[ يقبع معتقلون كثر في سجون المليشيا منذ قرابة 3 أعوام - أرشيفية ]
تواصل أطراف الانقلاب في صنعاء مسلسل الاختطاف والاعتقال لمعارضيها محدثين فوارق وتمييز ومقاييس في هذا الملف الذي ما يزال المجتمع الإقليمي والدولي يحذر من تبعاته، داعيا هذه الأطراف إلى الكف عن الممارسات التي طالت المئات من الأبرياء والناشطين السياسيين والصحفيين.
مؤخرا ارتفعت وتيرة حملة الاعتقالات للناشطين والسياسيين ومورست بحقهم صنوف التنكيل، في حين لوحظ بأن اعتقالات تمت في غضون ساعات، ولوحظ كذلك عملية الإفراج عن بعضهم في غضون ساعات وأيام، بينما هناك معتقلون آخرون يتعرضون للتعذيب وللسجن لأشهر كثيرة، وبعضهم في المعتقلات يمر عليهم ما يقارب ثلاثة أعوام، وآخرون يقتلون بداخل السجون، وفريق يعذب حتى الموت، وهناك حالة انتقام وعداء كبيرة إزاء بعض المعتقلين.
معتقلون أيضا يخضعون لمحاكمات، وآخرون يتم ابتزازهم والمتاجرة بهم عن طريق أفراد ينتمون إلى فريق المليشيات، وهذا الفريق مستمر منذ بداية الانقلاب، في حين صنف من المعتقلين محتجزون ويتعرضون للتعذيب والتنكيل وهم مدنيون وأبرياء ولا علاقة لهم لا بالسياسة ولا بالجيش ولا بالصحافة، فقط احتجزتهم المليشيات ببطائق الهوية، وأودعتهم السجون، وهؤلاء كثيرون وتغرق السجون بهم.
تمييز المليشيات للمعتقلين
يقول الناشط السياسي محمد المقبلي لـ"الموقع بوست": "تنتهج مليشيا الحوثي مسلك محدد تجاه الصحفيين تنبع من الخلفية السياسية للصحفي، فهمي تتعامل مع الصحفي الإصلاحي المختطف بتعامل مختلف عن الصحفي المؤتمري المختطف، إلا إذا كان الصحفي يمتلك وعيا كاملا بمخاطر الإمامة وحروب الاجتياح التاريخية فالأمر يختلف، كما تم التعامل مع الصحفي الجبيحي الذي اعتقل بسبب مقاله التاريخي عن حروب الاجتياح، بينما يتم التعامل مع الصحفيين المستقلين أو المؤتمرين بناء على مستوى الرسالة والتأثير للصحفي، فكلما كان تأثير الصحفي المعارض للمليشيا أوسع كلما كان الانتهاك الذي يتعرض له أكبر".
وأضاف "ينبغي على الرأي العام الدولي أن يلتفت لهذا البلد حديث النشأة بالنسبة للديمقراطية، والذي تتعرض فيه حرية التعبير لحرب من قبل مليشيا الانقلاب، وتحولت فيه إلى كاتم صوت ضد حرية التعبير في اليمن، وهدفها من قمع الصحافة وحرية التعبير هو تصفية الشهود من مسرح الجريمة التي ارتكبت بحق بلد معذب مثل اليمن".
من جهته، يقول وكيل نقابة الصحفيين نبيل الاسيدي في تصريح لـ"الموقع بوست": "أعتقد أن الاعتقال لمدة يوم أو أكثر أو لمدة سنة هو جريمة يعاقب عليها القانون الإنساني مهما كانت الفترة، وبالنسبة للاعتقالات التي تمت في الفترة الأخيرة، وطالت أعضاءً في المؤتمر الشعبي العام أو صحفيين من الذين ينتمون للمؤتمر الشعبي العام وهم شركاء في حكم المليشيات هو نوع من آليات العقاب لكل من يناهضهم، أو يقول رأيا مخالفا، وهناك ترهيب للصحفيين بشكل واضح".
وتابع "نحن في نقابة الصحفيين ندين كل الاعتقالات مهما كانت حتى لو كانت لساعة واحدة أو غيرها، وكل الاختطافات مدانة ومجرمة وليس لها أي أساس قانوني، والمليشيات التي ترتكب هذه الأعمال هي خارج سلطة القانون، وتقوم بعملية انتهاك واسع وتجريف لكل الحريات الصحفية، وتدمير ما تبقى من الحريات الصحفية".
في الداخل هناك إرهاب واسع لكل الصحفيين بما فيهم الصحفيون المتبقون في العاصمة صنعاء أو في المناطق التي تسيطر عليها المليشيات، والهدف الرئيسي هو وأد ما تبقى من الحريات الصحفية أو ما يعتقد أنها حريات باقية حتى الآن.
