[ مليشيات الحوثي - أرشيفية ]
في زمن المليشيات تحدث المتناقضات، ويحدث كل ما هو خارج سياق حدود العقل والمنطق، وفي ظل مسلسل طويل من الفيد والنهب لكل ممتلكات الدولة من بنك، وواردات، ومؤسسات، ومصانع، وسيارات، ومعسكرات، قامت بها جماعة انقلابية مسلحة، لا يمكن تصور حادثة تنفيذ حكم مليشيا الانقلاب بصنعاء عندما حكمت ببتر يد سارق في ميدان التحرير، ووسط جموع غفيرة من الناس.
شيء لا يصدق وباعث لأعلى درجات السخرية وأعلى درجات السخط الشعبي والاجتماعي.
يقول الصحفي مراد سبيع، معلقا على ما لاحظه أثناء مروره من ميدان التحرير، والمليشيات تحشد الناس لعبرتها وفعلتها التي لا يمكن لأي يمني أن يقبل بها أو يعتبر أنها تأتي من باب إخلاص الجماعة للشرع، يقول مراد: "صنعاء لم تعد صنعاء، أثناء مروري صباح اليوم من ميدان التحرير، شاهدت مئات الأشخاص متجمهرين، منتظرين قطع يد السارق الصغير على أيدي السرق الكبار، وما قطع الأيدي إلا تضحية بسارق لتلميع سارق آخر أكبر، والقصة ذاتها مع المغتصبين".
قالها مراد وقالها كثيرون من بسطاء وعمال ومعلمين وطلاب وباعة، وجميعهم استنكروا هذه الخطوة التي لم تحصل في أي زمن مضى وعلى مدى تاريخ اليمن، وحصلت في 2017.
يقول الإعلامي والمحلل السياسي محمد المقبلي لـ"الموقع بوست": "سيذكر التاريخ أن في صنعاء الرهينة عام 2017 قطعوا يد سارق شنطة (حقيبة) وصفقوا وصرخوا لسارق دولة، وهذا يجسد نظام الترهيب الإمامي الذي كان يعمل على تعميم الإشاعة".
أما الناشط السياسي محمد اليزيدي فيقول: "وسط جمع غفير، طبق الحوثيون شريعة الله، وبتروا يد شاب في سن المراهقة دفعه الفقر والبؤس والجوع والعوز والحرب وغياب الوعي لأخذ حقيبة فتاة، كما قيل، في حين أن اللصوص الذين سرقوا الملايين من أموال الشعب الذي ينتمي إليه هذا الشاب محفوظين ومحميين ومطمئنين، وبأمر الحوثيين، وهم الذين يشغلون المناصب ويعتبرون أنفسهم دولة مسؤولة".
ويذهب اليزيدي متسائلا: "هل يعلم هؤلاء بأن الشرع والعرف والقوانين تتعاطى مع كل حادثة بحسب الظروف والملابسات المحيطة بها، الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، الزمانية والمكانية، فتعطيها عقوبتها وإجراءاتها العادلة والخاصة بها، وبما يخدم الصالح البشري العام، وبأن الله لا يقبل أن يُنفذ حكما كهذا، في ظرف كهذا، وفي بلد تجتاحه المأساة والمجاعة والفاقة والفقر كل يوم، بلد بلا رواتب، باسمه، وباسم شريعته، وبلد يسرح ويمرح فيه اللصوص الحقيقيون والمتسببون في جوع وفقر وعوز كل أبنائه، ويتكاثرون ويتناسلون كالنمل، بكل حرية، وفي كل جزء من الثانية".
ويقول الصحفي علي الفقيه لـ"الموقع بوست": "اللصوص الكبار يقطعون أيدي اللصوص الصغار للتغطية على جرائم السرقة التي ارتكبوها بحق الخزينة العامة والممتلكات العامة والخاصة، فسارق المليار يقطع يد سارق الألف ليغطي على جريمته ويلفت نظر الناس عن المجرمين الحقيقيين. كما أني اعتبرها محاولة لشرعنة الأحكام القضائية الصادرة عن المحاكم المخطوفة بيد المليشيا حتى يتسنى لهم تمرير الأحكام التي يصدرونها بحق مناوئي الانقلاب".
كثيرة هي الانتقادات وعبارات السخط والاستنكار التي أطلقها كثيرون من اليمنيين من ناشطين وسياسيين وغيرهم من الفئات الاجتماعية الأخرى.
الناشط السياسي وعضو الحزب الاشتراكي اليمني همدان الحقب قال في حديثه لـ"الموقع بوست": "تجمعت الجماهير لتشهد قطع يد إنسان بائس ربما اضطره الجوع أن ينشل شيئا تافها في حق إنسان مسكين نفذها أناس سرقوا قبل أسبوع معدات مصنع البرح لإنتاج الإسمنت والبالغة كلفتها 100 مليون دولار".