة المتبقية أن تقوم بواجبها الوطني والمهني والأخلاقي البحث عن معالجات لوضع منتسبي النقابة في الشتات وداخل الوطن وأكبر تلك المعالجات هي الجانب المادي في ظل انعدام فرص العمل وكونهم عرضة للتصفيات والملاحقة والقناصة والاختطاف.
ما حدث يفوق طاقة النقابة
بحسب الصحفي، زكريا الكمالي، فإن ما حدث من انتكاسة للحريات الإعلامية والصحفية في اليمن، يفوق طاقة نقابة الصحفيين على التصدي لها بمفردها ومعالجة كل تبعات النزاع التي طالت الوسط الصحفي.
يقول زكريا الكمالي، لـ "الموقع بوست": "صحيح أن دور النقابة خجول في كثير من القضايا خلال الفترة الماضية، لكن يحسب لها أن استطاعت، وبشخصين فقط، مع تفرغ بقية الهيئة الإدارية لمهامهم الخاصة، أن تواجه الانقلاب الحوثي ومحاولة تفريخها عبر اتحاد كان يراد له أن يكون البديل لها والممثل داخليا وخارجيا للصحفيين".
ويضيف الكمالي: "أنا لا أتفق مع أن دور النقابة مغيّب كليا، فهي تندد بالانتهاكات التي تطال كافة منتسبي الإعلام، وحتى ممن لم ينالوا عضويتها بعد، ووصفت القمع الحوثي للحريات بأنه أعاد اليمن إلى عصور الاستبداد والشمولية، كما أدانت انتهاكات جميع الأطراف، وسعت بقدر المستطاع لمساعدة بعض المتضررين، لكن الكارثة أكبر وتحتاج لمواكبة ذلك".
وعما إذا كانت النقابة، قد تخلت عن واجبها، وصار منحصرا بإصدار البيانات فقط، يقول الكمالي: "يفترض على النقابة ألاّ تكتفي بإصدار البيانات وغيرها من التحركات البسيطة لتطبيب جروح المتضررين، بل تقود حملة دولية بالتعاون مع الاتحاد الدولي والمنظمات ذات العلاقة، لإبراز معاناة الصحفي اليمني خلال النزاع، سواء من حيث الاعتناء بأسر الشهداء والمعتقلين، والالتفات لمن قذفتهم الحرب إلى رصيف البطالة".
أعضاء يدافعون
"الموقع بوست" حاول التواصل مع بعض أعضاء النقابة، وممن انتقلوا خارج البلاد ويقيمون في دول عربية وغير عربية.
أحدهم فضل الحديث، مع عدم الإشارة إلى اسمه، لأسباب شخصية كما طلب، يقول هذا العضو وهو ممن كان يتولون إدارة أحد أقسام النقابة لـ "الموقع بوست": " نشاط النقابة لم يتوقف، وإن كان نشاطا محدودا بسبب تعسف الانقلابيين وتوقيف التمويل الحكومي والتهديدات والمضايقات التي يتعرض لها أعضاؤها ومنهم مجلس النقابة".
ويضيف: "هناك دورات حول السلامة المهنية وغيرها ما زالت تقام في عدن وصنعاء، كما أنها ما زالت ترصد وتوثق الانتهاكات بحق الصحفيين وتصدر تقارير بشكل نصف سنوي، وما هو مجمد من المهام الرئيسية للنقابة ومنذ ما يزيد عن خمس سنوات هو البت في طلبات العضوية لأسباب غير مبررة، وبالنسبة لأعضائها غالبيتهم نازحون إما خارج الوطن أو داخله، لم يتبق إلا النقيب في صنعاء والأمين العام في عدن".
وبالنسبة لأعضاء مجلس النقابة وأعضاؤها النازحون خارج الوطن، قال هذا العضو عنهم "ما زالوا يمارسون دورهم في كشف حالات الانتهاكات التي تمارس ضد الصحفيين سواء من خلال المنظمات الحقوقية الدولية والاتحادات والنقابات المماثلة أو من خلال وسائل الإعلام الدولية".
ظروف النقابة صعبة
وقال المتحدث: "وضع النقابة هو انعكاس لوضع الصحفيين البائس في ظل الممارسات الممنهجة ضد الصحفيين من قبل جميع السلطات سواء في صنعاء أو عدن او تعز أو حضرموت، ما هو ملفت إزاء وضع النقابة المزرى هو مؤازرة زملاء المهنة واستبسالهم في الدفاع عن كيانهم النقابة رغم ما بذلته السلطات الانقلابية من جهد باء بالفشل لتمزيقه وتفريخه".
وعن انحصار النقابة ودورها في إصدار البيانات، يقول العضو: "البيانات من مهام النقابة أيضا، والدورات من مهام النقابة أيضا، وإصدار التقارير الدورية من المهام.