معتقلون بالهوية
أحد السجناء من داخل السجن المركزي بصنعاء كشف لـ"الموقع بوست" عن وجود 450 معتقلا من أبناء تعز بداخل السجن وجميعهم تم اعتقالهم من الشوارع، ومن النقاط التابعة للمليشيات الممتدة على طول الطريق الرابط بين صنعاء وتعز، واعتقلوا ببطائق الهوية، وبعضهم مشتبه بهم اشتباه، ولا علاقة لهم لا بالجيش ولا بالسياسة ولا بالصحافة، فقط لأنهم ينتمون لمناطق مخلاف شرعب، أو صبر، أو غيره، وبعضهم اختطفوا وهم في طريقهم من تعز إلى مأرب، وألقابهم تحمل قبيلة جبهان أو غيرها والتي يعتقد أن لها صلة بالمقاومة في مأرب وغيرها.
وحكى الشاب الذي اختطف من نقطة أمنية تقع في مدخل صنعاء قصته لـ"الموقع بوست" قائلا بأنه قبل سنة وثمانية أشهر تم الاشتباه به وهو في طريقه إلى صنعاء واعتقله أفراد النقطة ومن ثم تم نقله إلى سجن الأمن القومي، وهناك خضع للسجن ما يقارب شهرين، تعرض خلالها لكل أصناف التعذيب والترهيب.
وأشار إلى أنهم أحضروا صور شخص يشبهه وهو في جبهات تعز، وأجزموا أنه هو، ومن هذا المنطلق مارسوا معه كل أصناف التعذيب حتى يعترف بذلك.
وكشف المختطف بأن معظم أسئلة المحققين له أثناء محاضر التحقيقات كانت تطالبه بالإجابات عن أسئلة تتعلق بمخازن الأسلحة وأماكنها، وأين تتمركز المقاومة؟ وأين هي مقرات القادة؟ ومن هذا القبيل، في حين لم يكن يعرف هو أي شيء من هذا ولا علاقة له بذلك.
نقل الشاب -حسب حديثه- من سجن الأمن القومي إلى البحث الجنائي، وهناك أمضى شهرين آخرين مع التعذيب والتحقيقات، بعدها نقل إلى السجن المركزي بصنعاء، وترك بدون أي محاكمة أو اتخاذ أي إجراءات بحقه.
في السجن المركزي سعى هذا الشاب لمخاطبة المعنيين داخل السجن لإطلاق سراحه، لكن الرد الذي كان يلاقيه مع زملائه بأنهم مختطفون، وسيتم مبادلتهم بأسرى الحوثيين الذين سقطوا في تعز بيد المقاومة والجيش الوطني.
استطاع البعض الخروج من السجن مقابل دفع مبالغ طائلة، في حين يؤكد هذا الشاب أنه عرض على عناصر المليشيا التي تدير السجن مليون ريال مقابل الإفراج عنه لكن كل محاولاته باءت بالفشل.
معتقلون يموتون داخل السجون
فريق آخر من المعتقلين يتعرضون للتعذيب حتى الموت، وكثيرون هم الذين وثقتهم المنظمات الحقوقية، والناشطون الحقوقيون، كان آخرهم شاب تم العثور عليه في سجن الأمن السياسي بمحافظة الحديدة.
الناشط الحقوقي عبد الرحمن برمان كتب على صفحته في فيسبوك، الاثنين الماضي، القصة وقال "استشهاد المخفي قسريا فائز محمد غالب العدوفي (23 عاما) بعد أن اعتقلته مليشيات الحوثي أول ليلة من عرسه من فندق بمدينة الجراحي بمحافظة الحديدة، وظل 21 يوما في معتقل يتبع الأمن السياسي بمدينة الحديدة، ونقل إلى مستشفى الثورة في غيبوبة، واستلمه أحد أقاربه، وتم نقله إلى صنعاء، وأدخل العناية المركزة في مستشفى الكويت، وفارق الحياة بعد 11 يوما من نقله من الأمن السياسي".
وتابع "فائز شاب بسيط أكمل الثانوية العامة، ولم يتمكن من مواصلة الدراسة الجامعية بسبب فقر أسرته وعمل سائق دراجة نارية، وحدث خلاف مع أحد مشايخ منطقته في تعز بسبب رفضه الخنوع للشيخ".
