[ تتواجد حاليا ثلاثة مراكز صناعية في اليمن ]
ازدهرت صناعة الأطراف في اليمن خلال العامين الأخيرين بعد تزايد أعداد الضحايا الذين خلفتهم تلك الحرب، خاصة أولئك الذين يحملون إعاقات متنوعة في أجسادهم.
ونشأت هذه الصناعة كاستجابة لمخرجات الحرب في المناطق التي تشهد مواجهات مسلحة، أو الألغام التي زرعتها المليشيا، أو القصف العشوائي.
وتتواجد ثلاثة مراكز لصناعة الأطراف في اليمن، الأول في تعز، والثاني في عدن، والثالث تم انشاؤه حديثا في محافظة مأرب، وهي المدن التي عاشت جحيم الحرب، وتعرضت للقصف والمواجهات المسلحة التي لا تزال مستمرة فيها، باستثناء عدن التي هدأت فيها الأوضاع العسكرية نسبيا.
وتقدر اللجنة الدولية للصليب الاحمر وجود 7 ألف معاق في اليمن خلال عامين، فيما وثق الاتحاد العام للمعاقين نحو 2647 حالة.
وتضاعفت المأساة مع عجز صندوق رعاية المعاقين في صنعاء عن تقديم خدماته، بعد تخفيض مليشيا الحوثي لميزانيته المالية من ستة مليار إلى أقل من مليارين في العام الواحد.
صناعة الأطراف في مأرب
نشطت في محافظة مأرب، شرقي اليمن، صناعة الأطراف بشكل واسع مؤخرا، بفعل المعارك والمواجهات التي يخوضها الجيش الوطني والمقاومة الشعبية من جهة، وقوات الانقلابيين التابعين لمليشيا الحوثي والمخلوع صالح من جهة أخرى منذ نحو عامين.
يقول أحد الجنود ويدعى أحمد (25 عاما) وهو يشير إلى أحد سيقانه "انتظرت أكثر من عام لهذه القدم، ولم أستطع البقاء في سكن الجرحى طوال فترة انقطاعي عن الحرب".
يضيف أحمد بحماس "فقدت قدمي في جبهة صرواح، واليوم سأعود مجددا إلى الجبهة بعد تركيب هذه القدم الصناعية".
تركيب الأطراف الصناعية
يقول مدير مركز صناعة الأطراف بمستشفى مأرب هيثم أحمد علي (سوداني الجنسية) إنه يلاقي الكثير ممن بترت سيقانهم كحال "أحمد".
ويؤكد لـ"الموقع بوست" أن عملية تركيب طرف صناعي تمر بمراحل أربع بعد أربعة أشهر تماما من تاريخ البتر، ويصل عمر السابق إلى أربعين عاما حيث تبدأ المراحل بالمعاينة وفحص الحالة، ثم انتظار التآم الجرح المبتور، ومعرفة مدى قبوله لتركيب طرف، أو إعادة بتره ليكن مناسبا لتركيب الطرف الصناعي.
اقرأ أيضا: مركز الأطراف الصناعية بتعز مأساة خارج اهتمام الحكومة
تليها -حسب مدير مركز صناعة الأطراف- مرحلة قياس الطرف المتبقي وطول الشخص لصناعة طرف مناسب لطول الشخص وحجمه وحجم طرفه، ليكون كل شيء بمقاسه المناسب.
ثم تأتي مرحلة التركيب وبعدها تدريب الحالة نفسيا، ليتأقلم كشخص طبيعي على هذا الطرف الصناعي لممارسة حركات طبيعية في مكان خصص لهذا الشأن تحت إشرف خبير سوري.
وأوضح الدكتور هيثم أحمد أن المركز عليه فقط أن يستقبل الكشوفات والأسماء والبيانات القادمة من إدارة سكن الجرحى، ويؤكد وجود جهة مختصة في سكن الجرحى تقوم بتسجيل بيانات الحالات والرفع بها إلى مركز صناعة الأطراف.
أطراف بصناعة محلية
ووفقا للمختصين بالمركز، فقد جاء إنشائه لهدفين، الأول تركيب الأطراف الصناعية للجرحى، والثاني تدريب كادر يمني لصناعة وتركيب أطراف صناعية.
يقول هيثم أحمد مدير المركز "الهدف الأساسي من وجودنا هنا هو تدريب كادر يمني متخصص في صناعة وتركيب الأطراف البديلة وهو ما نعتبره بصمة منظمة أطباء عبر القارات في اليمن".
وأكد هيثم أن هذا الهدف قد نجح وتم تدريب ستة يمنيين أحدهم أنثى، وباتوا الآن يعملون بنجاح تحت إشراف ستة خبراء من تركيا وسوريا والسودان، حد قوله.
وقال بأن المتدرب اليمني (فني) يسلم أو يركب ثلاثة أطراف في الأسبوع، بينما ينتج أو يركب أحد أعضاء المنظمة (خبير) 15 طرفا في الأسبوع، وهذا ما اعتبره مدير المركز نجاحا كبيرا في استيعاب وفهم العمل من قبل المتدربين.