ويواصل حديثه بالقول "صحيح هناك قصور، لكن الوضع العام لا يخفى على أحد، فبعد إصدار أي بيان أو تقرير دوري نتوقع كل لحظة القاء القبض على أي من الزميلين النقيب ياسين المسعودي والأمين العام محمد شبيطة، فموظفو النقابة الأساسيين لم يستلموا رواتبهم منذ أكثر من ثلاث سنوات، وإيجارات بعض الفروع لم تسدد منذ نفس المدة، مبنى فرع النقابة في عدن تعرض للاعتداء والاستيلاء عليه، وبجهود الفرع تم استعادته، والنقابة اليمنية في تصنيف الاتحاد الدولي للصحفيين من أفضل النقابات على مستوى العالم، وبإمكانك أيضا التواصل مع الاتحاد الدولي لمعرفة ذلك".
النقابة مشلولة بسبب الحرب عليها
"الموقع بوست" طرح قصة غياب نقابة الصحفيين، على عضو مجلس النقابة نبيل الأسيدي، وبدوره قال: "نقابة الصحفيين مهما كانت ستظل الصوت الأقوى داخل المجتمع، وهي الصوت الباقي رغم محاولات الانشقاق عليها، ورغم محاربتها، ورغم الاعتداءات المتكررة والانتهاكات الكثيرة التي تعرضت لها، وتعتبر النقابة مصدرا رئيسيا للمنظمات الدولية والمنظمات الحقوقية، ونحن نعتب على أعضاء مجلس النقابة في الغياب لكن نحن أمام وضع خطير ووضع استثنائي أنتهى فيه كل شيء بما فيه النقابة ومنظمات المجتمع المدني".
وتابع الأسيدي: "كنا أول من تعرض للاعتداءات في صنعاء أنا والوكيل أول سعيد ثابت سعيد، والجميع يعرف هذا والمظاهرات والوقفات الاحتجاجية التي كانت تنظمها النقابة تم الاعتداء عليها وإيقافها، ومع ذلك ستظل نقابة الصحفيين تدافع عن الصحفيين، وتصدر البيانات وتتخذ المواقف بشتى الأشكال والوسائل وبكل ما هو متاح وممكن وبقدر الاستطاعة، وسنظل حاضرين في الدفاع عن الصحفيين في الشمال والجنوب قدر الإمكان".
ما الذي يجب على النقابة فعله؟
يذهب الصحفي، ماجد المذحجي في حديثه، لـ "الموقع بوست" بالقول: "طبعا الدور المنوط بالنقابة أقل مما نتوقع، لكن أيضا يمكن فهمه في السياق الوضع الذي تعيشه، أنت تتحدث أولا عن ظروف متعددة قوضت العمل النقابي في اليمن بشكل عام بسبب البيئة الحربية، وهذا شكل منهك، أيضا مطاردة أعضاء النقابة جزء منهم فروا فرارا، نبيل الأسيدي فر من مطاردة الحوثيين على سبيل المثال، ثانيا نقابة الصحفيين في صنعاء مركزها الرئيسي تحت الحصار وفي مراكزها الأخرى أيضا هي محاصرة بسبب الاستقطاب السياسي الموجود وهذا عطل عمل النقابة".
وعن انخراط أعضاء النقابة وأعضاء المجلس في أعمال أخرى يتابع المذحجي قائلا:" هناك تعقيدات مختلفة في الأخير تعقد وتعطل من أي أدوار فعالية مدنية في اليمن بما فيها نقابة الصحفيين، أعتقد أن الأمر يحتاج وقفة بتقديري، سواء مجلس النقابة أو أعضائه البعيدين، فنقابة الصحفيين بالمجمل يجب أن تنظر بشكل جاد إلى تعقيدات الوضع الذي تعيشه، وما الذي يجب أن تنظر له؟ وما الذي يجب أن تفعله؟ والصحفيون صاروا ضحايا الاستقطاب السياسي والمناطقي والأيديولوجي وضحايا الانقسام الذي حصل كل هذا على حساب الجملة الصحفية".
الصحفيون وبحسب المذحجي عرضة للملاحقة من جميع الأطراف في اليمن، ولا أحد يريد صوتا محترما مستقلا مهنيا كما يليق بمهنة الصحافة، ولذلك دفع الصحفيون ثمنا منذ بداية الحرب، وهذه الكلفة العالية أتت على حساب أي ممارسة صحفية مهنية، ومنذ بداية الحرب تم تعطيل ذلك وفي صنعاء حيث أغلقت كل الصحف، وفي عدن هناك ترهيب ضد الصحفيين، وهناك خوف في مناطق أخرى، الاعتقالات القسرية جارية، وكذلك الإخفاء القسري والمحاكمات، وكل هذا بيئة مدمرة للعمل الصحفي، وغياب أي فرص انتصار له.