وأردف "جمع أهالي المنطقة مبلغ مالي لفائز الشاب المصاب بتليف الكبد للعلاج، كي يتمكن من الزواج، وفي ليلة عرسه كان مع عروسته في فندق بمدينة الجراحي، وقام الشيخ الذي اختلف معه بالتواصل مع مشرف الحوثيين بمدينة الجراحي ويدعى أبو عامر، وأخبره عن صيد ثمين وإرهابي كبير في إطار منطقة الجراحي وحدد له الفندق، حينذاك داهمت مجموعة أبو عامر الفندق، وتم اعتقال فائز وسط صراخ زوجته ابنة القرية التي صدمت لهول ما حدث".
لاحقا أنكر الأمن السياسي وجود معتقل بهذا الاسم وأقسم مشرفو الحوثي أنهم لا يعلمون عنه شيئا حتى خرج محمولا شبه جثة هامدة.
اعتقالات نشطاء المؤتمر
مصادر مقربة من جماعة الحوثي، كشفت لـ"الموقع بوست" عن علاقة الاعتقالات الأخيرة بالاتفاق الذي تم بين جماعة الحوثي وصالح، حيث طرح الحوثيون لصالح مسألة الهجوم الإعلامي عليهم من قبل أعضاء في المؤتمر ومن الصحفيين المحسوبين للمؤتمر، معتبرين بأنهم عملاء مع التحالف ومع المملكة العربية السعودية، وتذكر المصادر بأن صالح رد عليهم بالقول "ليس كل من ينتقدكم له علاقة بالمؤتمر أو أنه يمثل صالح"، ومن هنا ومن منطلق قوله إن لا علاقة لهم به، قال الحوثيون "نحن سنتصرف معهم وعليك السكوت".
وأضافت المصادر "سعت جماعة الحوثي فعلا إلى اعتقال من يقوم بمهاجمتهم وعلى اعتبار أنهم محسوبون على حزب المؤتمر وكان على صالح فعلا السكوت".
كشوفات جاهزة
وأوضحت المصادر لـ"الموقع بوست" بأن هناك كشوفات بأعضاء في المؤتمر تعتقد الجماعة أن لهم علاقة وتواصل بالإمارات وبالتحالف وأنها ستقوم باعتقالهم واتخاذ الإجراءات بحقهم، وهناك أسماء بصحفيين وناشطين محسوبين على المؤتمر لن يصمت الحوثيين ولن يسكتون عنهم وعما يكتبونه عنهم.
ومن المتوقع أن تواصل مليشيا الحوثي حملة الاعتقالات الواسعة خلال الأيام القادمة خصوصا للذين سيظهرون معارضين لهم سواء في مربع المؤتمر الشعبي العام أو غيره من المربعات الأخرى التي تقع ضمن حريات الصحافة والتعبير أو غيرها من الجوانب.
صحفيون يخضعون لمحاكمة غير عادلة
يقول الناشط الحقوقي عبد الرحمن برمان "يواجه 10 صحفيين يمنيين محاكمة غير عادلة وأتوقع أحكاما قاسية أمام نيابة ومحكمة أمن الدولة الخاضعة لسلطات الحوثيين وصالح وأمام قاضي الإعدامات الذي أصدر حكما بإعدام الرئيس هادي وعدد من مساعديه بتهمة انتحال صفة رئيس الجمهورية على اعتبار أن الرئيس الشرعي هو محمد علي الحوثي، بينما الرئيس هادي الذي صعد عبر صندوق الاقتراع ويعترف به المجتمع الدولي والأمم المتحدة هو نفس القاضي الذي حكم بالإعدام في جلسة واحدة وداخل أقبية جهاز الأمن السياسي".
ويوضح برمان "اعتقل الصحفيون خلافا للقانون، وتم إخفاؤهم قسريا عدة أشهر، تعرضوا خلالها لأبشع أصناف التعذيب الجسدي والنفسي، وقبل أكثر من عام أحيل ملفهم للنيابة الجزائية المتخصصة بصنعاء، والتي أبلغت محاميهم بأنه سيتم الإفراج عنهم، لكن فجأة تم إعادة ملفهم من النيابة وعادت عملية الإخفاء القسري والتعذيب وإرهاب أسرهم وذويهم".
وطبقا لبرمان "يواجه الصحفيون العشرة كما هو حال الـ36 ناشطا يحاكمون أمام هذه المحكمة الاستثنائية والغير دستورية إجراءات تعسفية وغير قانونية، فرغم أن ملفهم قد أحيل إلى النيابة قبل أسبوع، إلا أن النيابة لم تبلغهم بذلك حتى الآن، ولم تبلغ محاميهم وذويهم خلافا لقانون الإجراءات الجزائية الذي يلزم النيابة بإبلاغ المقبوض عليهم بكل إجراء جديد يتم بحقهم وهذه بداية سيئة تؤكد أن النيابة تعمل بنفس وتوجيه استخباراتي لا قانوني".