مدير مركز الأطراف البديلة هيثم قال إن دعم المركز من تمويل المنظمة المدعومة من عدد من الدول الأوروبية والعربية ودولة تركيا التي قدمت منها منظمة "أطباء عبر القارات - تركيا"، ويؤكد أن مركز الملك سلمان يساهم في هذا الأمر عبر تسهيل عبور احتياجات المركز وطاقم المنظمة من السعودية إلى اليمن.
العشرات ينتظرون
يقول أحد الجرحى (يوسف) "انتظرت أكثر من عامين لتركيب ساق صناعية بعد حملي لهذه العصا منذ العام 2014".
يشعر يوسف (26 عاما) بالألم جراء الأمر عندما يتذكر المستقبل، ويقول "أود أن أسير هكذا"، وأشار بأصبعه إلى شاب يسير على قدم وساق صناعي في الشارع.
بجانب يوسف، هناك تقديرات تشير إلى وجود 900 شخص في مأرب ينتظرون عودة حياتهم الطبيعية في المجتمع عبر تركيب أطراف صناعية بديلة لأطرافهم التي فقدت معظمها بانفجارات ألغام أرضية ومقذوفات وصواريخ، حسب مدير مركز صناعة الأطراف البديلة بمأرب.
يكشف الدكتور هيثم أحمد علي مدير مركز صناعة الأطراف لـ"الموقع بوست" عن وجود كشوفات بأسماء كثيرة ينتظر أصحابها تركيب أطراف بديلة تتنوع بين الأقدام والركب والسيقان والكفوف والذراعات، ويوجد 600 منهم حاليا في سكن الجرحى، والبقية سجلت أسماؤهم وهم في أماكن مختلفة، حسب قوله.
ويضيف "تحمل المركز احتياجات مفقودي الأطراف منذ العام 2014 حتى اليوم، ولازالت الحالات تصلنا لأشخاص فقدوا أطرافهم في العام 2015".
وحسب تأكيد هيثم، فإن زيادة عدد أسماء طالبي الأطراف البديلة جعل المنظمة (أطباء عبر القارات-تركيا) تمدد فترة بقاء عملها، وتوقع اتفاقية جديدة مع الحكومة اليمنية ومستشفى مأرب العام لاستكمال احتياجات كافة الحالات.
وقال "إننا نتحمل نتائج أربعة أعوام من الحرب، التي لم تأتِ سوى بالجرحى والإعاقات والموت".
اتفاقية جديدة
وأوضح هيثم أن "منظمة أطباء عبر القارات بتركيا وافقت على طلب صناعة وتركيب ألف طرف إضافي كمرحلة ثانية، وسنعمل عليه خلال الأيام القليلة القادمة".
ويكشف بأن المرحلة الأولى كانت صناعة وتركيب 300 طرف خلال 4 أشهر وهو مالم يستطع المركز تنفيذه حتى الآن، لأسباب انشغال المركز بعملية تدريب كادر يمني لصناعة وتركيب الأطراف الصناعية محليا، حسب قوله.
وأوضح أن ما تم تركيبه حتى الآن هو 73 طرفا صناعيا، وتعديل 37 طرفا صناعيا، إضافة لتعديل بعض الأطراف لمن أجروا عمليات تركيب خارج المركز، سواء داخل العاصمة صنعاء، أو في بلدان أخرى.
عوائق
يعتبر مدير مركز الأطراف الصناعية أن أهم عائق يواجهه المركز عملية التأخير الكبير جدا حيال استقدام المواد الخام من خارج اليمن أو استقدام أو استبدال أعضاء المنظمة، وأوضح أن العملية الأمنية ليست منسقة بفعل عدم التنسيق بين المناطق المحررة التي يأتي منها الجرحى مع الجيش الوطني.
إناث مبتورة الأطراف
"فاطمة" واحدة من ثلاث إناث توجد أسماؤهن في كشوفات من تم تركيب أطراف صناعية لهم في ذات المركز، كما توجد ثلاث أخريات في قائمة الانتظار لتركيب أطراف صناعية مختلفة في أجسادهن.
ووفقا لبيانات المركز، فجميع الحالات الخاصة بالنساء تسببت الألغام التي زرعتها قوات الحوثي والمخلوع صالح ببتر أطرافهن أثناء مرورهن في الطرقات بعد خروج تلك القوات.
مراكز تعز وعدن
تعد مراكز صناعة الأطراف الصناعية في تعز وعدن من المراكز القديمة نسبيا في اليمن، لكن الحاجة لخدماتها زادت مؤخرا بشكل كبير، وباتت تلك المركز تغطي المدن التي تتواجد فيها إضافة للمحافظات المجاورة.
يتلقى أغلبية العاملون في تلك المراكز أجورا متدنية، ويشتكون من الإهمال الحكومي، وضعف الميزانية المالية اللازمة، وانعدام الأجهزة والتحديثات التي يحتاجونها لتقديم خدمة وآلات تلبي الأعداد المتزايدة، وتعوض الضحايا عما فقدوه.
ففي عدن بعض العاملين في مركز الأطراف الصناعية هم من ذوي الاحتياجات السابقة الذين يعانون من إعاقات في أحد أعضائهم، ويتقاضى بعضهم عشرة ألاف ريال في الشهر (أقل من خمسن دولارا)، وهو مبلغ ضئيل قياسا بالوضع الذي يعانيه الموظف والوظيفة التي يقوم بها.